في أمريكا .. «شاي الأعشاب» يفسد مزاج «الموجة الزرقاء» الديمقراطية
كان ذلك قبل 12 يومًا من انتخاباتها التمهيدية في مقاطعة تكساس السابعة، عندما فهمت المرشحة لأول مرة لورا موزر الرسالة: لقد أرادت لجنة عمل سياسية ديمقراطية قوية إخراجها من السباق.
كانت موزر، وهي ناشطة تقدمية طويلة وقوية، واحدة من سبعة مرشحين ديمقراطيين يتنافسون على انتزاع مقعد العضو الجمهوري جون كَلبَرسُن، في منطقة تتقاطع مع منطقة هيوستن الحضرية.
وبسبب شعور لجنة الحملة الانتخابية للديمقراطيين في الكونجرس بالقلق من أن موزر قد تفوز بالترشيح، نشرت في شباط (فبراير) الماضي، مذكرة تفصيلية عن أنواع الهجمات الشخصية التي كان من المؤكد أن يقوم بها الجمهوريون ضد موزر.
لجنة الحملة الانتخابية للديمقراطيين استشهدت بمقال كتبته موزر لمجلة واشنطونيان، ذكرت فيه أنها تفضل أن تخلع سنها دون تخدير على انتقالها إلى باريس. تكساس، وهي مدينة يسكنها 25 ألف شخص، وتقع على بعد أكثر من 480 كيلو مترا شمالي هيوستن: "(لورا موزر) هي من الأشخاص المطلعين على دخائل واشنطن، التي انتقلت إلى هيوستن على مضض للترشح للكونجرس".
وقال متحدث باسم اللجنة في بيان له إلى صحيفة تكساس تريبيون "للأسف، فإن اشمئزاز لورا موزر الصريح من الحياة في ولاية تكساس يجعلها غير مؤهلة كمرشحة للانتخابات العامة، ومن شأنها أن تسلب الناخبين من فرصهم في قلب مقاطعة تكساس السابعة، في الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل".
إذا كان المقصود من هذه الخطوة هو إخراج موزر من السباق نحو الكونجرس، فقد كان لها تأثير معاكس. في الانتخابات التمهيدية في آذار (مارس)، فازت موزر بنسبة 24.3 في المائة من الأصوات - وهي نسبة قريبة من نسبة 29.6 في المائة التي أحرزتها ليزي بانيل فليتشر، ما دفع المرأتين إلى جولة ثانية.
في نيسان (أبريل) الماضي، أرسلت اللجنة بيانًا صحافيًا أدرجت فيه فليتشر الأكثر اعتدالا كواحدة من مرشحيها المعتمدين، ولكن بعد ذلك ببضع دقائق، أرسلت نسخة أخرى، قالت فيها اللجنة "إنها أضافت اسمها عن طريق الخطأ".
السباق مهم ليس بالنسبة إلى تكساس فحسب، حيث يتطلع الديمقراطيون إلى انتزاع ثلاثة مقاعد على الأقل في مجلس النواب من الجمهوريين، لكنه يضرب أيضا قلب المعضلة التي يواجهها الحزب الديمقراطي المعارض، في الوقت الذي يستعد فيه لسنة انتخابية حاسمة.
تدفع المؤسسة السياسية في واشنطن بقوة باتجاه أنواع المرشحين الوسطيين الذين تعتقد أن لديهم فرصة للفوز في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لكن كثيرا من طاقة الحزب تقع على جناح اليسار، الذي لا يزال يتألم من نتيجة الانتخابات التمهيدية الرئاسية عام 2016، عندما كان ينظر إلى اللجنة الوطنية الديمقراطية على أنها تدعم بنشاط هيلاري كلينتون للفوز على بيرني ساندرز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرمونت.
في بعض الدوائر، حصل النشطاء التقدميون على لقب "حزب شاي الأعشاب" - في إشارة إلى تمرد الجمهوريين خلال منتصف عام 2010، ما ساعد الجمهوريين على استعادة مجلس النواب، ودفع الحزب إلى اليمين، حيث يمكن القول "إن ذلك مهد الطريق لدونالد ترمب".
ترفض موزر فكرة أنها وعددا من النشطاء التقدميين الآخرين يمثلون هامشًا للحزب. في حين إن اللجنة والجماعات الديمقراطية الأخرى صورتها هي والتقدميين الآخرين بأنهم "محفوفون بالمخاطر" فوق الحد، على نحو لا يؤهلهم إلى الفوز في الانتخابات العامة، على اعتبار أن تقديم مرشحين خانعين وسطيين للحزب، تبين كذلك أنه ليس استراتيجية رابحة.
وتقول "أعتقد أن من الخطورة ألا تمثل أي شيء، إن الأمر مثل عدم تقديم البيرجر للناس، ثم نتوقع منهم الشعور بالشبع بعد ذلك".
وتضيف "أعلم أن الشخص لا يحصل على ما يريده طوال الوقت، لكن عليك أن تدع الناس يعرفون موقفك. أنت لا تسلِّم الحصن قبل أن يقتحمه أي شخص... نحن دائمًا نسمح للطرف الآخر بتعريف شروط حجة المناقشة".
حتى في الوقت الذي يتنبأ فيه الديمقراطيون بـ "موجة زرقاء" (كناية عن فوز الديمقراطيين) في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مدفوعين بمعارضة قوية لترمب، الأمر الذي قد يساعدهم على استعادة مجلس النواب، إلا أن البعض في الحزب يشعر بالقلق من أن قصصا مثل قصة موزر يمكن أن تثير الاستياء بين قاعدة الحزب، خاصة الناخبين الشباب، الذين يشعرون أن القيادة الديمقراطية مرة أخرى لا تتفق مع مؤيديها.
يقول هوارد دين، وهو مرشح ديمقراطي في انتخابات عام 2004، مشيراً إلى مذكرة اللجنة "المشكلة هي أنك لا تستطيع أن تفرض وجهات نظرك على الناخبين من واشنطن".
ويضيف دين، الذي أسس "الديمقراطية من أجل أمريكا" - واحدة من المجموعات التقدمية الرائدة في البلاد – "فإنه حتى لو فازت فعلا فليتشر، المرشحة المفضلة للجنة، فمن المؤكد أنه ستكون هناك ردة فعل قوية. لا يحب الناخبون أن تقول لهم الطبقة السياسية ماذا يفعلون".
ويقول "إنه في حين إن من المهم بالنسبة إلى الديمقراطيين الفوز بجميع السباقات التي يتمتعون فيها بالقدرة التنافسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل واستعادة مجلس النواب، إلا أن الطريق لفعل ذلك لا تكون بإصدار مراسيم، ودفع الناس إلى الخروج من السباق بشكل علني".
لاستعادة المجلس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، يجب على الديمقراطيين أن ينتزعوا 24 مقعداً جمهورياً.
ووفقًا لتقرير كوك السياسي، فإن 30 مقعدًا يحتفظ بها الجمهوريون تصنف على أنها الأكثر تنافسية، حيث يمكن لأي من الحزبين الفوز، مقارنة بثلاثة مقاعد للديمقراطيين محل نزاع.
في الانتخابات السبعة لمقاعد مجلس النواب الأمريكي منذ أن أصبح ترمب رئيسًا، تفوق المرشحون الديمقراطيون على مؤشر تصويت الحزب السياسي في تقرير كوك السياسي من ست نقاط إلى 12 نقطة، بل إنهم حصلوا حتى على مقاعد في حالة كونور لام في بنسلفانيا ودوج جونز في سباق مجلس الشيوخ في ألاباما.
يجادل الديمقراطيون الوسطيون بأن الانتخابات الخاصة والنتائج التمهيدية الأخيرة تدعم النظرية القائلة إن المرشحين المعتدلين يتغلبون على التقدميين.
في الانتخابات التمهيدية لحكام الولايات في ولاية أوهايو، هزم ريتشارد كوردراي، وهو بيروقراطي ضعيف قاد مكتب "الحماية المالية للمستهلكين"، الزعيم الليبرالي دنيس كوسينيك.
كذلك خسر خمسة من مرشحي الكونجرس السابقين المدعومين في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية من قبل "ثورتنا" التابعة لساندرز، سباقاتهم. وفاز ستة من مرشحي الكونجرس السبعة المدعومين من قبل اللجنة.
يقول مات بينيت، وهو استراتيجي عمل في البيت الأبيض في عهد بيل كلينتون "في واشنطن على الأقل، لا يزال هناك هذا الخلط الهائل بين طاقة المقاومة وهذا الطلب للسياسة على نمط ساندرز.
هذان الأمران ليسا الشيء نفسه. السبب نفسه في أنك ترى هذا الإقبال الكبير هو أن مقاومة ترمب قوية وحيوية وضخمة. هؤلاء ليسوا أشخاصا يطالبون بأن يكون الديموقراطيون كلهم على نمط (ساندرز)".
بالنسبة إلى بعض النشطاء التقدميين، فإن الفوز في الانتخابات التمهيدية ليس بالضرورة هو الهدف. قد يساعد وجود مثل هؤلاء المرشحين في السباق على دفع المرشحين الديمقراطيين الآخرين إلى اليسار، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا مثل الرعاية الصحية الشاملة أو التعليم الجامعي المجاني.
تقول ميليسا بيرن، وهي موظفة سابقة لدى "بيرني ساندرز"، "هذه محادثات لا يمكن أن تحدث إذا لم يكن لديك "شخص تقدمي في السباق". وظيفة "الحزب الديمقراطي" ليست دعم الشخص الذي يحقق فوزًا سهلاً".
في بعض الأحيان، اتخذ هذا الانقسام شكلا قبيحا. في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، هاجمت مؤسسة "الديمقراطية من أجل أمريكا" رالف نورثام، المرشح الديمقراطي آنذاك لمنصب حاكم ولاية فرجينيا، قبل أيام من الانتخابات، واتهمته بعدم القيام بما يكفي للدفاع عن المهاجرين والأقليات الأخرى.
وفي حين تقدم نورثام وفاز في السباق، إلا أن هذه الخطوة أثارت غضب كثيرين في الحزب.
يقول بينيت، الاستراتيجي الديمقراطي "إحساسي هو أن جماعات مثل "الديمقراطية من أجل أمريكا" تريد أن تكون "حزب شاي الأعشاب". إنهم يريدون أن نخاف منهم داخل حزبنا مثل حزب الشاي الذي كان في الحزب الجمهوري، والطريقة للقيام بذلك هي جعْل الناس عبرة للآخرين وعدم الاهتمام بالنتائج".
دين يصف هجوم مؤسسة "الديمقراطية من أجل أمريكا" بأنه "طفولي"، لكنه امتنع عن الحديث أكثر حول آرائه بشأن النشاطات الحالية، وبرر ذلك بأنه "من أجل وحدة العائلة". "شقيقه جيم يتولى حاليا إدارة المنظمة".
في ولاية تكساس، نشطت جماعة الديمقراطية من أجل أمريكا في دعم موزر، في حين إنها في السباق لمنصب حاكم ولاية نيويورك أيدت تحدي الممثلة سينثيا نيكسون لإقالة الحاكم الحالي وزميلها في الحزب الديمقراطي، أندرو كومو، الذي كان يُعتبر في الماضي أحد المرشحين الرئاسيين المحتملين للحزب في عام 2020.
في حين إن معظم استطلاعات الرأي تظهر تقدمًا لا يستهان به لكومو على نيكسون، إلا أن تأييد الممثلة من قبل حزب "الأسر العاملة" أثار تكهنات بأن بإمكانها الترشح لجولة ثالثة في الانتخابات العامة.
وهذا أثار المخاوف بين بعض الزعماء الديمقراطيين من أنها يمكن أن تكون بمنزلة مفسد، وتسليم الانتخابات إلى خصم جمهوري لكومو.
يقول نيل سروكا، مدير الديمقراطية من أجل أمريكا، "إن المجموعة ترفض الانتقادات بأنها تسبب مشكلات للحزب الديمقراطي".
كما يقول "جزء من عملنا هو نقل الحقيقة إلى السلطة. عندما يقول الناس إن الديمقراطيين بحاجة إلى استرضاء قاعدة الطبقة العاملة البيضاء التقليدية، فإنكم تحاولون في الأساس تنفيذ قواعد لعبة عام 1996 في عام 2018".
ويضيف "هذا هو الوقت المناسب - خاصة بعد ما شهدناه في عام 2016 - لكي يجلس القادة الديمقراطيون في واشنطن، ويصمتوا ويبدأوا في الاستماع إلى قادة القاعدة الشعبية. لجنة الحملة الانتخابية للديمقراطيين في الكونجرس لا تعرف أصلا من يمكنه الفوز ومن لا يستطيع ذلك".
في هيوستن، أدى تدخل اللجنة إلى تضخيم الخلافات بين موزر وفليتشر، وهما معاصرتان من هيوستون تدعمان على الورق سياسات مماثلة وتأتيان من خلفيات مماثلة.
وفي مرحلة النمو، عمل والد كل منهما في نفس شركة المحاماة الصغيرة في هيوستن، ودرست المرأتان في نفس المدرسة الثانوية معاً – وكل منهما تركت الولاية للالتحاق بإحدى كليات الآداب الصغيرة.
فليتشر، التي عادت إلى هيوستن للعمل كمحامية شركات لدى مؤسسة بلاند بيرنتهود Planned Parenthood، وجهت سهامها ضد موزر بسبب قضائها سنوات خارج المنطقة، أولاً في نيويورك، حيث عملت كصحافية، ثم في واشنطن، حيث كان زوجها مصور الفيديو للرئيس باراك أوباما.
في حين كان كَلبَرسُن يمثل المقاطعة منذ عام 2001، فإن الديمقراطيين يتطلعون الآن إلى مقعده كواحد من السباقات الرئيسية التي يحتاجون إليها للسيطرة على مجلس النواب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.
على الرغم من أن ميت رومني استولى على المقاطعة بأكثر من 20 نقطة في الانتخابات الرئاسية عام 2012، إلا أن هيلاري كلينتون تغلبت على ترمب هنا بفارق نقطتين فحسب. على نطاق أوسع، يرى الديمقراطيون فرصاً في تكساس، التي يعتقدون أن لديها فرصة كبيرة للتحول إلى الحزب الديمقراطي في السنوات المقبلة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تزايد عدد السكان من أصل إسباني.
في منتدى للمرشحين في الأسبوع الماضي، موزر صورت فليتشر على أنها آخر مرشحة تأتي من كتاب قواعد الديمقراطيين الفاشل في تكساس.
وقالت "أعتقد أني المرشحة التي ينبغي أن تصوتوا لها، لأننا لا نستطيع أن نسير وفق الأنواع نفسها من الحملات ونتوقع نتائج مختلفة".
ردت فليتشر بقولها "كنتُ أعمل ضمن هذا المجتمع المحلي"، وقالت "إنها شخص قادر على القتال". وأضافت "نحن بحاجة إلى بناء الإجماع".
في مكالمات جماعية لإقناع الناخبين بالتصويت، تقول ليا راسو، 26 عاما، وهي مؤيدة سابقة لساندرز، "إنها شعرت بالانجذاب نحو موزر لأنها صريحة وتتمسك برأيها، وهي ذات صوت عال، ولن تكون من الذين يساومون".
وتضيف "أعتقد أن "القيادة الديمقراطية" مستميتة وقد خسروا. وهم يشهدون كثيرا من الناس يفقدون إيمانهم إلى حد كبير بالحزب الديمقراطي. وبدلا من العمل فعلا على تعزيز مواقفهم بأمور تجذب الناس إليهم في المقام الأول، فإنهم أصحاب شخصيات ضعيفة الآن".
يقول هارولد كوك، وهو مخطط استراتيجي للحزب الديمقراطي في تكساس "يواجِه الديمقراطيون دائما هذه الأنواع من الخيارات. هل أعطي صوتي الشخص الذي أتفق معه بشأن قضايا معينة، أم أعطي صوتي الشخص الذي هو أقدر على أن يُنتخَب"؟
باميلا توملينسون، 31 عاما، وهي أم غير عاملة في هيوستن، تقول "إنها شعرت أن المؤسسة الديمقراطية كانت تُكرِه الناخبين الليبراليين في موقف يتعين عليهم فيه أساسا الاختيار بين أهون الشرين".
وتقول "لا أحد يشعر بالحماس على هذا النحو. ولو فعلوا، لكانت هيلاري كلينتون هي الرئيسة الآن".