«جوراسيك وورلد».. أزمان سحيقة وفروقات قليلة

«جوراسيك وورلد».. أزمان سحيقة وفروقات قليلة
«جوراسيك وورلد».. أزمان سحيقة وفروقات قليلة

"عالم جوراسيك" هو ليس عالما حقيقيا لكنه يستنبط من الحقيقة بعض فحواه فيقدم عملا فنيا يصّنف ضمن الخيال العلمي والمغامرة، ويناقش بين ثنايا مشاهده البانورامية وحواراته السيناريوهية قضية حماية الحيوانات المهددة بالانقراض. ولطالما كانت هذه القضية مادة دسمة في المحافل الدولية وعلى طاولات مؤتمرات البيئة والاستدامة، فكيف سيتم دخول القرية الجوراسية في فيلم "عالم جوراسك: نهاية المملكة" وهل سينجح دعاية حماة البيئة والحيوانات من حماية الديناصورات الموجودة والمهددة بالانقراض؟
يرتبط عالم جوارسيك ارتباطا وثيقا بالمُشاهد الذي ترعرع على فكرة وجود هذا العالم منذ عام 1993، الوقت الذي انطلق فيه الفيلم الأول جوراسك بارك (حديقة الديناصورات) من إخراج ستيفن سبيلبرج الذي يعد أحد أشهر مخرجي هوليوود، والتي تسببت في ارتفاع عدد الطلبة المنضمين لدراسة علوم الحفريات فى الولايات المتحدة. وتوالت الأجزاء الثلاثة التي صدرت في الأعوام 1997، 2001، و2015، إلى أن وصلت إلى أكثر الأجزاء إتقانا.

بداية تحبس الأنفاس

ويعد فيلم "عالم جوراسك: نهاية المملكة" الجزء الخامس من سلسلة تلك الأفلام الشهيرة والتي تبدأ اللحظات الأولى منه بشد حواس المشاهد وحبس الأنفاس، حيث دخلت إحدى الشركات إلى قرية الديناصورات كي تحصل على عينات تستخدمها في إيجاد أو توليد أنواع جديدة من هذه الفصيلة، إلا أن الديناصورات التهموهم، ولم ينج منهم إلا القليل، وهم الذين كانوا في الطائرة، وبعد مضي ثلاثة أعوام على إغلاق الحديقة الجوراسية بسبب الأحداث المفجعة التي أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الزائرين نتيجة خروج الديناصورات عن السيطرة، يظهر أحد رجال السياسة في الإدارة الأمريكية، يدافع عن فكرة وجود الديناصورات ويطالب بحمايتهم من البركان، الذي سينفجر على الجزيرة ويقضي عليهم جميعا، إلا أن الإدارة الأمريكية ترفض التدخل بالأمر، لذلك تقرر إحدى الجهات الاستعانة بكل من "أوين"، يلعب دوره الممثل كريس برات، و"كلير"، تلعب دورها الممثلة برايس دالاس هوارد، لما لهما من خبرة في التعامل مع تلك المخلوقات، وترسلهم في مهمة غير رسمية إلى الجزيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الديناصورات المهددة بالانقراض.

انسجام الأبطال

إن هذا الثنائي، الذي لعب دور البطولة أيضا في الجزء الأول، تميز بكثير من الانسجام، حيث إن "أوين" وكلير كانت تربطهم علاقة غرامية قبل أن ينفصلا بسبب بعض المشاكل والتي لم تكن واضحة في الفيلم، حتى إنه لم يتم إلقاء الضوء على علاقتهم كيف كانت وما مدى عمقها، فكل ما في الأمر أنهما اجتمعا مجددا لإنقاذ الديناصورات، ولحظة وصولهم تظهر أمامهم حقيقة مأساوية وتُكشف لهم العديد من الأسرار ويدركون أن الديناصورات ليسوا مصدر الخطر الحقيقي، فالجهة التي تعمل على إنقاذ الديناصورات مؤلفة من رجل عجوز يدعى بنجامين لوكوود، يؤدي دوره الممثل جيمس كرومويل، وهو من المؤسسين للعالم الجوراسي، وعاش طيلة حياته وسط أبحاث عن الديناصورات وفصائلها المختلفة، لديه حفيدة تدعى ميزي، توفيت والدتها وهي في عمر صغير، ورجل أعمال يدير ثروة العجوز يدعى ميلز، يلعب دوره الممثل راف سبال، يقنع بنجامين أنه سيحافظ على الديناصورات لكنه في الحقيقة الطمع أعماه فقرر جلبهم وبيعهم بالمزاد العلني وجني ثروة من ورائهم.

علاقة بين البطل والديناصورات

عاش أوين مع الديناصورات منذ صغرهم، حيث قام بتربيتهم واكتشاف عالمهم جنبا إلى جنب إلى أن نشأت علاقة وطيدة بينهم دفعت بالديناصور "بلو" التي كان يدللها في صغرها أن تدافع عنه أمام باقي الديناصورات وتعرض حياتها للخطر للدفاع عنه، ولقد حاول المخرج من خلال تكرار هذه الفكرة في الفيلم إلى التأكيد أن الحيوانات صديقة وفية ولا يمكن أن تنسى صاحبها في حين أن البشر يتناهشون لحم بعضهم بعضا، وجعل المقاربة أقرب إلى ذهن المشاهد عندما أطلق أحد العناصر كبسولة مخدرة على أوين وتركه مرميا على الأرض، وعندما استيقظ أخذ يصارع البركان الذي يقترب منه.

تغيير جذري 

اختلف سيناريو هذا الجزء عن سابقه بكثير من الأمور، ولقد استطاع كاتبا السيناريو كولين تريفورو، مخرج الجزء الرابع من السلسلة، والكاتب ديريك كونولي أن يحدثوا تغييرا جذريا في الخط الجوراسي، حيث تم وضع البشر والديناصورات -للمرة الأولى- بنفس الجانب، بينما كانت تلك الكائنات تمثل خطرا عليهم بسبب طبيعتها إلا أن مصدر الخطر الحقيقي بالفيلم كان إلى جانب الطبيعة الثائرة للديناصورات البشر أنفسهم الذين لا يأبهون للثروة الحقيقية لتلك الديناصورات ويريدون الحصول على المال فقط، حتى لو اضطرهم الأمر إلى القضاء على بعضهم من أجل الخروج بالديناصورات وإيصالها إلى المركز الذي ستباع منه، وهي مملكة لوكوود.

الإخراج والتصوير

أثناء قيام أوين وكلير بالتقاط الديناصورات ونقلهم إلى مكان آمن تدور كثير من المعارك خاصة بعد اكتشاف أوين حقيقة بيع الديناصورات، ولقد أمسك المخرج جي أيه بايونا بعقل وقلب المشاهد منذ اللحظات الأولى وصولا إلى النهاية، وكان يزداد عنصر التشويق والإثارة مع كل حدث أو مشهد، وليس هذا فحسب، بل اعتمد المخرج على إظهار لقطات طبيعية فائقة الجمال، فكانت تهيم عدسته فوق الجبال المكسوة بالأشجار الخضراء، حتى إن ثورة البركان وكيفية تطاير الشعلات النارية على الجزيرة كانت كلوحة فنية جميلة، ولقد اعتمد موسيقى تصويرية مناسبة جدا كانت تنقل بعلو صوتها من مشهد درامي طبيعي إلى مشهد رعب حقيقي بطريقة تقحم الشاهد إلى قلب المشهد. حتى إن مشاهد الاشمئزاز، حينما يضع الديناصور مواد مخاطية على وجه أوين، يدل على براعة المخرج في توصيل كل الانفعالات إلى المشاهد، أما المشهد المؤثر فعلا فهو عندما علق أحد الديناصورات على الجزيرة تراقب السفينة وهي تقل رفيقاتها، بينما هي تحترق، ولقد ساعد أداء أوين البارع بنظراته حسب المشهد، كما أنه تم وضع بعض المشاهد الكوميدية الخفيفة، التي إن أضفت نكهة جميلة غير أنها غير مناسبة وبانت مصطنعة إلى حد ما.

ماذا بعد النهاية؟

بعد نقل الديناصورات وفرار أوين وكلير وفرانكلين، يؤدي دوره الممثل جاستيس سميث، على متن السفينة نفسها التي تقل الديناصورات يبرز دور مميز للطفلة ميزي التي كشفت ما يدور في منزل لوكوود، وحاولت إخبار جدها لكنه توفي، فتحالفت مع أوين وكلير وكان لها دور أساسي في تحرير الديناصورات، لكن المشاهد المتعلقة بتلك الفتاة التي لا تتعدى الثماني سنوات كان مبالغا به، فلقد تسللت على الشرفات بمفردها وتعاركت مع الديناصورات، فجاء دورها غير مناسب لعمرها على الإطلاق، وكبسة زر النهاية هي من قامت بضغطه، لكن في أي اتجاه ذهبت الفتاة بعد أن أوشكت الديناصورات على الموت جميعها بفعل الغاز السام المنبعث في المكان؟! الخاتمة حتى اللحظة الأخيرة كانت بين خيارين فإما وقف حياة تلك الديناصورات وإنهاء عالم جوراسيك الذي امتد لأكثر من 25 عاما أو إكماله والبدء بحياة جديدة يعيش فيها الديناصورات والبشر على مساحة جغرافية واحدة، فأي خيار أخذته كلير وأي اتجاه سلكه أوين وماذا كانت ردة فعل ميزي؟!
ومهما كان الأمر، يبدو أن القائمين على هذا الفيلم أصروا على إبقاء الباب مواربا، تاركين عشاق هذا النوع من الأفلام في حيرة من أمرهم، ويستغرقون في السؤال: هل سيكون هناك جزء سادس لهذه السلسلة الشهيرة؟ أم أنه سيتم الاكتفاء بهذا الجزء ويكون نهاية هذه السلسلة؟ ويبقى الشيء اليقين أن المشاهد الأخيرة من الفيلم بقيت معلقة دون إجابة واضحة عن المصير الذي ينتظر الديناصورات وأبطال الفيلم. انتهى الفيلم دون أن يسدل المخرج الستارة، وجعلنا ننتظر النهاية.
ومن الجدير بالذكر أن السر في نشأة سلسلة Jurassic Park يعود إلى مزحة اعتاد المؤلف مايكل كرايتون إلقاءها على الناس حول كتابته لأغلى فيلم سيتم صنعه على الإطلاق، ما دفع عديدا إلى طلب مقابلته للحديث حول الفيلم، لينتهى الأمر بمقابلته ستيفن سبيلبرج الذي عرض عليه 1.5 مليون دولار مقابل حقوق القصة ونصف مليون لكتابة سيناريو الفيلم.
وقد استطاع فيلم ‏"عالم جوراسك: نهاية المملكة" أن يتربع على عرش إيرادات السينما في الأسابيع الأولى لانطلاقته في صالات العرض، محققا إيرادات بلغت 932 مليون دولار، 264 منها في أمريكا وحدها حتى الآن.

الأكثر قراءة