فيلم «سبليت» .. خطْف الآخرين يبدأ بخطف الذات
مَنْ من محبي السينما لم يشاهد الفيلم الشهير "الحاسة السادسة" الذي أبدع فيه المخرج نايت شايالامان في تقديم فيلم تشويقي درامي عميق مع قليل من الرعب، إلا أن هذا النموذج من الأفلام لم ينطفئ منذ فيلم "الحاسة السادسة" بل شح قليلا ليسطع الآن مجددا مع فيلم "سبليت-split" الذي يمزج ما بين الإثارة والتشويق والرعب والعمق النفسي من خلال عرضه لقضية الانفصام الشخصي عند الفرد.
تبدأ القصة عند ثلاث فتيات يمرحن في عيد ميلاد زميلتهن كلير (تلعب دورها الممثلة هالي لو ريدشاردسون)، وبعد الانتهاء من الحفل تصعد كلير مع والدها (يلعب دوره نيل هاف) وتصطحب زميلتيها كايسي (تلعب دورها الممثلة آنيا تايلور جوي) وماريا (التي تلعب دورها الممثلة جيسيكا سولا) لتوصلهما إلى منزلهما، لكن ما حصل أثناء تلك الرحلة أثار الرعب في قلب المشاهد، حيث تعرض والد كلير إلى هجوم خارج السيارة واختطف المعتدي الذي يدعى كيفن (يلعب دوره الممثل جيمس ماكافوي) الفتيات الثلاث واحتجزهن في قبو بدائي.
23 شخصية
لم يأخذ المخرج وكاتب السيناريو نايت شايامالان وقتا طويلا حتى يبدأ بالتركيز على الحبكة الأساسية التي تتجسد في شخصية كيفن الذي يمكنه تخيل نفسه في 23 شخصية مختلفة تشكلت كل واحدة منها بعد صدمة شديدة تعرض لها في طفولته، يلتقي كيفن باستمرار مع الطبيبة فليتشر (التي تلعب دورها الممثلة بيتي بوكلي) وهي إخصائية بمرض اضطراب الشخصية الفصامي، وبعد عملية الخطف يرسل كيفن بريدا إلكترونيا إلى الطبيبة فليتشر يطلب اجتماعا عاجلا منها وعند وصوله نجد أنه ليس ذاك الخاطف المقتضب ذا الصوت العميق الذي يحتفظ بالفتيات المراهقات، بل نراه يشير إلى نفسه باسم باري، الشخص الراقي والحساس من عشاق الموضة الذي كان يزور الطبيبة فليتشر لسنوات.
«النفسية» تتدخل
إضافة إلى السيناريو والتصوير الرائع للمصور مايك جيولاكيس الذي أحضره المخرج بعد رؤية عمله في فيلم « it follows»، يظهر عنصر التشويق الذي يزداد عندما تحاول كايسي وصديقتاها الهروب لكنهن يفشلن في كل مرة، في هذه الأثناء تستمر الطبيبة النفسية في التحقيق مع كيفن واستدراجه لمعرفة ما الذي يحصل معه، واللافت في هذا الفيلم أن المشاهد لا يستطيع التشتت لبرهة واحدة لأنه يعرض كحلقة متراصة، وترك مشهد صغير يدخل المشاهد في ضياع تام، يعرج المخرج في هذه اللحظات على شخصيات كيفن وتاريخها وماهيتها، حيث يعرض شخصية ميس بريسيلا التي خطفت كايسي وصديقتيها المصابة باضطراب الوسواس القهري، وهي شخصية أمومية مخيفة، تذكرنا بشخصية والدة نورمان بايتس من فيلم الرعب الشهير «Psycho لـ Alfred Hitchcock»، إضافة إلى شخصيات أخرى مثل باري وهيدويغ، وهي شخصية ولد صغير يبلغ من العمر تسع سنوات، يمتلك سطوة على عقلية كيفن أكثر مما تتوقع في بادئ الأمر، وغيرها الكثير.
محاولة الفرار
وكعادته ينتقل المخرج بطريقة سلسة من أحداث كيفن وطبيبته إلى حياة الفتيات داخل القبو، حيث أدركن حقيقة اضطراب كيفن، وسرعان ما تبدأ كايسي، وهي الشخصية المميزة بين صديقاتها منذ بداية الفيلم، في محاولة التلاعب به لمصلحتها، فتحاول أن تصادق هيدويغ وتقنعه بأن يطلق سراحهن. فتكون بداية لمطاردات جمة وأبعاد نفسية مليئة إلى حد كبير بالمفاجآت غير المتوقعة، مع محاولة الفتيات الهروب قبل قدوم "الوحش" لأخذهن. والوحش هو شخصية أخرى أيضا من شخصيات كيفن. فهل سينجحن في السيطرة على كيفن والهروب؟!
أثناء سير تلك الأحداث يلاحظ المشاهد الذي تابع أعمال المخرج شايامالان أنه سيعود مع هذا الفيلم إلى تألقه وسيسطع نجمه مجددا بعدما انطفأ نحو عشر سنوات، ولقد سبق أن قدم أعمالا سينمائية مميزة مثل فيلم الحاسة السادسة الذي عرض عام 1999 وقام بدور البطولة الممثل بروس ويلس، إضافة إلى فيلم القرية الذي عرض عام 2004.
وعلى الرغم من اندماج كل أفراد الفيلم بأدوارها إلى حد كبير إلا أن بروز كيفن وكايسي كان الفقاعة التي أضفت الكثير من الإثارة والتشويق على الفيلم، حيث تم التركيز عليهما وأديا دورهما بصدق والتزام شديدين، فيوازنان بين المشاعر الحساسة والمتلفة مثل الرعب والحزن والندم حتى الكوميديا. حتى إن كيفن كان ينتقل بين شخصياته المختلفة بكل سلاسة ورشاقة، ما لا يجعل هذا أفضل أداء له في مسيرته المهنية فحسب، بل يساعد أيضاً على جعل كيفن أحد أفضل الشخصيات الشريرة التي نشهدها في هذا النوع من الأفلام منذ زمن طويل.
تجدر الإشارة الى أن فيلم "سبليت" استطاع أن يحقق إيرادات وصلت إلى نحو 40 مليون دولار، خلال فترة قصيرة من طرحه.