عقود من النقلات الاقتصادية سجلها العالم لتاريخ المملكة

عقود من النقلات الاقتصادية سجلها العالم لتاريخ المملكة

أوضح عدد من الاقتصاديين أن المملكة خلال عقود منذ التأسيس، مرت بنقلات اقتصادية نوعية، واكبت خلالها المتغيرات العالمية والدولية، وضعتها في مصاف الدول التي تضع معالجات لقضايا العالم المعقدة، مشيرين إلى أن القيادات أولت المواطنين اهتماما كبيرا بتوفير حياة كريمة لهم، في ظل الرؤية الاقتصادية التي بنتها لمستقبل الأجيال المقبلة.
وأشاروا إلى أن السعودية حققت في العقود الماضية مراكز متقدمة عالمياً اقتصادياً وتجارياً وصناعياً، حيث عرفت بسياستها المتوازنة، ما عزز من قدرة اقتصادها على امتصاص التحديات الناجمة عن الأزمات التي حلت بالعالم في العقد الأخير.
وقال لـ "الاقتصادية"، عبدالرحمن الجبيري محلل اقتصادي، "إن المملكة منذ تأسيسها كان ولا يزال اقتصادها يلعب دورا بارزا في كافة الاتجاهات الداخلية والإقليمية والعالمية، حيث حققت المملكة عديدا من الأهداف لتصبح من بين الدول الأكثر قدرة على تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات وبناء اقتصاد صناعي ذي قيمة مضافة مهمة في برامج التنمية الاقتصادية.
وأكد أن المملكة أولت هذا الجانب اهتماما خاصا من خلال الارتقاء بمستوى الاقتصاد الإنتاجي وتطوير مهارات الموارد البشرية وتنوع فاعل في أداء وكفاءة القطاعات التنموية والخدمية في كافة المجالات، وتزامن ذلك أيضا مع إنشاء البنى التحتية الحديثة المتطورة، إذ كان لها الدور الأهم في الأسواق العالمية.
وأضاف "فمنذ تدشين أول بئر نفطية في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - عام 1938 في الظهران وسميت البئر رقم 1، ومع التطور المتسارع في الإنتاج النفطي، سارت المملكة قدما عبر نهضة تنموية شاملة عبر التاريخ، ما مهد الطريق أمامها لتكون ذات اقتصاد عالمي مؤثر وحاضر في كل المناسبات، كما واصلت دورها الاقتصادي المتمثل في بناء علاقات اقتصادية مع العالم الخارجي أدى تباعا إلى تعزيز القيم المضافة للاقتصاد الوطني والتنمية الشاملة في كافة المناطق عن طريق استراتيجيات وبرامج تنموية".
وذكر أن أبرز خطوات الملك عبدالعزيز الاقتصادية كانت بداية في عام 1924 عندما أسس أول مصلحة للصحة العامة، وفي عام 1929 تلاها تأسيس وكالة للمالية العامة ثم في عام 1933 أبرمت اتفاقية جدة لمنح شركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" امتيازاً للتنقيب عن البترول في المملكة، وفي عام 1934 تم وضع أول ميزانية للدولة وتعيين عبدالله السليمان في منصب أول وزير للمالية، وفي عام 1925 سكت النقود المصرفية وصدرت للمرة الأولى أوراق النقد البنكنوت.
وبين أنه نتيجة لهذه الخطوات تنامت العلاقات الاقتصادية والتجارية وفتحت آفاق التصدير والاستيراد، وعزز الملك المؤسس مفاهيم التبادل التجاري بين المملكة وبقية دول العالم، حيث طور الأنظمة المالية والإدارية التي أسهمت في مرونة الأعمال وإدارتها في كافة الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
وأكد أنه منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، وحيث كان منهجه الحزم في الخير والعزم في البناء، اهتم بتطوير المواقع الوزارية والقطاع الخاص من خلال تطوير الخدمات والمرافق وفقا لمتطلبات التنمية ورفاهية المواطن السعودي، كما قام بعمل عدد من الإصلاحات الاقتصادية التي تتعلق بالميزانية العامة وتنويع مصادر موارد الدخل، والتقليل من الاعتماد بشكل رئيسي على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني، وهذا الإنجاز يعد الأهم في تاريخ المملكة الاقتصادي، ويحظى بتحول اقتصادي غير مسبوق.
وأضاف "كما تم إنشاء مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي الجديد الذي يقع في المدينة المنورة، حيث تبلغ طاقته الاستيعابية أكثر من ثمانية ملايين مسافر سنويا في مرحلته الأولى، وسيتم رفع طاقته الاستيعابية لتصبح 18 مليون مسافر، أما في المرحلة الثالثة فسيتم توفير أكثر من 40 مليون راكب سنويا".
وقال "في عهد الملك سلمان أطلق "رؤية المملكة 2030"، وبرنامج التحول الوطني 2020، الذي بدأ بإعادة هيكلة كافة وزارات وهيئات ومؤسسات المجموعة الاقتصادية لتوحيد الأداء، وتنويع مصادر الدخل غير النفطي، لتصبح المملكة على خريطة الدول المتقدمة في العالم، كما دُشَّنت مشاريع البنية الأساسية التنموية والتعدينية في مدينة رأس الخير الصناعية وهذا الإنجاز من الإنجازات المتميزة، التي تشهد على تأسيس وتطوير قطاع البتروكيماويات، فضلا عن إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين".
وأشار إلى أن قطاع الكهرباء قد حظي باهتمام واسع ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وفقا لـ "رؤية المملكة 2030"، حيث من المنتظر القيام بكثير من المشاريع العملاقة التي تجعل الشركة السعودية للكهرباء ضمن مصاف الشركات العالمية التي تفتح مجالات وظيفية عديدة، حتى أصبحت أكبر شركة في مجالها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأصبحت لديها قدرات توليد كهرباء تصل إلى 75 ألف ميجا واط، تعادل ما تنتجه عدة دول في المنطقة العربية، ولديها أيضا واحدة من أكبر شبكات النقل في المنطقة، وشبكة توزيع للكهرباء تصل أطوالها إلى أكثر من 586 ألف كيلو متر دائري، كما تقدم الشركة الخدمة الكهربائية بموثوقية عالية، حيث يدخل الخدمة سنويا نحو 500 ألف مشترك جديد.
وبين الجبيري، أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد له رؤية بطموحات الشباب، حيث اهتم بتطوير بنية الاقتصاد الوطني من خلال عدة ملفات مهمة، من بينها الخصخصة كمشروع تغيير وطني مهم وكبير يمهد لإدارة حديثة بأسس تجارية، ما يفتح المجال أمام الأسواق للمنافسة وتحسين الخدمة ويسهم في زيادة الرقابة، الأمر الذي يعود بالنفع ورفع مستوى رفاهية المواطن، فكلما كانت هناك جودة وكفاءة عالية في الأداء من خلال برامج الخصخصة فستكون الفرصة مهيأة تماما لتوظيف عناصر الإنتاج بشكل أفضل.
وتابع "لنأخذ على سبيل المثال عنصر العمل المتمثل في الموارد البشرية المدربة والمؤهلة التي من خلال أدائها المتميز سيتحقق عائد إنتاجي مرتفع إضافة إلى عنصر التنظيم فنحن اليوم نتحدث عن اقتصاد المعرفة كجزء مهم من أداء كافة القطاعات ومنها القطاع الخاص، حيث يؤدي إلى فهم أعمق لدور المعرفة في بناء الموارد البشرية من خلال تراكم المهارات والإمكانات التي تنتج عن تكريس هذا المفهوم وبالتالي زيادة مستويات الإنتاج وأيضا ارتباط ذلك بالتطور التكنولوجي في المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها المختلفة وصولا إلى بناء اقتصاد معرفي يحقق التنمية المستدامة". وأوضح أن ولي العهد اهتم بالاستثمارات التي تعد إحدى أهم ركائز "رؤية 2030"، التي تؤكد أهمية التوسع في الاستثمار في قطاعات إضافية لتحقيق أصول استثمارية بقيمة سبعة تريليونات ريال سعودي، ولكون المملكة من أقوى 20 اقتصاداً على مستوى العالم فإن ذلك سيوجد فرصا استثمارية متطورة، في ظل تحقيق التوجه لصندوق الاستثمارات العامة ليكون أكبر صندوق سيادي استثماري في العالم، وبالتالي سيواصل برنامج الاستثمارات دوره في إيجاد فرص واعدة للشركات العالمية الكبرى وشركات التقنية الناشئة من جميع أنحاء العالم.
وأفاد بأنه منذ تولي الملك سلمان الحكم ومعدلات البطالة بدأت في الانخفاض، التي تعد إحدى أهم الأولويات للقيادة، فضلا عن توفير الوظائف، حيث إنها أحد أهم الاتجاهات المستقبلية التي تسعى الجهات ذات العلاقة إلى حلها في حزمة واسعة من الحلول ومنها برامج ريادة الأعمال ومساهمات المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
ولفت إلى أنه لم يتم إغفال المشكلة الأخرى التي تكمن في ارتفاع نسبة البطالة لدى الإناث حيث يجري حاليا التوسع في برامج التدريب الصناعي للبنات وتشجيع الأسر المنتجة وتسهيل الإجراءات لهن لتحقيق تطلعاتهن في مختلف الأنشطة الاقتصادية بما يتواءم مع مكانتها وقدراتها وهو ما تضمنته "رؤية المملكة 2030"، برفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 في المائة، إلى 30 في المائة، وزيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من 20 في المائة، إلى 35 في المائة.
وأكد أنه لعل هذا الدور التنفيذي قد برز من خلال ما تم الإعلان عنه أخيرا، من إنشاء واحات صناعية في كل من القصيم، وينبع والجوف والأحساء الملائمة لعمل المرأة داخل حدود تلك المدن ومن ثم تهيئتها لإقامة مشاريع صناعية لتوظيف النساء، ما يعني التوسّع في تشغيل المرأة في القطاع الصناعي خاصةً في مجال الصناعات الخفيفة والنظيفة والصناعة الطبية والدوائية وتقنية الكهرباء والإلكترونيات التي تتناسب مع اهتماماتها وميولها وبما يتواءم مع برنامج التحول الوطني 2020، كما استهدفت الحلول لتخفيض البطالة إلى 7 في المائة، إلى جانب إشراك القطاع الخاص في برامج التدريب والتوظيف، مع توفير مبادرات جديدة في سوق العمل ودعم الشباب السعودي ومنها مبادرات التجارة الإلكترونية وكذلك الدفع بالشباب السعودي إلى المساهمة الفعالة في مشاريع التنمية والبنى التحتية بمختلف اتجاهاتها.
وقال "إن مبادرات وبرامج "رؤية 2030" هي حزمة مهمة من العمل الاقتصادي المتنوع والشامل لكافة الأنشطة والمجالات وهي منهج وخريطة طريق للعمل الاقتصادي والتنموي يؤكد التخطيط السليم وقياس النتائج المرحلية في إطار حوكمة تسهم في رفع كفاءة التخطيط ورفع وتيرة التنسيق بين القطاعات لتحقيق الأهداف الوطنية المشتركة وضمان سرعة الإنجاز في المشاريع والمبادرات وتحقيق الاستدامة في العمل والأثر عبر المراجعة الدورية لمستوى التنفيذ وتقييم الأداء، وصولا إلى تجاوز أي عقبات، وهذا هو العمل الاحترافي الذي يعيشه الجميع اليوم واقعا ملموسا، وعليه فإن الاقتصاد السعودي يشهد تسارعاً فعلياً ونموا في كافة الاتجاهات وبتضافر جهود كافة القطاعات سيتم تحقيق جميع الأهداف المأمولة".
من جهته، قال لـ "الاقتصادية" الدكتور عصام خليفة عضو في جمعية الاقتصاد السعودي، "إن السعودية تعيش منذ بداية تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، في نقلات متطورة، سواءً كانت اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية تنتقل من فترة إلى فترة، وهي لا تتوقف عند زمن معين، وهذا بفضل ملوكها الذين ساروا على عهد مؤسسها متمسكين بالكتاب والسنة، وهي تتمتع بملوك قاموا على حمايتها وتطويرها، وشهد لهم التاريخ على مر العصور أنهم وضعوا مصلحة الشعب دائماً في مقدمة كل أمر وفوق كل شأن، وبذلك أصبحت المملكة في أعلى المراتب من التقدم والرقي الحضاري والعلمي".
وذكر أن تطور الاقتصاد الوطني في المملكة شهد قفزات كبيرة، تحققت في ظل الوفرة التي تعيشها البلاد نتيجة لنمو العائدات البترولية خلال العقود الثمانية الماضية، وقد كان تطور هذا الاقتصاد في مصلحة إعادة تأسيس القطاعات الاقتصادية بشكل يسمح معه بالقيام بحركة نشطة لتنمية الاقتصاد الوطني بالشكل والحجم الذي واكب عملية التنمية.
وأكد أن هذه السياسة الاقتصادية انعكست على القطاعات القائدة للاقتصاد الوطني ولا سيما قطاعي الزراعة والصناعة، وكذلك قطاع المواصلات والقطاعات الأخرى التي تسهم في إقامة الهياكل الأساسية والإطارات لمسيرة الاقتصاد في أي بلد في العالم ولا سيما قطاع التعليم الذي يختص بالتربية والتعليم وتشكيل القوة الإطارية اللازمة للعمل الاجتماعي وقطاع الصحة الذي يهتم بتدعيم الصحة العامة للمواطنين، والعمل على سلامة المجتمع من الأمراض ومكافحتها وكذلك على قطاع الخدمات الأخرى، وبخاصة قطاع البناء والتشييد الذي يعتبره معظم الدارسين لقضايا التنمية قطاعًا أساسيا من قطاعات الاقتصاد الوطني وكذلك الحال مع قطاع المواصلات، لأنهما القطاعان اللذان يدخلان في جملة قطاع الأسس، وبدونهما لا يمكن إقامة البنيان الاقتصادي الشامل مع عدم تجاهل أهمية الكهرباء كقطاع أساسي وإنتاجي في نفس الوقت.
وأضاف خليفة، "نرى التأثير المتبادل ما بين الاقتصاد ككل وقطاع المال "بضاعة- نقد"، وبهذا يمكن فهم درجة التأثير الذي أحدثه قطاع المال في تدعيم مسيرة الاقتصاد الوطني، حيث إنه لا يمكن بأي حال النظر إلى المال كقطاع مجرد دون مزجه وتفاعله مع القطاعات الاقتصادية الأخرى في الاقتصاد الوطني، ومن هنا ينبغي فهم العلاقة الواضحة بين استخدام المال في التنمية وعلاقة التنمية كوسيلة لتطوير الاقتصاد، عن طريق التخطيط الشامل للقطاعات وتوازنها وشموليتها داخل ماكينة هذا الاقتصاد".
وأشار خليفة، إلى أن عملية النمو لهذا الاقتصاد وهذا التوسع والتكامل والترابط مكلفة أو احتاجت إلى مبالغ طائلة لسبب بسيط، وهو أن السياسة العامة للخطط الاقتصادية جاءت بفلسفة عامة تقول إن التنمية للاقتصاد الوطني لا تكون على حساب احتياجات المواطنين الأساسية، وربما الكمالية، ومن هنا كانت مسيرة التنمية تسير مع مسيرة الرخاء الحقيقي الذي يعيشه المواطن السعودي، فكانت لها جوانب إيجابية وسلبية، فالجوانب الإيجابية هي محاولة استيعاب الموارد المالية ووضعها في قنوات الإنفاق الإنمائي، أما الجوانب السلبية فقد يخشى مثلا زيادة نسبة التضخم التي تؤثر سلباً في المواطنين.
وقال خليفة، "إن السعودية حققت في العقود الماضية مراكز متقدمة عالمياً اقتصادياً وتجارياً وصناعياً، حيث عرفت المملكة بسياستها الاقتصادية المتوازنة سواءً من حيث تأثيرها في أسعار الطاقة، أو من خلال البعد الاقتصادي المبني على تعزيز دور القطاع الخاص كشريك في التنمية، وكذلك على مستوى السياسة النقدية والاستثمارية التي أسهمت في تجاوز الأزمات التي مرت بالعالم خلال العقد الأخير، ما عزز من قدرة اقتصادها على امتصاص التحديات الناجمة عن تلك الأزمات، كما تسهم المملكة بموقعها المهم ومركزها المرموق ضمن منظومة دول العالم، في وضع ملامح المعالجات السياسية والاقتصادية لكثير من قضايا العالم المعقدة، كما حافظت على مكانتها الاقتصادية على الصعيد الإقليمي والعالمي في ظل نظرة متوازنة مع مقتضيات العصر وظروف المجتمع الدولي".
بدوره، أوضح لـ "الاقتصادية" أيمن الدمنهوري محلل سياسي، أن المملكة مرت على مدار عقود منذ التأسيس بنقلات نوعية اقتصادية، عززت من نهضتها، فضلا عن توفير حياة كريمة لأبناء الوطن، مشيرا إلى أن المملكة تعمل الآن وفق "روية 2030"، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، لتواكب التطورات الخارجية لتعزيز البنية التحتية الاقتصادية ودخول أسواق عالمية بمنافسة قوية لا تعتمد على مجال واحد.