التغير التكنولوجي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة
هناك تصاعد في مشاعر القلق إزاء التغير التكنولوجي والعولمة، وعندما يقترن هذا باتساع الاختلالات التجارية، يمكن أن يدعم التحول صوب السياسات الانغلاقية، ما يعرقل أنشطة التجارة والاستثمار. وفي هذا الصدد، هناك مخاوف تثيرها قيود الاستيراد التي أعلنتها الولايات المتحدة أخيرا، وكذلك الإجراءات الانتقامية التي أعلنتها الصين، والإجراءات الانتقامية المحتملة من جانب بلدان أخرى، وهو ما ينطوي على مخاطر الإضرار بالنشاطين المحلي والعالمي والمزاج السائد في الأسواق المحلية والعالمية. وبالمثل، من المتوقع أن تؤدي التغييرات في سياسات الضرائب الأمريكية إلى تفاقم استقطاب الدخل، ما قد يؤثر في المناخ السياسي الذي يتم فيه اختيار السياسات في المستقبل. ويفرض تغير المناخ والتوترات الجغرافية- السياسية وخروقات الأمن الإلكتروني مخاطر إضافية على الآفاق العالمية الضعيفة على المدى المتوسط.
والفرصة متاحة حاليا لإعطاء دفعة للسياسات والإصلاحات الكفيلة بحماية الانتعاش الجاري ورفع النمو متوسط الأجل بما يحقق مصلحة الجميع.
تعزيز إمكانات النمو الأعلى والأكثر احتواء للجميع: تمتلك كل البلدان حيزا للإصلاحات الهيكلية والإصلاحات في سياسة المالية العامة بما يرفع الإنتاجية ويعزز النمو الاحتوائي، وذلك بتشجيع تجريب التكنولوجيات الجديدة ونشرها، وزيادة المشاركة في سوق العمل، ودعم العمالة المسرحة، بسبب التغيرات الهيكلية، والاستثمار في الشباب لتعزيز فرصهم الوظيفية، على سبيل المثال لا الحصر. ويبرز التحليل الذي يتناول جانبا من جوانب التغير الهيكلي، وهو انخفاض نسبة وظائف الصناعة التحويلية من مجموع الوظائف القائمة وانعكاساته على نمو الإنتاجية وعدم المساواة، أهمية تيسير إعادة توزيع العمالة على القطاعات الأكثر ديناميكية من خلال تطوير مهارات القوى العاملة، وتخفيض تكاليف البحث عن وظيفة، والحد من الحواجز أمام دخول الأسواق والتجارة في الخدمات.
استكمال التعافي وبناء هوامش الأمان: ينبغي مواصلة التيسير النقدي حيثما كان التضخم ضعيفا، لكن ذلك يجب أن تعقبه العودة إلى السياسة النقدية العادية على أساس من الإفصاح الجيد وبالاعتماد على البيانات في البلدان التي يبدو فيها التضخم في سبيل العودة إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي. وينبغي أن تبدأ سياسات المالية العامة في إعادة بناء هوامش الأمان حيثما دعت الحاجة، وإدخال إجراءات على جانب العرض لتعزيز النمو الممكن، وتشجيع النمو الاحتوائي. وفي البلدان التي بلغت مستوى التشغيل الكامل أو كادت تصل إليه، مع عجز زائد في الحساب الجاري ومركز غير مستدام للمالية العامة (ولا سيما في الولايات المتحدة)، ينبغي العمل على استقرار الدين وخفضه في نهاية المطاف، والتراجع عن الإجراءات التنشيطية المسايرة للاتجاهات الدورية والجارية بالفعل. وسيتطلب هذا ضمان زيادة الإيرادات المستقبلية واحتواء نمو الإنفاق العام بالتدريج، مع تعديل تكوينه في اتجاه تحسين البنية التحتية، وزيادة المشاركة في سوق العمل، وتخفيض الفقر. أما البلدان ذات الفوائض الزائدة في الحساب الجاري والحيز المالي المتاح -على غرار ألمانيا- فينبغي أن تعمل على زيادة استثماراتها العامة التي ترفع النمو الممكن والطلب.
تحسين الصلابة المالية: يمكن للسياسات الاحترازية الكلية والجزئية أن تكبح الرفع المالي المتصاعد وتحتوي المخاطر التي تتعرض لها الأسواق المالية. ففي بعض الاقتصادات المتقدمة، لا تزال الحاجة قائمة إلى استمرار معالجة الخلل في الميزانيات العمومية. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة، ينبغي أن تستمر المراقبة الدقيقة لدرجة التعرض للدين المقوم بالعملات الأجنبية. وينبغي أن تستمر الصين في كبح النمو الائتماني ومعالجة المخاطر المالية، بناء على الجهود المبذولة أخيرا.
تحسين آفاق التقارب بالنسبة للبلدان النامية منخفضة الدخل: حتى يستمر التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة لعام 2030، سيتعين أن تطبق البلدان النامية منخفضة الدخل سياسات تعزز مراكز ماليتها العامة، وتدعم صلابتها المالية، وتخفض الفقر، وتجعل النمو أكثر احتواء لمختلف شرائح السكان. ومن خلال الاستثمار في مهارات القوى العاملة، وتحسين فرص الحصول على الائتمان، وتقليص ثغرات البنية التحتية، يمكن دعم التنويع الاقتصادي وتحسين القدرة على التكيف مع الصدمات المناخية حيثما تطلب الأمر ذلك.
توثيق التعاون: ينبغي إعطاء أولوية للحفاظ على زخم الإصلاحات المالية والتنظيمية والاحتفاظ بنظام تجاري مفتوح متعدد الأطراف. أن الاندماج العالمي ساعد على زيادة تدفقات المعرفة عبر الحدود، ونشر الابتكار، ونمو الإنتاجية عبر البلدان، وهو محرك أساسي لتحسين مستويات المعيشة وتعزيز الرخاء مع مرور الوقت. ومن الضروري أيضا أن تتعاون البلدان لمعالجة مشكلاتها المشتركة كالاختلالات الخارجية الزائدة والأمن الإلكتروني وتغير المناخ.