البشرية تنشد التعايش في موطن البطريق والفقمة

البشرية تنشد التعايش في موطن البطريق والفقمة
البشرية تنشد التعايش في موطن البطريق والفقمة

سرعان ما أصبح واضحا أن بعض الجبال الجليدية كانت تنتقل في الواقع بشكل أسرع إلى المكان الذي غادرته المسطحات الجليدية، وكانت هنالك أدلة متزايدة على أن القارة ككل كانت تفقد الجليد، خاصة في غربي القارة القطبية الجنوبية.
أشار التقرير الأخير الوارد من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2013 إلى أن الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية، من شأنه أن يسهم في ارتفاع مستويات سطح البحر بضعة سنتمترات بحلول عام 2100.
يعتقد بعض الباحثين الآن أن أجزاء من الغطاء الجليدي في غربي القارة القطبية يمكن أن تكون قد انقلبت إلى حالة من الانهيار الذي لا يمكن وقفه.
أشارت إحدى الدراسات الأمريكية التي أجريت في عام 2016 إلى أنه حال استمرار انبعاثات غازات الدفيئة من دون رادع، فإن ذوبان الجليد في القارة القطبية يمكن أن يرفع مستويات سطح البحر بأكثر من متر بحلول عام 2100.
لا تزال تلك البحوث مثيرة للجدل. قال شيبارد إن خلاصة القول هي أننا لسنا متأكدين: "هنالك فرصة ضئيلة بأن يكون ارتفاع سطح البحر أكبر بكثير مما يتوقعه الجميع، لأن بعض النماذج تتنبأ بالتأكيد بارتفاع كبير". بدأ بعض العلماء منذ فترة يقولون إنه ينبغي إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع هندسية ضخمة لوقف ذوبان الجليد، مثل الجزر الاصطناعية التي يمكنها تثبيت المسطحات الجليدية في وجه الجبال الجليدية.
في إشارة على تصاعد المخاوف، وافقت كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عام 2016 على إنفاق نحو 25 مليون دولار، وهي ثروة بالمقاييس العلمية المتبعة في القارة، على دراسة مدتها خمس سنوات للمنطقة المحيطة بالجبل الجليدي الضخم (ثويتز) في غربي القارة القطبية الجنوبية.
يصف الباحثون المنطقة بأنها "جزء سفلي ضعيف" للقارة لأن انهيارها يمكن أن يستثير في نهاية المطاف ارتفاعا آخر في مستويات سطح البحر بأكثر من ثلاثة أمتار.
قال تيد سكامبوس، أحد العلماء الأمريكيين المسؤولين عن الدراسة: "هذه هي أكبر الدراسات الجليدية التي يحاول البَلَدان تنفيذها معا، وسوف تحتاج منا إلى قصارى جهودنا لإتمامها".
في شبه جزيرة القارة القطبية الجنوبية، تبين روثيرا منذ الآن مدى السرعة التي تتغير بها أجزاء من القارة. في صباح أحد الأيام، ركبت مجموعة من الأشخاص باحتراس قاربا مطاطيا للذهاب لرؤية شيء مميز بالقرب من الجبل الجليدي شيلدون، وهو قطعة طويلة ضخمة من الجليد مثبتة في البحر في مكان ليس ببعيد.
ارتدى الجميع بدلات غطس منتفخة برتقالية اللون لأن الغطس في المياه الجليدية من شأنه أن يؤدي إلى الموت خلال دقائق.
كان يتعين على القارب المسير مبتعدا عن الجبال الجليدية، التي يمكن أن تقع وتسحق كل شيء في طريقها، إضافة إلى المنحدرات الجليدية الشاهقة، حيث يمكن أن تكون قطع الجليد المتساقطة مميتة أيضا.
بعضنا لم يكن قد وصل قط إلى القارة القطبية الجنوبية من قبل وكان الجميع متلهفا بشكل واضح، بينما كنا نسير عبر الجليد العائم حيث كانت مجموعات من حيوان الفقمة السمينة تسترخي متكاسلة تحت أشعة الشمس.
صرخات "يا إلهي" و"انظروا" ملأت الجو الهادئ في الوقت الذي سارعنا فيه إلى التقاط صور سلفي أمام حافة الجبل الجليدي، الذي برز من خط الساحل كما لو كان بناية بيضاء ضخمة، مثقبة بجليد كهربائي أزرق.
التقط أحد المخضرمين في القارة القطبية الجنوبية قطعة من شوكولاتة كادبوري بالحليب كانت مخزونة في "روثيرا" منذ سنوات، وأقسم أن مذاقها أفضل من أي نوع يباع اليوم. حاول شخص تفسير كيف يمكننا تقسيم قطع من الجليد عند عودتنا إلى القاعدة، حيث تنفجر عند ذوبانها وتطلق فقاعات من الهواء محصورة منذ آلاف السنين.
في ذلك الجو الذي يصيبنا بالدوار على متن القارب، كان هنالك رجل واحد أكثر هدوءا. لقد كان بيتر فريتويل، جغرافي يعمل في مركز الدراسات البريطانية للقطب الجنوبي، حيث يتندر الناس بقولهم إنه ماهر في فنون السحرMAGIC، لكن هذه الكلمة في الواقع هي الأحرف الأولى من عبارة بالإنجليزية تعني مركز تخطيط الخرائط والمعلومات الجغرافية، الذي يختص برسم الخرائط للعلماء والطيارين وأي شخص آخر يزور القارة القطبية الجنوبية.
بقي فريتويل يحدق باستياء في خريطة أُعِدت من صور بالأقمار الصناعية كان قد جلبها معه، التي أظهرت أن الخليج الكبير الذي وصلنا إليه لم يكن تماما كما كان يبدو في الخريطة. في الواقع، قبل 25 عاما، من الممكن أنه لم يكن هناك قط.
في ذلك الوقت، كان من الممكن أن يكون مغمورا تحت طبقة من جليد سميك يتدفق نزولا من الجبال، لكن شبه جزيرة القارة القطبية الجنوبية هي واحدة من أسرع الأماكن احترارا على كوكب الأرض. ارتفعت درجات الحرارة في الساحل الغربي بنحو 2.9 درجة مئوية خلال الأعوام الستين الماضية، ما يعادل 3 أضعاف المتوسط العالمي، في حين ارتفعت درجات حرارة البحر بأكثر من درجة مئوية واحدة.
بدأ جبل شيلدون الجليدي بالتقلص تدريجيا منذ أوائل التسعينيات، وما كان ذات مرة جليدا أصبح الآن خليجا كبيرا من المياه المفتوحة. قال فريتويل، مبديا إعجابه بالمنظر: "إنه منظر جميل ومثير للإعجاب بشكل مذهل. وهو لا يبدو وكأنه نظام في حالة جيشان وآخذ في التغير بشكل سريع، لكنه كذلك".
كما كان لسرعة التغيير تأثير آخر على فريتويل. على مدى السنوات الخمس الماضية، ساعد في إدارة قاعدة بيانات دولية ضخمة تستخدم لإنتاج أحدث الخرائط عن القارة القطبية الجنوبية.
تلك الخريطة نادرا ما كانت تحتاج إلى كثير من إعادة الرسم في الماضي، لكن على مدى العقد الماضي، وفي الوقت الذي كان فيه الجليد يتغير وتحسنت تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، ارتفع عدد مرات التنقيح والمراجعة. قال فريتويل: "الآن، نقوم بالتحديث سنويا. إنها مهمة صعبة بالنسبة لنا".
الجليد المتحول في القارة القطبية الجنوبية ربما يشكل في النهاية مشكلة للبشر، لكن هنالك منذ الآن دلالات على أن هذه المشكلة تؤثر في الحياة البرية في القارة.
عودة إلى الأراضي الجافة، كان سايمون مورلي، عالم أحياء بحري يعمل لدى مركز الدراسات البريطانية، في حوض ماء في مختبر القاعدة، يتفحص المخلوقات التي جمعت من المياه الجليدية.
نسي مورلي عدد المرات التي زار خلالها "روثيرا"، لكن في الوقت الذي أخذت فيه حرارة شبه جزيرة القارة القطبية بالارتفاع، وجد نفسه في ظروف لم يكن يتوقع قط أن يمر بها. قبل بضع سنوات، قفز في ماء توقع أن يكون مياها متجمدة واكتشف أن درجة حرارتها كانت أربع درجات مئوية، أدفأ من بعض المياه التي غاص بها من قبل خلال فصل الشتاء في المملكة المتحدة. قال: "فقط تخيل. تأتي إلى هنا وأنت مستعد للغوص في القارة القطبية الجنوبية وتجد أن حرارتها أربع درجات مئوية. يا له من جنون".
كان ذلك يعني أنه ستكون هناك مشكلات بالنسبة لبعض المخلوقات الموجودة في مختبره. أظهرت بحوثه بأن حيوانات البطلينوس، وهي مادة أساسية في النظام الأيكولوجي، تفقد القدرة على التكاثر وحماية أنفسها من الحيوانات المفترسة حين ترتفع درجة حرارة المياه لمستوى أعلى من درجتين مئويتين.
مورلي كان مشغولا أيضا بما كان يطلق عليه اسم "التغييرات الهائلة" في قاع البحر، التي حصلت في الوقت الذي تراجعت فيه باطراد الفترة الزمنية لجليد البحر الشتوي.
حالة الجليد البحري الموجود في القارة القطبية الجنوبية ليست واضحة. مثل القطب المتجمد الشمالي، تتجمد البحار المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية في كل شتاء وتذوب في الصيف.
خلافا للقطب الشمالي، حيث مدى الجليد آخذ في التقلص بمعدلات قياسية، زاد الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية في بعض السنوات ووصل إلى مستوى قياسي مرتفع في عام 2014. مقارنة هاتين البيئتين المختلفتين جدا أمر مليء بالصعوبات.
مورلي كان يركز على ما كان يحصل حول "روثيرا" والجبال الجليدية على وجه الخصوص. في الوقت الذي كانت تنجرف فيه هنا وهناك، عملت الجبال الجليدية على تجريف قاع البحر مثل جرافات بيضاء عملاقة، مخلفة وراءها كتلة كبيرة من النباتات والمخلوقات التي تعرضت للسحق.
يحصل دمار أقل عندما يتجمد الجليد البحري ويصبح صلبا وبالتالي يتم احتباس الجبال الجليدية في مكانها. توصل باحثو مركز الدراسات البريطانية للقطب الجنوبي إلى أنه ما بين عامي 1997 و2007، تجمد الجليد البحري بشكل صلب لمدة تصل إلى 299 يوما في العام.
بعد عام 2007، انخفض عدد الأيام الذي يوجد فيها الجليد على الشكل الصلب إلى 100، ما أدى إلى تحرر الجبال لتطوف حول الخليج.
على مدى أكثر من عقد من الزمن، كان مورلي يرصد رقعة من قاع البحر في خليج صغير بالقرب من "روثيرا"، أظهرت حدوث تغيير مثير للقلق، حيث قال: "كانت هنالك زيادة ضخمة في معدلات الوفاة في الحياة البحرية.
إن الوضع كما لو أن شخصا ما بدأ في قطع أشجار غابة مطرية مرارا وتكرارا في كل عام، بحيث لم يتبق هنالك أي أمل بأن تنمو أية بذور مرة أخرى لتصبح شجرة ناضجة. هذا ما حصل في هذا الخليج خلال العقد الماضي، في الوقت الذي انخفضت فيه المدة الزمنية لجليد البحر. هذه واحدة من أكثر التغييرات الطبيعية المذهلة في قاع البحر من بين جميع التغييرات التي نعرفها في العالم".
المدة الزمنية لجليد البحر هي أمر حاسم بالنسبة لمخلوقات القارة القطبية الجنوبية الأخرى، بما فيها إمبراطور البطريق الشهير. هذه السلالة من الحيوانات تنشأ على الجليد، الذي بدوره يحمي واحدا من مصادر الطعام الخاصة بها: الكريل الدقيق الشبيه بالجمبري هو أيضا عنصر غذائي أساسي للفقمة والحوت.
كما توصل علماء المركز من قبل إلى أدلة على وجود أربع مستعمرات لطائر إمبراطور البطريق، تنشأ على المسطحات الجليدية بدلا من الجليد البحري، حتى مع أن ذلك يعني أنه يتعين عليه السفر لمسافات أبعد طلبا للطعام.
تشير تقديرات باحثين آخرين إلى أن إجمالي العدد يمكن أن يصل إلى النصف بحلول عام 2025. في عام 2012، أعيدَ تصنيف هذا النوع من واحد من "الأقل أهمية" إلى صنف "شبه مهدد"، لكن يعتقد بعض العلماء أنه يستحق الآن بأن ينظر إليه على أنه نوع مهدد بالانقراض.
في أوقات أخرى، يمكن أن تبدو الطيور في "روثيرا" قوية جدا. في أحد الأيام، كان الطقس هادئا بما يكفي لنقوم برحلة أخرى في القارب إلى جزيرة صغيرة مجاورة، حيث كان كادميل ماسيك، أستاذ علم النبات في الجامعة المفتوحة، تواقا للبحث في الطحالب.
أنواع قليلة من سلالة النباتات يمكنها البقاء على قيد الحياة في هذه البيئة المتوحشة، لكن لا أحد يعلم تماما ما الذي سيحصل لها في الوقت الذي يتغير فيه مناخ القارة.
جلب ماسيك معه أكياسا من أحدث الأدوات المتطورة لقياس سلوك الطحالب، لكنه فشل في جلب أداة أساسية: عصا كبيرة مع راية سوداء في الأعلى يستخدمها العلماء لدرء طائر الكركر القطبي الجنوبي، وهو طائر بني اللون ينمو ليصل طوله إلى نصف متر، وهو مشهور بمهارته الفائقة في الغوص بسرعة واقتناص الفريسة من الماء.
وصل ماسيك، وهو يلهث، حيث تجمع علماء آخرون، يبحثون بشكل عاجل عن أحد الصواري الموجودة معهم. قال: "كانت هنالك بقعة من الطحالب التي أردت رؤيتها، لكني لم أستطع الوصول إليها بسبب القنص المستمر من طائر الكركر.
كانت السماء سوداء من كثرة العدد الموجود. كنت أتحرك بسرعة لأخرجها من طريقها في الوقت الذي كان لا يزال كل شيء سليما". انتهى به الأمر بأن حصل على بيانات لمدة 20 دقيقة خلال رحلة استغرق الإعداد لها ساعات.
عودة مرة أخرى إلى القاعدة، ريتشارد فيليبس، عالم بيئة مختص بالطيور التي تعيش في قاع البحر في مركز الدراسات البريطانية للقطب الجنوبي، لا يقبل أن يسمع أي كلمة سيئة بحق طائر الكركر المشاكس.
هو يدرس الطيور البحرية في القارة القطبية الجنوبية منذ نحو العشرين عاما ويتحدث عنها مثلما يتحدث بعض الناس عن أطفالهم. وهو معجب بطائر المازور الثلجي "الصغير الجميل" (رغم عادته في التقيؤ المفاجئ على شكل قذائف) كما هو معجب بطائر إمبراطور البطريق، الذي يكبر ليصبح حجمه كبيرا جدا بحيث "لا يمكنك أبدا احتضان أحدهم بذراعيك". بدا بأنه يتألم بالفعل وهو يصف التراجع الحاصل في أعداد طيور القطرس، التي تغرق بشكل جماعي سنويا، حين تغطس وتعلق في خطاطيف الاصطياد التي ترسلها سفن الصيادين.
حتى طائر الكركر الذي يبدو هادئا، ولكنه يهاجم بعنف، له سماته الساحرة. قال وهو يستعد ليري الزائرين المتشككين واحدا يدعى أنه ذكي جدا لدرجة أن تعلم كيف يسرق قبعته: "إنها مخلوقات جميلة".
وفعلا، بينما كان يقترب من الطائر، حط على رأسه، بعد أن سرق قبعته الصوفية ورحل بها إلى مسافة 100 متر، قبل أن يعود أدراجه ليسقطها عند قدميه.

فيليبس كان يشعر بالحيرة، فهو واحد من علماء المركز البريطاني الذين يدرسون نحو 25 زوجا من طائر الكركر في "روثيرا" منذ التسعينيات.
حتى قبل عقد من الزمن، كانت حالات الإخفاق في تنشئة الطيور نادرة، لكن خلال خمس سنوات من السنوات العشر الأخيرة، لم تعش الفراخ أو عاش عدد قليل منها فحسب، وفي العام الماضي تم وضع ثلاثة أزواج من البيض. ولم تنج أي من الفراخ.
قال فيليبس: "لا نعلم السبب في موت تلك الفراخ". مرة أخرى مجددا، ربما يكون السبب هو التغيرات التي يشهدها الجليد البحري. يقول فيليبس إن أحد التفسيرات الممكنة هو أنه كان هنالك مزيد من الجليد الذي كان يعيق قدرة الطيور على العثور على أسماك.
قد يكون السبب أيضا هو أن القليل من الجليد يعني القليل من الكريل كطعام للسمك، وبالتالي مزيد من طيور الكركر الجائعة.
في الوقت الذي اقتربت فيه رحلتنا من نهايتها، كان من الواضح أنه، على الرغم من كل العوائق التي واجهها العلماء في القارة القطبية الجنوبية، إلا أن كثيرين حققوا تقدما ملموسا.
فريثيوف كيوبر بدأ أخيرا في الغوص. وتمكن أندرو شيبارد من اختبار جهاز الأقمار الصناعية بنجاح. وجد سايمون مورلي أعشابا بحرية لم تشاهد من قبل قط بالقرب من القاعدة. وتعلم كادميل ماسيك كثيرا من الأشياء الجديدة حول الطحالب.
هناك أيضا علامات على الصعوبات التي تنتظرهم.
حصل بيتر فريتويل، عالم الجغرافيا الذي أخذنا إلى الجبل الجليدي شيلدون، على مهمة أخرى. وكان واحدا من أربعة علماء يعتزمون تفحص شيء لم يره أي إنسان من قبل قط. في عام 2015، ظهر خلل في بياناته التي تأتي عبر الأقمار الصناعية، يشير إلى أنه قد تكون هنالك مستعمرة بحجم لا بأس به من الطيور على جزيرة تقع جنوب "روثيرا".
أدت الأقمار الصناعية إلى إحداث تقدم هائل في تفهم القارة القطبية الجنوبية، لكن غالبا ما يحتاج العلماء إلى تفحص ما تظهره الأقمار من خلال زيارة المواقع شخصيا، أو على الأقل الاقتراب منها بشكل كافٍ من خلال طائرة من دون طيار تحلق فوقها.
يعتزم فريتويل والآخرون الذهاب إلى الجزيرة، وتوثيق المستعمرة والحياة النباتية المحيطة بها، ومن ثم الإعلان عن المنطقة بأنها منطقة محمية خاصة.
كانت المشكلة هي أن المكان كان في جزء من الجزيرة يعرف باسم سفوح فنلانديا، ولم يصل إلى هناك قط أي شخص من قبل، ولسبب وجيه.
كان المكان معرضا لضرب العواصف، ومليئا بالصدوع وبعيدا جدا بحيث يمكن أن تحتاج إلى ساعتين من الطيران حتى لمجرد الاقتراب منه. نزل فريتويل أولا ومعه دليل من الميدان، لكن الطقس كان سيئا جدا بحيث اضطر إلى البقاء في الخيمة لأيام وعلق بقية الفريق في "روثيرا".
في النهاية، وصلوا جميعا إلى هناك، ليكتشفوا أن هناك كثيرا من الثلوج والجليد والصخور، ولكن دون أن تكون هنالك أية طيور. كانت القراءة الخاطئة ناجمة عن نوع غير عادي من الصخور.
حقق فريق من العلماء الأمريكيين تقدما أفضل. في آذار (مارس) الماضي، قدموا تقريرا يفيد بأنه من خلال استخدام الأقمار الصناعية المدعومة بطائرات بدون طيار، عثروا على "مستعمرة فائقة" فيها نحو 1.5 مليون طائر بطريق، على جزيرة أخرى بالقرب من طرف شبه جزيرة القارة القطبية الجنوبية.
هذا لم يثبط همة فريتويل، فهو يعلم الآن كيف يمكنه تصحيح الأقمار الصناعية بحيث لا تعيد ارتكاب الخطأ السابق مرة أخرى.
وقال: "هذا هو ما يميز العمل في القارة القطبية الجنوبية، فأنت تعمل في الحقيقة على حافة المعرفة. ربما تكون القارة هي المكان الوحيد في العالم الذي لا يزال يمكننا فيه تحقيق الاكتشافات على أساس أسبوعي. والسبب في أنها تحتفظ بأسرارها لفترة زمنية طويلة جدا هو موقعها البعيد والظروف الصعبة والقاسية التي يتعين على العلماء وموظفي المساندة تحملها". كانت هذه مجرد قصة أخرى من التحدي في دراسة القارة القطبية الجنوبية. السؤال هو ما إذا كنا سنتمكن من أن نتعلم بما يكفي بشأن هذه القارة البيضاء الشاسعة؟ قبل أن تتغير إلى حد عظيم.

الأكثر قراءة