«الانفجار الديمغرافي» ..القنبلة المسكوت عنها
ما أكثر الأزمات والمشكلات التي تتهدد مستقبل البشرية، وتحدق بالكوكب الأزرق؛ سواء على المدى القريب أو المتوسط، ممن كانت ولا تزال محط اهتمام ومتابعة دولية منقطعة النظير درءا لما قد ينتج عنها من ويلات وكوارث؛ من قبيل انتشار الأسلحة النووية، التلوث بمختلف أصنافه، الحد من انتشار الأمراض والأوبئة، محاربة الإرهاب والتطرف، تحقيق النمو الاقتصادي وضمان استدامته... إلى غير ذلك من القضايا الحارقة التي تقض مضجع المختصين والباحثين وصناع القرار، كل من موقعه وبدرجات مختلفة.
تعد المشكلة السكانية واحدة منها، إن لم تكن على رأس القائمة لتلك المخاطر جميعها، إلا أن التواطؤ حاصل عن قصد أو دونه، على طمر هذا الخطر القادم داخل صفحات الجرائد وهوامش الكلام في المؤتمرات والندوات، بلا تدقيق فيما يدور في فلكه من أسئلة مؤرقة، تفرض على الإنسانية إعادة ترتيب الأولويات، مع ما قد يحمله ذلك من تجاوز للخطوط الحمراء بخصوص النموذج الحداثي الغربي الجاري العمل وفقه حاليا.
القنبلة المسكوت عنها
لم تلق المسألة الديمغرافية حتى اللحظة ما تستحق من عناية واهتمام على الرغم من أهميتها البالغة، فالأرقام والإحصائيات بخصوص التطور السكاني على وجه الأرض في العقود الأخيرة، تنبئ بأن الانفجار السكاني قادم لا محالة؛ إذ قفز سكان الأرض من مليار نسمة عام 1810، في منحنى تصاعدي ومتسارع وبشكل منفلت، ليصل أربعة مليارات نسمة في عام 1975، ثم ناهز ستة مليارات بعد عقدين من الزمن؛ أي في عام 1994، ليصل حجم سكان العالم في عام 2014 إلى ما يربو على 7.2 مليار نسمة. وإذا استمر معدل النمو السكاني العالمي على هذه الحال، فالرقم مرشح لأن يقفز في أفق 2025 إلى 8.1 مليار نسمة، ويتجاوز سقف عشرة مليارات نسمة بحلول عام 2050.
على المستوى القاري، يظهر أن التركز السكاني في العقود المقبلة سيكون في القارتين الإفريقية والآسيوية، فأكثر من 75 في المائة من الزيادة السكانية تحدث في البلدان الآسيوية والإفريقية. نهاية هذا القرن يتوقع أن تعيش أكثر من 80 في المائة من سكان العالم في هاتين القارتين؛ اللتين تضمان حاليا ثلثي سكان العالم، وهو عدد تستحوذ على أغلبه كل من الصين والهند التي يتوقع أن ينقلب ترتيبهما، إذ سيتجاوز عدد سكان الهند عدد سكان الصين في المقبل من السنوات.
إلى ذاك الحين يتوقع أن تضم كل من آسيا وإفريقيا تباعا 4.9 مليار و4.4 مليار نسمة من السكان، ما يفيد ضمنيا أن السكان غير الأفرو آسيويين سيتحولون إلى أقلية. هذا وستبقى القارة السمراء الأكثر نموا حتى عام 2050؛ إذ يتوقع أن يضاف إليها خلال هذه الفترة ما يقدر بنحو 1.3 مليار نسمة.
خطر متعدد الأوجه
تتعدد الواجهات التي فيها معضلة الانفجار السكاني الذي يشهده العالم، فعديد من المدن الأوروبية بات ملوّنا أكثر من كونه أبيض، فالشيوخ في عديد من البلدان سيصبحون عما قريب أكبر من عدد الأطفال والفتية. ما يرسم صورة قائمة تهدد تقدم المجتمعات المتقدمة، وتضعف معدلات التنمية فيها، وذلك لأن أقلية من السكان يعملون ليعولوا في سن الشيخوخة، وهذا يؤدي بدوره إلى أعباء كبيرة على الاقتصاد، فمع الشيخوخة تتدنّى الإنتاجية والاستهلاك، وهذا يتعارض جوهريا مع نمط الاقتصاد القائم. وعليه ستتحول دول غربية عدة إلى دور كبرى للمسنين، لتصبح الشيخوخة حينها قضية مصيرية، تهدد مستقبل الحضارة الغربية.
في الجهة الأخرى، يتمثل خطر الزحف الديمغرافي بالنسبة إلى الدول التي ستكون مسرحا له، فيما سيتهددها من أزمات اقتصادية جمة؛ جراء معدلات النمو الضعيفة فيها. صحيح أن اختلال التوازن بين نسب الولادات والوفيات، إلى جانب تحسن إنتاج الغداء وتوزيعه، إضافة إلى تحسن مستوى الصحة العامة كلها عوامل تداخلت فيما بينها، كي تُصيِّر العالم إلى هذا الوضع.
وضع يرى مختصو الديمغرافية أن استمراره بنفس الوتيرة، سيزيد من عدد سكان الأرض بدرجة تفوق الموارد الطبيعة الموجودة فيها، ما يؤدي إلى حرمان الغالبية العظمى من الناس من حاجاتهم الأساسية، فلا يعودون قادرين على الحياة بشكل مريح، وهذا الوضع له آثاره الاجتماعية والسياسية بل والأمنية الخطيرة في هذه البلدان. وهم يرون ضرورة الحد من زيادة السكان بشكل خاص في البلدان الفقيرة.
أي حلول في الأفق
ينقسم محترفو الأرقام في علم الديمغرافية فيما بينهم إلى متفائل ومتشائم تجاه خطر الانفجار الديمغرافي ومستقبل الكرة الأرضية، فتيار يرى أن زيادة عدد السكان تمثل الخطر الأكبر على مستقبل البشرية. ولا محيد للبلدان التي ستواجه هذه المعضلة من الاقتداء بالتجربة الصينية في عام 1979، حين اتجهت إلى تطبيق سياسة الطفل الواحد بطريقة إجبارية.
يرى أنصار هذه السياسة أنها جنَّبت الصين كارثة محققة، فلو تركت المسألة السكانية دون تدخل لزاد الصينيون 400 مليون نسمه عن تعدادهم الحالي. وقد حققت هذه السياسة نجاحا ملحوظا، ومكنت الدولة من استثمار مواردها في إحداث طفرات تنموية. وقد بالغ بعض المتشددين بالدعوة إلى تكرار السيناريو الهندي، الذي يعمد إلى ممارسات لا أخلاقية لتحديد النسل. يتعلق الأمر بتعقيم النساء للحيلولة دون حقهن في الإنجاب، مقابل منح الموافقات منهم تعويضات مادية كبيرة، إضافة إلى مكافآت إضافة بقصد تشجيع الأسر على قبول هذه العمليات. ينظر الديمغرافيون المتفائلون إلى المسألة؛ على النقيض من ذلك نظرة إيجابية، أساسها الإيمان بقدرة الإنسان الدائمة على الابتكار والتكيف، وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات المتلاحقة. ليكون الأمر في نظر هؤلاء مجرد تطور عادي في مسار تاريخ الإنسانية الطويل، لن تعدم عند مواجهته حلا تحقق به استمراريتها، وتضمن به بقاء الجنس البشري على وجه الأرض.