هل نثق بالخبراء؟
"لماذا لم يلاحظ أحد هذا الأمر؟" سؤال شهير طرحته الملكة إليزابيث الثانية على طلبة كلية لندن للاقتصاد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بعد اندلاع الأزمة المالية مباشرة.
وقد مر عقد من الزمن تقريبا، ولا يزال الناس يطرحون السؤال نفسه على الخبراء بعد أن دهمتنا أحداث عام 2016 على غير توقع - بما في ذلك تصويت المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة. ونلاحظ اهتزاز الثقة بالاقتصاديين ومستطلعي الرأي العام والخبراء على وجه العموم.
ولا يقتصر الأمر على النظر إلى الخبراء باعتبارهم أخطأوا تفسير الأحداث، بل إن احتكارهم للرأي قد تراجع بفعل التكنولوجيا أيضا. فوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت تتيحان المعلومات على نطاق واسع دون الحاجة إلى مساهمة الخبراء، والأخبار تركز على اهتمامات الأفراد وتفضيلاتهم، وهناك اتجاه متزايد لأن ينتقي الناس من يثقون به ويتابعونه.
ولنتذكر فيلم حياة براين، بطولة فرقة "مونتي بايثون" الذي يحكي عن جماعة اسمها "جبهة يهودا الشعبية" تنظم حركة للتمرد على الإمبراطورية الرومانية. ويصل المتمردون إلى حالة من الهياج الشديد تبلغ ذروتها حين يصيح قائدهم "ريج" قائلا: "ما الذي قدموه (أي الرومان) لنا في أي وقت مضى؟". وبعد لحظة صمت، يبادر أحد الواقفين بين الصفوف قائلا بحذر شديد إن شق القناة المحلية كان مفيدا. وهنا يبادر آخرون، واحدا تلو الآخر، بذكر ابتكارات أخرى مفيدة قدمها الرومان، إلى أن يضطر "ريج" إلى صياغة السؤال بشكل مختلف: "بخلاف الصرف الصحي والطب والتعليم والنبيذ والنظام العام والري والطرق ونظام المياه العذبة والصحة العامة، ماذا فعل الرومان من أجلنا في أي وقت مضى؟!"
ونحن جميعا بحاجة إلى الخبراء. فقد أسهموا في مكافحة الأمراض والحد من الفقر وتحسين أحوال المعيشة الإنسانية. وعلى ذلك، ارتفع متوسط الأعمار بنحو 20 عاما مقارنة بعام 1950 بفضل زيادة نظافة المياه وتحسن الصرف الصحي والرعاية الصحية. كذلك ارتفع متوسط الدخول في العالم بأكثر من 20 ضعفا بفضل تحسين السياسات الاقتصادية، ولا سيما في الاقتصادات النامية. وللبناء على هذا التقدم، نحتاج إلى خبراء يعول عليهم ممن يحظون بثقة الجماهير.
ولكن الخبراء لم يعودوا يحتكرون السلطة. فالتكنولوجيا تتيح للناس الاطلاع على قدر أكبر من المعلومات، وتغير طريقة حصولهم عليها، وتؤثر في الطريقة التي تتشكل بها آراؤهم. ووفقا لتقرير صادر عن معهد رويترز لدراسات الصحافة في جامعة أكسفورد، يحصل نصف مستخدمي الإنترنت على الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي - وهو ضعف العدد الذي كان يحصل على الأخبار منها في الولايات المتحدة عام 2013.
وبفضل رقمنة المعرفة وسهولة توافرها، يستمر ترسيخ جذور الديمقراطية والتمكين. فبإمكان الناس زيارة الطبيب وهم مسلحون بمعلومات عن أمراضهم والبدائل العلاجية المتوافرة لها. ومن خلال "حكمة الحشود" يمكن الحصول على تقييمات للمطاعم وتصنيفات للمنتجات والخدمات، وطرح خط فكري جديد بشأن مجموعة من القضايا. والثقة يمكن بناؤها في ضوء عدد التقييمات التي يشار إليها بكلمتي "يعجبني" و"لا يعجبني" والتعليقات النقدية من آلاف الأفراد.