المنبوذون .. 17 % من سكان الهند يعانون التمييز الطبقي
في الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، غالبا ما يقال إن المواطنين لا يدلون بأصواتهم، بل يصوتون لطائفتهم – يدعمون المرشحين الذين يؤيدون هوياتهم ومصالحهم على النحو المحدد حسب وضعهم داخل التسلسل الهرمي الهندوسي الصارم.
إلا أن ذلك لم يكن صحيحًا في عام 2014 عندما جرفت موجة الحماس القومي ملايين الداليت - الذين هم في أدنى سلم طبقات الطائفة الهندوسية ويعتبرون من الناحية التقليدية "منبوذين" - نحو رئيس الوزراء نارندرا مودي الذي وعد بنمو اقتصادي قوي وتوفير فرص عمل للجميع.
ساعد دعم الداليت مودي على دفع حزبه الهندوسي "بهاراتيا جاناتا"، الذي يستمد دعمه القوي تقليديًا من الطبقات العليا، ليؤدي أداء أقوى من المتوقع، ما جعله يحصل على أول أغلبية برلمانية أحادية في ثلاثة عقود.
لكن مع دخول مودي العام الخامس من فترة ولايته الأولى، فإن غضب الداليت المتصاعد وشعورهم بالاستياء والاستبعاد يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كان بإمكان حزب بهاراتيا جاناتا الاعتماد على الدعم القوي من هذا المجتمع المنبوذ - الذي يمثل نحو 17 في المائة من السكان – في وقت تتجه فيه الهند نحو الانتخابات الوطنية في العام المقبل.
في نيسان (أبريل) خرج الداليت إلى الشوارع في بعض الأحيان في احتجاجات عنيفة في قلب المنطقة الشمالية الناطقة بالهندية، حيث لا يزال التمييز القائم على أساس الطوائف واسع الانتشار. انطلقت الاحتجاجات نتيجة قرار من المحكمة العليا حول كيفية تطبيق قانون أُقر منذ ثلاثة عقود لردع الأعمال الوحشية ضد الداليت والمعاقبة عليها.
لكن محللين يقولون "إن الاحتجاجات تعكس شعور الداليت بالإحباط العميق بسبب التمييز المستمر، والصراعات الطبقية الطائفية المتزايدة، والشعور بأن تقدمهم الاجتماعي قد تلاشى بسبب الحكومة الحالية".
يقول أمارناث باسوان، المدير المساعد لمركز دراسة الاستبعاد الاجتماعي والسياسة الشاملة في جامعة باناراس هيندو "كان التوقع أنه عندما يأتي شخص مثل مودي إلى السلطة، فإنه سيوفر فرص للعمل والتنمية، وسيمضي الجميع إلى الأمام". ويضيف "ما حدث هو العكس. فكل طبقة تعمل لمصلحتها".
الداليت المتعلمون غاضبون بسبب التغييرات التي تطرأ على سياسة التخصيص – نظام الحصص التي تستند إلى الطائفة للوظائف الحكومية والمقاعد الجامعية - التي من شأنها أن تقلل بشكل حاد من عدد وظائف التدريس الجامعي والأساتذة من طائفة الداليت. تعرّض الداليت الذين كانوا يعملون بشكل تقليدي في تجارة الجلود إلى ضربة قوية من قبل حركة حماية البقرة في حزب بهاراتيا جاناتا. ويضيف البروفيسور باسوان، الذي هو نفسه من الداليت "الطوائف العليا تشعر أنها في عهد مودي، لديها الحكومة الخاصة بها. وتشعر الطوائف الأضعف بأنها تعرضت لخداع".
يعاني مشرّعو داليت الخاضعون لحزب بهاراتيا جاناتا، وحلفاؤهم السياسيون، تزايد خيبة الأمل. وقال وزير مجلس الوزراء رام فيلاس باسوان، وهو زعيم الداليت المخضرم وحليف حزب بهاراتيا جاناتا "يبدو أن الحكومة لا تبالي بمخاوف الداليت"، واصفاً الاحتجاجات الشهر الماضي بأنها "طريقة الداليت الطبيعية للتعبير عن الغضب".
قال باسوان لصحيفة هندوستان تايمز في مقابلة أجريت معه أخيراً "توجد حمم بالداخل. عندما تخرج ببطء، لا ينفجر البركان. لكن إذا تم قمعها، يصبح بركاناً نشطا".
وألغت الهند رسميا النبذ عندما استقلت قبل 70 عاماً. لكن، عمليا، لا تزال الطبقة الطائفية تلعب دوراً كبيراً في مجتمع هرمي عميق، حيث لا يزال الداليت - الذين كان عملهم تقليدياً يُعتبر "نجسًا" أو غير طاهر من الناحية الشعائرية - يواجهون وصمة عار وتمييز عميقين.
وتُظهر دراسات استقصائية أن الممارسات التمييزية المتعلقة بالنبذ - مثل رفض الأكل مع الداليت أو مشاركتهم أواني المطبخ - لا تزال منتشرة في جميع أنحاء شمالي الهند. تكون حياة أفراد الداليت أقصر من حياة أقرانهم من الطبقات العليا، حيث قدّرت دراسة حديثة أن متوسط عمر الفرد من الداليت 48 عاما مقابل 60 عاما للفرد من الطبقات الهندوسية العليا.
ويبدو أن الصراع بين الطوائف يتزايد، حيث يرفض الداليت الشباب خضوعهم المعتاد تقليدياً ويؤكدون حقهم في الكرامة والمساواة. ويصرون بشكل متزايد على تبني ممارسات كانت في الماضي حكراً على الطبقات العليا، مثل ركوب العرسان على ظهور الخيل في يوم زفافهم.
لكن هذا الإصرار المتزايد غالباً ما يُقابل بالغضب. يقول البروفيسور باسوان، حليف حزب بهاراتيا جاناتا "عندما يرتدي الداليت ملابس جيدة ويركبون الدراجات النارية، فإن هذا لا يعجب الطبقات العليا".
ولإيقاف سخط الداليت، يحاول مودي بناء الجسور. وقد أُمر قادة حزب بهاراتيا جاناتا بتناول وجبات في منازل الداليت مرتين على الأقل في الشهر - وهي لفتة سياسية بدأها زعيم حزب المؤتمر المعارض، راهول غاندي، منذ عقد من الزمن بينما كان يسعى إلى إظهار التزام حزبه بالمجموعة المهمشة اجتماعيا واقتصاديا.
لكن كثيرا من الناس ينتقدون "حملة تناول الطعام مع الداليت" ويعتبرون أنها لا تزيد على كونها استعراضا سياسيا لا يعالج الهموم الحقيقية. يقول نائب من حزب باراتيا جاناتا هو أوديت راج، وهو من الداليت "ليس لدي أي اعتراض إذا ذهب أي زعيم إلى أي مكان لتناول العشاء والشاي وقضاء الوقت فيه. لكن هل هذا هو الحل"؟
في جامعة باناراس هيندو، يجادل الأكاديمي لال تشاند براساد، أستاذ علم الوراثة وتربية النباتات، وهو أيضا من الداليت، بأن تحركات حزب بهاراتيا جاناتا هي مجرد عملية مظهرية. "هذا فقط لإظهار أنهم مهتمون، لكنهم ليسوا كذلك. هذه الحكومة تريد فرض تقليد قديم وهو سيطرة الطبقة العليا وتقسيم المجتمع إلى طبقات".
غالباً ما يُمجّد مودي رمز الداليت، بي آر أمبيدكار - وهو مصلح اقتصادي ومحلل اجتماعي كان مؤلفًا لدستور الهند الليبرالي - للوصول إلى قلوب الداليت وعقولهم. وتعكف حكومته على تحويل خمسة مواقع لها علاقة بأمبيدكار، بما فيها مقر إقامته السابق في لندن، إلى معالم أثرية.
يقول البروفيسور باسوان "يراقب مودي أصوات الداليت، لكنه يتحدث فقط عن أمبيدكار - فهو لا يتحدث أبداً عن تطلعاتهم. ويتحدثون عن الانسجام، لكنهم لا يتحدثون عن المساواة".