2017 .. المخضرمون في طليعة المراهنين على أسهم التكنولوجيا
عندما انخفضت أسهم التكنولوجيا من التقييمات التي وصلت إلى عنان السماء في عام 2000، عانى ستانلي دراكينميلر، المسؤول الثاني آنذاك لدى جورج سوروس في صندوقه الكمي الشهير "كوانتم فند"، المصير الذي أوصله إليه الاحتفاظ بالأسهم فترة طويلة فوق الحد.
بعد مرور نحو عقدين من الزمن على ذلك، دراكينميلر، الذي يدير الآن مكتب عائلته لكنه لا يزال مستثمرا يتابعه الآخرون من كثب، يحتفظ بمبالغ ضخمة من ثروته في أسهم التكنولوجيا التي ارتفعت قيمتها بشكل كبير جدا على مدى العام الماضي.
أظهرت البيانات التي تقدم إلى الأجهزة التنظيمية الأمريكية، الصادرة هذا الشهر، أن مكتب عائلة دوكين الذي يديره دراكينميلر، كان يحتفظ في الربع الثالث بـ 41 في المائة من المراكز الدائنة في الأسهم الأمريكية الخاصة في خمس فقط من شركات للتكنولوجيا - مايكروسوفت وفيسبوك وأمازون وعلي بابا وألفابت، التي كانت تعرف سابقا باسم جوجل.
مع ذلك، كان إنشاء محفظة دراكينميلر الاستثمارية في الواقع رهانا مخالفا للإجماع نسبيا، على الرغم من المكاسب الضخمة التي تحققها أسهم التكنولوجيا. وحماسه يتناقض مع حماس مديري الصناديق المهنية المحترفين الذين يظلون إلى حد كبير متشككين بشكل كبير جدا في الاندفاع الشرس في أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة، الآسيوية والأمريكية.
أندرو ميليجان، رئيس الاستراتيجية العالمية في شركة أبردين ستاندرد للاستثمارات، يجادل بأن بعض التردد الواضح في امتلاك أسهم التكنولوجيا ذات الأداء الأفضل هو علامة على عوامل نفسية تماما بقدر ما هو علامة على أي شعور بالتقييم استنادا إلى الأساسيات.
يقول: "هناك جانب يتعلق بالتمويل السلوكي في هذا الأمر. من المفهوم تماما أنه إذا ارتفعت بالأصل قيمة شيء ما بشكل كبير جدا، يتردد الناس في شرائها"، في الوقت الذي يشير فيه أيضا إلى أن نمو الإيرادات في تلك الشركات كان يفاجئ السوق باستمرار.
لكن دراكينميلر ليس الشخص الوحيد المخالف للإجماع. المحافظ الاستثمارية الخاصة بالمستثمرين المخضرمين الآخرين الذين يحظون باحترام كبير تشتمل أيضا على حيازات كبيرة من أسهم التكنولوجيا ذات الإيرادات الكبيرة.
جوليان روبرتسون، المسؤول الثمانيني عن مجموعة تايجر لصناديق التحوط، الذي عانى بشكل معروف قبل انهيار أزمة الدوت كوم لتحاشيه أسهم التكنولوجيا، يقتني الآن أقل من الربع فقط من حيازات محفظته الاستثمارية من المراكز الدائنة في الأسهم الأمريكية في فيسبوك وألفابت ومايكروسوفت وعلي بابا. حتى بيركشاير هاثاواي، التابعة لوارن بافيت، التي قاومت أيضا فقاعة الدوت كوم، شهدت استثماراتها في شركة أبل تحقق مكاسب جيدة جدا منذ اقتنائها على مدى العام الماضي.
هذه الرهانات الكبيرة التي أقدم عليها عدد من المستثمرين الذين يحظون باحترام كبير في العالم، باستخدام مبالغ كبيرة من ثرواتهم، كوفئت بشكل كبير جدا في غضون عام واحد عندما ارتفعت أسهم فيسبوك نحو 60 في المائة، وزادت قيمة أسهم على بابا أكثر من الضعف.
لكن يبقى التحفظ في أماكن أخرى. أحدث استبانة من "بانك أوف أميركا ميريل لنتش" لمديري الصناديق، التي استطلعت آراء المستثمرين الذين يديرون أموالا تبلغ 533 مليار دولار لمصلحة العملاء، أظهر أن 34 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يدعون أن "المركز الدائن في أسهم الشركات المدرجة في ناسداك" كان "أكثر التداولات ازدحاما" في العالم. في حزيران (يونيو)، قارن محللون لدى جولدمان ساكس أسهم ما يسمى "فانج" (فيسبوك وأمازون ونيتفليكس وجوجل) بفقاعة الدوت كوم، حين أدت توترات حول تقييماتها إلى تراجع أسعارها قبل استئناف مسيرتها إلى أعلى مرة أخرى.
كان التفوق في الأداء لعدد مركز من أسهم التكنولوجيا في هذا العام كبيرا إلى درجة أن منتقي الأسهم العاديين الذين يديرون أموال عملائهم نجحوا، أو فشلوا إلى حد كبير استنادا إلى ما إذا كانوا قد امتلكوا تلك الأسهم أم لا.
على الرغم من الرسملة السوقية الآخذة في الارتفاع لتلك الشركات، لم يكن امتلاك بعض أسهم التكنولوجيا حتى الآونة الأخيرة جيدا بصفة خاصة من قبل المستثمرين المؤسسيين. مثلا، كانت أمازون، استنادا إلى أبحاث "إي فيستمنت" eVestment، تحتل المرتبة 18 بين أكثر الأسهم الأمريكية اقتناء بحسب كل استراتيجيات الأسهم في الربع الثاني من عام 2016. مع نهاية النصف الأول من هذا العام قفزت إلى المرتبة التاسعة، لكنها كانت لا تزال تحتل تصنيفا أقل من الشركات الأخرى، بما فيها "يونايتد هيلث جروب" و"سيسكو". في الوقت نفسه، انتقلت فيسبوك من المرتبة العاشرة ضمن الأسهم الأكثر اقتناء لتحتل المرتبة السادسة خلال الفترة نفسها. ومع أن أسهم أكبر شركتين من شركات التكنولوجيا، أبل ومايكروسوفت، هي أكثر الأسهم التي يقتنيها المستثمرون، إلا أن تركيز المراكز الحالي ما بين المستثمرين ككل لا يتطابق تماما مع مستويات الربحية المفرطة التي يجري تحقيقها من قبل أسهم هاتين الشركتين الكبيرتين في الولايات المتحدة.
إحدى طرق قياس هذا تكون من خلال النظر إلى عائدات تلك الشركات على رأس المال المستثمر، والذي يقيس ربحيتها استنادا إلى كل دولار من الديون أو رأسمال حقوق الملكية المستثمر في أعمالها. يجادل بعض المحللين بأن هذا يعطي صورة لربحية الشركات أوضح بكثير من أرقام الأرباح المستندة إلى مبادئ المحاسبة المتبعة. بناء على ذلك، لا تزال بعض أسهم أكبر شركات التكنولوجيا تحتل مرتبة تفوق بشكل لا يستهان به مكانة أقرانها من "الاقتصاد القديم". في عام 2017 حققت أبل مكاسب تفوق نسبتها 100 في المائة من العائد على رأس المال المستثمر، وفقا لتحليل أجرته "نيو كونستركتس" New Constructs، وهو أعلى مستوى ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز 500، في الوقت الذي حققت فيه كل من فيسبوك وألفابت نسبة كبيرة جدا في العائد على رأس المال المستثمر بلغت 30 في المائة.
في الاجتماع السنوي الذي تعقده بيركشاير هاثاواي هذا العام، أظهر بافيت ندمه لعدم الاستثمار في ألفابت وأمازون في الماضي. وعند سؤاله حول ما إذا كان يود شراء تلك الأسهم اليوم، قال في وقت لاحق: "ليس من السهل أن ترى أن سعر سهم معين هو ’س‘ من الدولارات، ثم يبلغ ثمنه عشرة أضعاف ذلك عندما تريد شراءه".
يقول جراهام سيكر، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسهم الأوروبية في مورجان ستانلي، إن تقييمات قطاع التكنولوجيا لا تزال غير مكلفة بقدر المستويات التي شهدناها أثناء فقاعة الدوت كوم.
ويضيف: "نحن بعيدون تماما عن مستويات التقييمات المبالغ فيها التي شهدناها في عام 2000. فبعض الأسهم ليست مكلفة بشكل باهظ. النقطة الأهم هي أن التشعب أو الاستقطاب عبر أنحاء السوق بين القطاعات غير المرغوبة، مثل قطاع التجزئة، وبين التكنولوجيا أصبح كبيرا بحسب ما أتذكر منذ وقت طويل". يلاحظ ميليجان، من "أبردين ستاندرد"، أن هناك علامات قائمة على الروايات تشير إلى أن عددا متزايدا من مديري الصناديق التقليدية بدأوا الآن الاعتراف بالهزيمة واتباع المخضرمين، من خلال امتلاك كميات أكبر من تلك الأسهم التي يبدو أنه لا يمكن إيقافها في قطاع التكنولوجيا. والسؤال الموجه للذين يختارون أن يفعلوا ذلك في عام 2018 سيكون ما إذا كانوا يخاطرون الآن بالوصول إلى الميدان بعد فوات الأوان.
بالنسبة للمستثمرين أمثال دراكينميلر، سيكون السؤال خلال العام المقبل حول ما إذا كان سيحظى رهانه الكبير هذه المرة على أسهم شركات التكنولوجيا بنهاية سعيدة أكثر مما كانت عليه الحال قبل عقدين من الزمن.