دور الوساطة الثقافية في تعزيز الإبداع «1 من 2»
يلعب الأفراد متعددو الثقافات دورا محوريا في بناء جسور التواصل بين العوالم الثقافية المختلفة، وتتم الإشادة عادة بالمزايا المتعددة للتنوع الثقافي ضمن بيئة العمل، دون التركيز على تأثيراتها السلبية في أداء فريق العمل. فمن جهة، يستحضر الأشخاص في فرق العمل التي ينحدر أفرادها من ثقافات عدة، وجهات نظر وأفكارا ومعارف قيمة. ولكن من جهة أخرى، يمكن لأعرافهم ومعتقداتهم الثقافية المختلفة أن تتسبب في إعاقة عملية التواصل، وقد تتسبب في نشوء صراعات. فإذا أخدنا في الحسبان الطبيعة المزدوجة للتنوع الثقافي، فكيف يمكن للفرق متعددة الثقافات الاستفادة من نقاط قوتها لتحقيق نتائج خلاقة، وتجنب مخاطر التنوع الثقافي في الوقت نفسه؟ يشبه الإبداع الجماعي في الفرق متنوعة الثقافات الصندوق الأسود، حيث توجد لدينا فكرة جيدة عما يدور فيه - على سبيل المثال - "بنية الفريق" وما ينتج عنه - على سبيل المثال - "الإبداع"، لكن معرفتنا بالعملية في حد ذاتها تكون محدودة، فماذا يحدث بالفعل عندما يعمل أشخاص ينتمون إلى ثقافات مختلفة معا؟ بحثت ورقة عمل نشرتها سابقا في مجلة "العلوم" تحت عنوان: "الوسيط الثقافي والأداء الإبداعي في الفرق متعددة الثقافات"، كيفية تأثير الطريقة التي يتفاعل بها الأشخاص المنحدرون من خلفيات ثقافية متنوعة في فرق العمل والنتائج.
طرحت خلال بحثي إمكانية أن يلعب الأفراد المنحدرون من خلفيات ثقافية متعددة دورا رئيسا كوسطاء ثقافيين ضمن فرق العمل المتنوعة، وذلك من خلال بناء جسور بين الثقافات المختلفة، ما يتيح لأعضاء الفريق الاستفادة من هذا التنوع في تعزيز أدائهم الإبداعي. تعرف الوساطة الثقافية على أنها فعل تسهيل التواصل بين الأفراد عبر الحدود الثقافية. وفي رأيي، غالبا ما يشارك الأشخاص متعددو الثقافات في الوساطة الثقافية طواعية لمساعدة نظرائهم أحاديي الثقافة، وبعيدا عن أي سلطة قيادية رسمية لهم. ويتم تعزيز الإبداع عند جمع المعارف ووجهات النظر والأفكار المنبثقة عن مصادر مختلفة. ولاكتساب فكرة واضحة عن هذه الكيمياء في سياق الفرق متعددة الثقافات.قمت بإجراء دراستين: اعتمدت الدراسة الأولى على البيانات الأرشيفية لمسابقة عالمية لطلاب كليات الأعمال، وضمت خريجين وطلابا منحدرين من أكثر من 40 دولة، طلب منهم خلالها وضع خطة عمل لمقترح "فكرة جديدة" لشركة من اختيارهم خلال ثمانية أسابيع. تضمنت مجموعة البيانات النهائية 2117 فريقا "بمعدل ستة طلاب لكل فريق" شاركوا في المسابقة على مدار خمس سنوات. وقد تم تقييم جميع خطط العمل المطروحة من قبل عديد من المرشدين، ثم تمت مقارنة التقييمات بالتكوين الثقافي للفريق.
أظهرت البيانات أن وجود أعضاء منحدرين من عدة ثقافات داخل الفرق قد عزز الأداء الإبداعي للفرق بشكل كبير. وللحصول على مزيد من المعلومات حول تأثير الخلفية الثقافية للأعضاء متعددي الثقافات في أعضاء الفريق الآخرين، تم تصنيف الأفراد متعددي الثقافات على أنهم: شخص متعدد الثقافات مضطلع: إذا كانت لديه الخلفية الثقافية نفسها لعضو أو أكثر من أعضاء الفريق - على سبيل المثال - "شخص فرنسي أمريكي ضمن فريق مكون من أعضاء فرنسيين وأمريكيين". شخص متعدد الثقافات غير مضطلع: إذا لم تكن لدى العضو خلفية ثقافية مشتركة مع أي عضو آخر في فريقه - على سبيل المثال - "شخص أمريكي فرنسي في فريق أعضاؤه صينيون وأستراليون". خلافا للتوقعات السائدة، فإن فعالية الأعضاء "غير المضطلعين" كانت على مستوى المضطلعين ثقافيا نفسها من ناحية تعزيز الأداء الإبداعي للفريق. توصلت من خلال الدراسة إلى نتيجة مفادها، بأن الفرق التي تضم عضوا أو أكثر متعدد الثقافات، بغض النظر عما إذا كان "مضطلعا أو غير مضطلع"، تفوقت من ناحية الأداء على نظيراتها التي لا تضم أشخاصا منحدرين من ثقافات متعددة... يتبع.