اقتصاد المملكة .. النمو المتوقع والحقائق
في آخر النتائج التي توصل إليها البنك الدولي حول اقتصاد المملكة، عزز البنك النتائج الأخرى الصادرة عن مؤسسات مالية عالمية مختلفة في الفترة الأخيرة، بما في ذلك وكالات التصنيف الائتماني. ويأتي توقع البنك الدولي بنمو الاقتصاد السعودي 2 في المائة و2.1 في المائة لعامي 2018 و2019، ضمن الإطار العام للنمو الذي وضعته المملكة نفسها في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل الإصلاحات الكبرى الجارية منذ أكثر من ستة أشهر على صعيد السوق النفطية، وضمان استقرار هذه السوق على المديين المتوسط والبعيد. غير أن مسألة النفط في السعودية، باتت منذ إطلاق "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها، مسألة واحدة من المسائل وليس المحور الوحيد في البلاد.
وعلى هذا الأساس يمكن فهم ما أعلنه البنك الدولي، أن القطاع غير النفطي في السعودية يتعافى، مع استقرار المالية العامة. وهذه الأخيرة مثلت حجر الزاوية عند كل المؤسسات الاقتصادية الدولية المعنية بالتصنيف والتوقعات. فعلى الرغم من التراجع الهائل لأسعار النفط قبل أقل من ثلاثة أعوام تقريبا، تمكنت المملكة من الحفاظ على ماليتها العامة، ليس فقط من خلال طرح السندات التي شهدت إقبالا منقطع النظير عليها من كل الجهات، بل أيضا عن طريق تنمية مصادر الدخل الأخرى، مع وجود ما لا يقل عن 18 قطاعا محليا يوفر فرصا استثمارية هائلة للمال الوطني أو الأجنبي. ومن هنا، نجد سلاسة المسار الاقتصادي السعودي، مقارنة بغيره من مسارات البلدان ذات الخاصية الاقتصادية المشابهة أو المتقاربة.
اللافت أيضا في الحراك الاقتصادي الاستراتيجي السعودي، أن المملكة استهدفت تطوير مدخلات ومخرجات قطاع الطاقة. فهذا القطاع الذي كان يمثل المصدر شبه الوحيد للدخل الوطني في المملكة، يمكن اعتباره من خلال الخطوات التطويرية التي اتُخذت، مصدرا متجددا للدخل برؤى مختلفة تماما عما كانت عليه في السابق. ويشمل ذلك (كما هو معروف) الطرح الجزئي لشركة "أرامكو" الكبرى في عدد من البورصات الرئيسة على الساحة العالمية، وهو الطرح الذي يشهد أكبر حماسة من الجهات المعنية على الساحة الاقتصادية الدولية. ووسط هذه الصورة العامة، لا غرابة في توقع البنك الدولي، مثلا، أن يتحول العجز من المعاملات التجارية للمملكة في العام الجاري إلى فوائض في العام المقبل وما بعده، وهو ما يعزز الخطوات الجارية في السعودية على الساحة المحلية حاليا.
المالية مستقرة مع احتياطيات ضخمة، وعجز المعاملات سيتحول إلى فوائض، وورشة البناء الاقتصادي تسير بسرعة كبيرة، والمكانة الإقليمية ـــ العالمية تظل قوية، والقطاعات غير النفطية تنمو بالشكل المطلوب، والمشاريع الجديدة على مختلفة الأصعدة تمضي قدما، كل هذا يتم في المملكة الآن في الوقت الذي تتمتع فيه بتصنيف جيد، عكسه إقبال كبير من جانب رأس المال الأجنبي الذي دخل السوق السعودية، وذاك الذي ينتظر الدخول في الوقت المناسب. البنك الدولي توقع تراجعا في النمو السعودي بحلول نهاية العام الجاري إلى 0,6 في المائة من 1.4 في المائة في عام 2016. وهذا أيضا مبرر، مع قيام الجهات المختصة بإعادة النظر بنسبة من المشاريع التي يمكن تأجيلها أو إيقاف بعضها إلى حين تكون الأرضية مناسبة لها.
علما أن المؤسسات الاقتصادية الدولية، قامت في الآونة الأخيرة بتخفيض توقعاتها للنمو لكثير من البلدان بما فيها الصين والهند وغيرهما من الدول الأكثر نموا بشكل عام. في الواقع تم تخفيض نمو الاقتصاد العالمي بشكل عام هذا العام من قبل هذه الجهات، بسبب كثير من الأسباب، من بينها عدم وضوح الرؤية في العلاقات الاقتصادية حتى بين الحلفاء أنفسهم.