«الجنادرية» .. مطر الذكريات يروي شغف الحاضر
«الجنادرية» .. مطر الذكريات يروي شغف الحاضر
تزهو العاصمة الرياض هذه الأيام بالمهرجان الوطني للثقافة والتراث "الجنادرية"، الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني، ووضع بذرته الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، ويقدم تراثنا الشعبي والثقافي ومنجزات المملكة الحضارية على اختلاف أطيافها.
يقام المهرجان للمرة الـ 31، مع طموحات بأن يتم تطويره ليصبح كالقرى العالمية، التي يؤمها السياح من كل أرجاء المعمورة. "الاقتصادية" طرحت سؤالاً على متابعيها حول الأفكار التي من شأنها تطوير المهرجان، الذي يعد الأكبر عربياً، بما يخدمه لإيصال رسالته وتطويره بما يعزز فكرته في الانفتاح على العالم.
يجب ألا يتغير
مواطنون ومقيمون وزوار حرصوا على زيارة الجنادرية هذا العام، قالوا لـ "الاقتصادية" إنهم وجدوا أن المهرجان هذا العام لم يختلف كثيراً عن العام الماضي، عدا ضيف الشرف، الذي يتغير في كل عام، وحول ذلك يقول مهتمون بالشأن الثقافي إن الجنادرية إن بقيت كما هي دون تغيير لهو إنجاز بحد ذاته، كون التراث لا يتغير ولا يجب أن يتغير.
ويدلل على نجاح فكرة بقاء المهرجان كما هو، بتغييرات وابتكارات فريدة داخل أنشطته، ذلك الكم الهائل من الزوار الذين حرصوا على زيارته هذا العام، حتى ازدحمت بهم الطرق المحيطة بموقع المهرجان.
ويُحسب للمهرجان حفاظه على زخم عناوينه الثقافية، وندواته التي شارك فيها متحدثون نوعيون من كل الأطياف، وناقشوا موضوعات تطرح وبقوة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل العلاقات السعودية المصرية، والمشهد السياسي العربي، ورؤية 2030، خصوصاً جانبها الثقافي، وأمسيات شعرية في الرياض والدمام وجدة.
مترو الرياض
الحشود التي زارت الجنادرية على مدى الأسبوعين الماضيين، تكشف شغف المجتمع نحو تراثه، وبحثه عن الترفيه الثقافي، فأرتال السيارات التي انتشرت صورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تثبت أن المهرجان نجح في إيصال رسالته للملايين، لكن هناك اتفاق على أن الاختناق المروري كان نقطة ضعف المهرجان.
وبعيداً عن مسؤولية وزارة النقل في تهيئة الطرق المحيطة بالمهرجان، وما بين عدم كفاية المواقف المخصصة للسيارات، وعدم وجود خطة مرورية محكمة لإنهاء الفوضى المرورية، طرح مستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي مقترحاً بأن يتم ربط خطوط المترو بالقرية التراثية، ما يتيح فرصة زيارتها لجميع فئات المجتمع، وتوفير المشقة على الزوار، خاصة أن زواراً اختاروا عدم زيارة المهرجان بعد انتشار الصورة الجوية لفوضى السيارات على مدخل القرية.
وعلى أقل تقدير، طرح آخرون فكرة وجود محطة للحافلات التي تنطلق من وسط الرياض على سبيل المثال، والشوارع الحيوية، بحيث تنطلق دورياً كل نصف ساعة نحو المهرجان، ما يقلل من نسبة الزحام ويتيح الفرصة للجميع لزيارته، وقد نجح معرض الرياض الدولي للكتاب في هذه المهمة، حينما سهل لجميع سكان العاصمة زيارة المعرض دون تحمل مشقة البحث عن موقف للمركبات، أو الوقوف لساعات بانتظار الدخول من بوابة المعرض.
الناقل الوطني
إن إبراز التراث وتوثيقه ونقله للأجيال القادمة واجب وطني، وهو ما يحتم أيضاً التعريف به إلى شعوب العالم، وفي هذا المجال طالب زوار الناقل الوطني، الخطوط الجوية العربية السعودية، بأن تقوم بدور فعال إزاء خدمة التراث والثقافة.
ورأى زوار أن يتم استثمار فترة المهرجان بتنظيم رحلات منخفضة التكاليف إلى الجنادرية، بالتعاون مع النقل الجماعي، بعد أخذ الموافقات اللازمة، بتسهيلات من وزارة الخارجية فيما يتعلق بالتأشيرات.
متحف مصغر
لعل النقطة الأكثر إثارة للنقاش هي أن تكون قرية الجنادرية متاحة للزوار على مدار العام، بمثابة "متحف مصغر" لتراث المملكة، ولا سيما أن البنية التحتية جاهزة، ومباني أجنحة المناطق موجودة، في ظل تطلع سكان العاصمة لمزيد من الترفيه، وهو مقترح يواكب في مجمله رؤية 2030، التي تطال في طياتها جوانب الترفيه.
ويقترح مغردون عبر "تويتر" بأن تكون القرية مفتوحة طوال العام ولكن بزخم أقل، مثل تقليل عدد الفرق الشعبية المشاركة، وإتاحتها للزوار من داخل المملكة وخارجها تحت مسمى "قرية الجنادرية التراثية"، وبقاء الفنون المختلفة والأهازيج، والأكلات، والألبسة، والحرف اليدوية، ووسائل التسلية والترفيه، والألعاب الشعبية، فيما يعود المهرجان كعادته في فبراير من كل عام ليستضيف قادة الفكر والثقافة والعلماء من كل أنحاء العالم، وبرنامجه الثقافي الثري، وسباق الهجن، وضيف الشرف، وزخمه المعتاد.
عودة الأوبريت
كانت الجنادرية فيما مضى شريكاً في انتشار الفن السعودي، فبعد أن نجحت هيئة الترفيه في إعادة الحفلات الغنائية إلى مدينتي الرياض وجدة، عبر حفلين ناجحين، صدح فيهما نجوم مثل فنان العرب محمد عبده، والفنانين رابح صقر وماجد المهندس، يتطلع متذوقو الفن إلى عودة هذه الحفلات إلى عرين الجنادرية.
غنّى في الجنادرية الفنان الراحل طلال مداح، وفنانون شكلوا حراكاً فنياً متوهجاً، ومنحوا الجمهور أمسيات فنية لا تنسى، واليوم يتطلع الجمهور لأن تتضمن جنادرية العام المقبل حفلات غنائية تعيد إلى الجمهور ذكريات الطرب الأصيل، والحنين إلى الماضي، الذي ينسجم مع روعة المكان وجماله.
رجال «الحرس» نجحوا
لا شك أن وزارة الحرس الوطني نجحت بكل جدارة في تنظيم هذا المهرجان الحضاري الكبير، وهو نجاح يحسب لقادة هذه المؤسسة العسكرية وإداراتها ولجانها، وعلى رأسها الأمير متعب بن عبدالله، المهتم بأدق تفاصيل المهرجان.
إن مهرجان الجنادرية يعكس رسائل وإشارات عابرة للحضارات، ويعتبره المواطن نافذته إلى العالم، كما يتطلع لأن يبقى "معلم إشعاع ثقافي سعودي" مثلما وصفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ويتطلع الجمهور لأن يستفيد المهرجان من الأفكار التطويرية التي تطرح عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، كي يبقى مهرجان الجنادرية منارة مضيئة تصل بنورها إلى العالم كله.