Author

خداع الذات السلاح المدمر

|

توظيف مبادئ علم النفس في التعامل مع الذات، أو مع الآخرين، ممارسة تتم بشكل يومي، بوعي، أو دون وعي من قبل كثير من الناس متعلمين، أو غير متعلمين، فمحادثة الفرد لذاته، وتبصيرها بما فيها من إيجابيات، أو سلبيات، أو تذكيرها بمواقف سبق أن مر بها الفرد، وبغض النظر عن طبيعة المواقف فيها تقوية، وتعزيز، وإثارة للحماس، إن كان الموقف المتذكر ذا قيمة، ويعني البطولة، أو الكرم، فهذا الموقف يجد فيه الفرد ما يتقوى به، ويشجعه على مواجهة الموقف الجديد، ويستمد منه طاقة لم تكن موجودة لديه قبل تذكره، أما إن كان الموقف ذا طبيعة سلبية فأثره على العكس مثبط، وغير مشجع على الإقدام في الموقف الجديد الذي يمر به الفرد.
ما نجده من قبل الآخرين عند التعامل معهم، من ردود فعل إيجابية، كالثناء، والشكر، والتعزيز يمثل دعما قويا، ورافعة نفسية تزرع الثقة بما لدينا من قدرات، ومهارات، ومعرفة، فالمعلم الذي يثني على الطالب حين يتصرف تصرفا حضاريا، كالمحافظة على نظافة المدرسة، أو حين يجيب إجابة صحيحة عن السؤال يغرس الشعور بالنشوة، ويشجع على المبادرة، وعدم التردد لما لقيه من رد فعل إيجابي من قبل معلمه، وهذا على عكس من يجد ردا سلبيا من قبل معلمه على إجابته، أو تصرف صدر منه.
كما ذكرت، كثير منا يمارس مبادئ علم النفس، بصورة إيجابية، أو سلبية، بوعي، أو دون وعي، وهذا ما يحدث من قبل الوالدين، حين يلمحان بوادر الذكاء على ابنهما، فيضفيان عليه المديح، ويذكرانه بذلك في كل موقف، وبمناسبة، ودون مناسبة، حتى يبالغا في الأمر، ومع قيمة الثناء، ووقعه على النفس إلا أن المبالغة قد تؤتي نتائج عكسية، حيث يعتقد الفرد، طالما أنه ذكي، فلا داعي لبذل الجهد، والمذاكرة، ويعيش حالة استرخاء على اعتبار أن الذكاء الفطري يغني عن بذل الجهد، ونتيجة هذا الاعتقاد تكون وخيمة وكارثية.
من الممارسات الخاطئة خداع الذات، والاعتقاد خطأ بوجود شيء ليس موجودا لدى الفرد، كأن يعتقد الطالب أنه سريع الاستيعاب للمواضيع الدراسية، ويعيش حالة تسويف يؤجل من خلالها المذاكرة، والاستعداد للاختبار، حتى إذا اقترب الاختبار وجد نفسه في مأزق شديد لا يمكنه الخروج منه، ولا يسعفه الوقت لذلك، أو ربما يعتقد أنه قوي جسمانيا، وحسب هذا الاعتقاد يقوم بالتحرش بالآخرين، ولا يلبث أن يكتشف خطأ اعتقاده، ويتحول لقمة سائغة لمن سولت له نفسه الاعتداء عليهم، وهذا سوء تقدير لإمكاناته الذاتية، بل جهل بالذات "وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
من الأمثلة الحقيقية حول خطورة المبالغة في إسباغ صفات لا وجود لها في الواقع، حتى يصل الأمر بالفرد إلى الاعتقاد بوجود ما ليس لديه حقيقة أن امرأة لها ابن تحبه حبا شديدا، وتغدق عليه المديح، وأنه يختلف عن زملائه في المدرسة، وأذكى منهم، حتى وصل به الغرور إلى تجنب الاحتكاك بالزملاء، والحديث معهم، والنظر إليهم نظرة دونية، وذلك نتيجة ما أوحت به أمه، باختلافه، وتميزه عنهم في الذكاء، حتى عزل نفسه، وتحولت شخصيته إلى شخصية انطوائية، لا يمكنه التفاعل الجيد مع الآخرين، ولا القدرة على التعبير عن ذاته، وأهمل دروسه لظنه أنه من الذكاء بما لا يحتاج منه إلى المذاكرة، وتحول به الأمر إلى فرد فاشل، نتيجة الخطأ في التعامل الواقعي معه من قبل أمه.
هل المجتمعات والدول ينطبق عليها خداع الذات؟ تأملت في تاريخ الأمم، والشعوب فألفيت أن الشعور بالقوة العسكرية، والمادية، والاقتصادية قد يجلب الدمار على مجتمع، أو دولة، فغرور القوة العسكرية قد يشجع بلدا على التحرش بأوطان أخرى، وفي التاريخ المعاصر أمثلة كما حدث حين غزا العراق الكويت، بفعل الشعور بالقوة، والإيحاء بذلك من دول أخرى ووسائل إعلام، ومما أذكره في هذا الشأن ما كان يكرره الإعلام الغربي، وبالذات الأمريكي، حيث كان يصف صدام حسين بالرجل القوي، حتى تضخمت ذاته، ووقع العراق في الفخ، ودخل في حرب قادت لتدمير جيشه، واحتلاله فيما بعد، وهذا ما فعلته به أمريكا. أما الشعور بالملاءة المالية، والقوة الاقتصادية، فصورة أخرى، فقد يؤدي إلى الإسراف، والتبذير، وصرف الأموال على أمور تافهة، وليست ذات جدوى، نتيجة حالة التخدير التي يعيشها المجتمع، حتى تستمر الأمور لفترة من الزمن، وتنفد مصادر التمويل، ويفقد البلد ثروته ومصادر قوته ليجد المجتمع نفسه في خانة الدول الفقيرة.

إنشرها