بعد حالات فجر كاذب .. مرضى الزهايمر يترقبون فجرا آخر صادقا
عندما يأتي جورج بارك بخطوات سريعة باتجاهي، أعتقد أنني قصدت المنزل الخطأ. هذا الرجل البالغ من العمر 75 عاما لديه وجه لشخص يصغره بعشرة أعوام، وجسمه الصغير، النحيل تنبعث منه طاقة لشخص أصغر سنا من ذلك. يأذن لي بالدخول إلى صالة مليئة بمنحوتات خشبية من صنع يديه، ويحثني على الجلوس.
في البداية، بذلت جهدي من أجل اكتشاف علامات إصابته بمرض ألزهايمر. كان لديه ميل لتكرار القصص، وأحيانا يَجْهَد من أجل العثور على الكلمة الصحيحة، رغم أن أيا من ذلك لا يشير إلى أنه يفتقد شيئا معينا على وجه الخصوص. لكن بعد ذلك، وبعد أكثر من ساعة من الدردشة أثناء تناول القهوة، ينظر إلى أعلى من فنجان قهوته على نحو مفاجئ ويحدق بي طويلا. يبدو الأمر كما لو أنه لم تقع عيناه علي أبدا. ويسألني: "ذكّرني، لماذا أنت هنا؟".
أنا هنا لأن جورج هو واحد من بين أكثر من ألفي مريض شملتهم تجربة العقار الذي يمكن أن يحدث ثورة في علاج مرض ألزهايمر. الدواء، المعروف باسم Solanezumab، أو سولا، يتم تطويره من قبل إيلي ليلي، شركة الأدوية الأمريكية التي يقع مقرها الرئيس على بعد بضعة أميال من منزل جورج في إنديانا بوليس. بعد تشغيل تجربة مزدوجة التعمية (أي التجربة التي يكون موضوعها مجهولا بالنسبة للشخص الذي يُجريها والشخص الذي تجري عليه) لأكثر من عامين، ستعلن ليلي النتائج الرئيسة للدراسة في غضون أسابيع.
ويعاني نحو 44 مليون شخص في جميع أنحاء العالم مرض الزهايمر. وإذا نجحت هذه التجربة، فقد يصبح سولا أول عقار على الإطلاق يثبت قدرته على إبطاء تطور المرض غير القابل للعلاج حتى الآن. وقد يعني ذلك أن العلماء يسيرون أخيرا على الطريق الصحيح، بعد عقود من البدايات الخاطئة، تم خلالها إنفاق مليارات الدولارات على تطوير أدوية لم تنجح. وسيكون ذلك أيضا واحدا من أكبر النجاحات التجارية في تاريخ ليلي الذي يعود إلى 140 عاما. محللون في دويتشه بانك يعتقدون أنه يمكن لسولا أن يولد مبيعات تتجاوز ثلاثة مليارات دولار في السنة، ما يجعل منه الدواء الأكثر مبيعا للشركة، متفوقا على غيره من الأدوية بمسافة لا بأس بها. والقيمة السوقية لشركة الأدوية، التي تبلغ حاليا بنحو 84 مليار دولار، ستتضخم تبعا لذلك.
#2#
والفشل سيكون بمثابة ضربة كبيرة. ويتوقع بعض العلماء والأطباء أن يكون له تأثير سلبي في الاستثمار الخاص في مجال البحوث حول مرض الزهايمر. والأسوأ من ذلك، أنه سيقوض النظرية الأكثر قبولا لما يسبب مرض الزهايمر، التي تعرف باسم فرضية أميلويد amyloid hypothesis. وهي فرضية تقول إن الدماغ يتوقف عن العمل بسبب تراكم ترسبات غير طبيعية، لزجة تعرف باسم أميلويد. يقول جورج: "هذه المواد تغطي خلايا المخ لديك إلى أن تصل إلى الذاكرة. هذا الدواء يجعل هذه الترسبات تتلاشى".
ويعتقد جورج أنه أصيب بمرض الزهايمر أول مرة منذ 20 عاما، عندما بدأ يتوه عن الاتجاهات في رحلات طويلة بالسيارة. في ذلك الوقت، كانت حياته مليئة بالمشاغل بحيث أنه لم يول الأمر كثيرا من الاهتمام. وكان لديه هو وزوجته، فادا، ثلاثة أطفال، وكانت شركته العائلية، التي تختص بتصنيع الأدوات الدقيقة، مزدهرة. يقول: "في بعض الأحيان كنت أتوه، لكن كان يمكنني أن أجد دائما طريق عودتي. كنت قادرا على التكيف مع الصعوبات ونوعا ما اعتدتُ على التعامل معها".
في وقت لاحق الأمور تدهورت بشكل مطرد. يمكن أن يمضي نصف ساعة على الهاتف مع عميل، فقط ليغلق الهاتف ناسيا ما جرى بينهما. "وصل الأمر إلى نقطة حيث كنت في وضع لا طائل منه، لأنني لم أتمكن من تذكر الذين اتصلتُ بهم قبل عشر دقائق".
في ذلك الوقت، قبل خمس سنوات، ذهب لرؤية طبيبه، الذي أحاله إلى اختصاصي. إلا أن التشخيص لم يأت مفاجأة كبيرة: كان مرض ألزهايمر قد ظهر لدى والدة جورج خلال الخمسينات من عمرها. حدد العلماء حتى الآن عددا من الجينات الخطرة التي تعرض الشخص للإصابة بالمرض، وكان يخشى دائما من أنه قد يرث ذلك
تقاعد جورج وتولت فادا زمام الأمور في الشركة. وجد بعض المواساة له في منحوتاته الخشبية. عملية النحت التي تتطلب مجهودا جسديا أبقته في وضع مناسب للعمل. يقول: "حتى في الوقت الذي كان فيه المرض يشتد علي مرة بعد أخرى، في كل مرة كنت أذهب فيها إلى قطعة من الخشب فإنني أبدأ فيها من جديد. كان هناك بعض القيمة من تلقي هذا المرض – وهي أنك لا تشعر أبدا بالتعب أو الملل. وأتساءل عما إذا عانى رسامون أو نحاتون في الماضي هذا النوع من المرض".
لكن السنوات القليلة التي أعقبت ذلك كانت كئيبة. وصف الأطباء لجورج نوعين من الأدوية الشائعة المخففة للآلام، للمساعدة على السيطرة على أعراضه، أحدها جعله عرضة لنوبات غضب لا يمكن السيطرة عليها. وكان الطبيب المختص لا يرغب في التواصل وغير مهتم. وكما يقول جورج: "إنه مرض رهيب. فهو يسلبك ذاكرتك، خاصة الأشياء التي تعتبر ودية وعزيزة لديك. وبعد فترة تشعر أنك موجود بجسدك فقط. لا وجود هناك للإنسان. من المحتمل أن هذه هي المنزلة التي تجد الحيوانات نفسها فيها". في مرحلة معينة أخذ يفكر في الانتحار. "كنت بحاجة إلى المساعدة وإلا كنت سأقتل نفسي"، مضيفا: "فكرت بعمق، لم أكن أريد أن أكون هذا النوع من العبء على أشخاص قريبين مني".
حاول الزوجان العيش بأفضل ما في وسعهما إلى أن اقترح طبيب جديد عليهما، في عام 2014، الاتصال بأحد أطباء الأعصاب الرائدين في البلاد، الدكتور مارتن فارلو، الذي كان يدير تجربة عقار سولا في إنديانا بوليس. بعد مجموعة من الاختبارات وصور مسح الدماغ، عرض على جورج التجربة. في البداية كان غير متأكد ما إذا كان سيدخل فيها. يقول: "لا أعرف ما الذي سيحدث عندما يضعون دواء جديدا في داخلي. لكني كنت أفكر في أولادي". ويتوقف ليختلس نظرة على فادا ويتابع: "والآخرين، كذلك".
يجري اختبار سولا في دراسة سريرية واسعة النطاق تعرف باسم التجربة مزدوجة التعمية يسيطر عليها علاج وهمي، وهو المعيار الذهبي لتطوير الأدوية. يتم تحديد المرضى عشوائيا ويجري تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة تُعطى الدواء، والمجموعة الأخرى تُعطى دواء وهميا. لا المريض ولا الطبيب يعرفان في أي فوج هم، إلا بعد مرور 18 شهرا، حيث يتم عند تلك المرحلة نقل كل شخص لاستعمال هذا الدواء. يتم الاحتفاظ بالنتائج مخفية عن ليلي حتى يتم الانتهاء من الدراسة، وعند هذه النقطة يتم التصريح عن البيانات رسميا.
لا توجد وسيلة يتمكن بها جورج من معرفة ما إذا كان هذا الدواء ناجحا، أو حتى إذا كان قد تناوله كل هذه الأشهر، لكنه يصر على أنه شعر بآثاره بعد وقت قصير من بدء الدراسة. يقول: "اعتقدت أنه أخذ يعمل بعد ستة أشهر، لكن فادا قالت: "في الواقع لم يعمل، ليس بعد". أعتقد أنه بعد عام كان واضحا بالنسبة لكلينا أنه كان يعمل. نحن نتحدث عن ذلك كثيرا، وأنا أيضا أتحدث عن ذلك مع عائلتي. نحن نتفق جميعنا على ذلك، أنا لست في الحالة التي كنت عليها".
على فترات منتظمة أثناء التجربة، كان يُطلَب من جورج الخضوع لاختبار لتقييم قدراته المعرفية. "آخر مرة خضعتُ فيها لذلك الاختبار، كنتُ أقول "يا سلام"، أنت تفهم هذا الشعور، "يا سلام"! لم يسبق لي أن خضعت إلى اختبار من هذا القبيل. فقلت في نفسي: هذا كله مألوف. كمهندس، تعلمْتُ دائما الشك في الأمور - لكن هذا الدواء ناجح بكل تأكيد". اثنان من فنيي المختبرات منحنيان على طاولة العمل في مختبر أبحاث الزهايمر في ليلي، يشرِّحان بمنتهى الدقة أدمغة فئران معدلة وراثيا. باستخدام مشرط، يكشطان شظايا صغيرة من الدماغ الذي يعاني المرض ويضعان ذلك على شرائح زجاجية صغيرة جاهزة للمجهر. المختبر هو معقل رون ديماتوس، أحد كبار علماء الزهايمر في ليلي. وهو يواصل العمل على سولا بشكل أو بآخر منذ عام 1999، عندما كان يدرِّس في جامعة واشنطن في سانت لويس في ولاية ميسوري.
ديماتوس يعتبر أحد الأشخاص الرئيسين الداعمين لفرضية أميلويد، التي ترى أن استهداف أشكال قابلة للذوبان من أميلويد، بدلا من الترسبات نفسها، قد يؤخر المرض. مادة أميلويد القابلة للذوبان ترشح دائما في جميع أنحاء الجسم البشري، لكن يعتقد أن ديماتوس قالت إن لدى الناس الأصغر سنا آلية توقفها من التراكم في الدماغ. يقول: "كانت لدينا تلك النظرية التي تقول إن الناس يعيشون حتى العقد الخامس أو السادس قبل الإصابة بالمرض، فلا بد أن هناك شيئا ما يبعدها عن الدماغ. ولكن بعد ذلك تختل الأمور وتبدأ تلك المادة في التجمع".
حاول العلماء لسنوات إزالة تلك اللويحات (الترسبات) نفسها دون نجاح، لكن ديماتوس وفريقه في الجامعة تساءلوا ماذا سيحدث لو أنهم بدلا من ذلك حاولوا استهداف أميلويد القابل للذوبان في الدم. يقول: "كانت الفكرة هي أنه إذا حاصرناها في الدم، فإن ذلك من شأنه أن يمنعه من العودة إلى الدماغ".
كل ما كان ديماتوس بحاجة إليه هو عقار، وسرعان ما وجده أمام ناظريه. خلال التجارب استخدم ديماتوس وزملاؤه مادة تعرف بأنها كاشف لقياس تطور مرض الزهايمر في الفئران. كانت قد نمت في الأصل من خلايا حية طورتها ليلي خلال أوائل التسعينيات، وكانت تستخدم في مئات التجارب. وسمحت لديماتوس وفريقه بحساب معدل تركيز أميلويد في السائل الشوكي للفأر من خلال ربط كل ذلك معا بإحكام في أنبوب الاختبار. يقول: "الربط كان قويا جدا، بحيث أنه امتصه. وكان هذا الشيء حرفيا قادرا على تمزيق هذا الشيء. لذلك تساءلنا ماذا سيحدث لو قررنا أن نحقن المادة مباشرة في الفأر. وكانت تلك لحظة الاكتشاف المذهل".
في عام 2001، شرعت ليلي في برنامج لتحويل الكاشف إلى دواء للإنسان، وانضم ديماتوس إلى الشركة بعد ذلك بعام. الدواء الذي أطلق عليه في النهاية Solanezumab، يتم غرسه مباشرة في ذراع المريض كل أربعة أسابيع. وهو يعمل على الأغلب في الدم لكن كمية ضئيلة منه تعبر أيضا إلى الدماغ، حيث يعتقد ديماتوس أنها يمكن أن تحول ببطء بعض الترسبات إلى أميلويد قابل للذوبان.
لا يشاركه الجميع تفاؤله هذا. يقول الدكتور جاري سمول، مدير مركز Longevity في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "الكثير منا أصبح متشائما إزاء فكرة أن عملية التخلص من أميلويد سوف تنجح. كان هناك الكثير من الاستثمارات في هذا المجال والأمر برمته نتائجه سلبية".
في دراسة أجريت أخيرا على مستثمري المستحضرات الصيدلانية من قبل ISI، البنك الاستثماري "إيفركور آي إس آي"، توقع أكثر من ربع المشاركين في الاستبيان أن التجربة ستواجه فشلا ذريعا. وكان لديهم سبب وجيه للتشكك، لأن ليلي اختبرت سولا في تجارب سريرية واسعة النطاق من قبل – وفشل الدواء. في صيف عام 2012، أغلق 15 موظفا في ليلي على أنفسهم غرفة بلا نوافذ، تعرف باسم الكهف، تقع في أحشاء حرم الشركة المترامي الأطراف. وكانت وظيفتهم التدقيق في البيانات من أول تجربة كبيرة لسولا لتحديد ما إذا كان العقار ناجحا. كان الباب مغلقا وكانت الطابعة موصلة بشبكة آمنة. لو كان خبر نجاح التجربة أو عدمه قد تسرب، فإن ذلك قد يحرك أسواق الأسهم ويثير الشكوك بأن هناك تداولا استنادا إلى معلومات سرية.
من بين المجموعة كانت فيليس فيريل، المشرقة، "التي عملت طيلة حياتها لدى ليلي"، والتي انضمت إلى الشركة محللة للميزانية في عام 1994، بعد وقت قصير من تخرجها في الجامعة. أسند إليها فريق الزهايمر قبل عام وشعرت بسعادة غامرة لكونها مكلفة بشيء مهم جدا. تقول: "نحن حقا كنا محصنين. كنا نأكل وجبات الطعام معا، وفعلنا كل شيء معا. لم نكن نترك الغرفة سوى لنعود لمنازلنا للنوم. بدأنا ننكت حول أكل لحوم البشر، لأننا كنا في هذا المجال الصغير للغاية، المحصور".
في الوقت الذي كان فيه الفريق يمشط النتائج، الحس المتوقع للنجاح سرعان ما تحول إلى يأس. كان يبدو أن العقار فشل فشلا ذريعا. تقول فيريل: "كانت هناك دموع في الغرفة، وكان الناس محبطين لأننا فوتنا العلامة". أرادت البقاء لمواساة إحدى الزميلات التي أخذت تنتحب واضعة رأسها بين يديها، لكنها اضطرت إلى مغادرة المكان لتكون إلى جانب سرير والدها الذي يجري عملية جراحية في القلب.
بعد بضعة أيام، عادت لتجد أن المزاج كان قد تغير إلى مزاج يتسم بالابتهاج. كان المختصون في الإحصاء قد رصدوا شيئا: عندما نظروا فقط في المرضى الذين يعانون مرض الزهايمر المعتدل، كان هناك تأثير واضح على الإدراك. بالنسبة للمرضى الذين أصيبوا بالمرض في مرحلة أبكر، تبين أن الدواء أبطأ تطور المرض بنحو الثلث. وأظهرت تجربة كبيرة ثانية، تم تحليلها بعد أسابيع قليلة، شيئا من هذا القبيل. "نظرت إلى البيانات، وصرخت: يا شباب، لقد حصلنا على العقار المطلوب! حقا، كان الأمر ممتازا".
ممتازا أو لا، فإن النتيجة مشكوك فيها إحصائيا. يستذكر الدكتور إيريك سيميرز، وهو عالم في المشروع: "كنا نعتمد على شيء خفيف للغاية". حين يواجَه العلماء بالفشل، ليس من غير المألوف بالنسبة إليهم أن يبحثوا عن نوع من الأدلة لدعم سنوات من العمل الشاق.
واجه التنفيذيون في ليلي قرارا صعبا. إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لن توافق أبدا على عقار كان قد فشل في تجربة كبيرة، حتى لو كان هناك بصيص من الأمل. بدلا من ذلك، على الشركة أن تبدأ من جديد في اختبار دراسة سريرية لسولا حصرا على المرضى الذين يعانون درجة خفيفة من مرض الزهايمر بتكلفة قدرها عشرات الملايين من الدولارات. كثير من شركات الأدوية الكبيرة كان من الممكن أن تقرر إيقاف التجربة ولملمة خسائرها، كونها تعلم أن المساهمين لا يكرهون شيئا أكثر من هدر مال إضافي بعد هدر سابق.
استقر القرار النهائي مع الدكتور جون لكلايتر، الرئيس التنفيذي للشركة الذي انضم إلى ليلي في عام 1979 كيماويا قبل أن يتولى رئاسة الشركة في عام 2008. في ذلك الوقت، كانت ليلي لا تزال تعاني انتهاء صلاحية براءة الاختراع التي تحمي مضاد الاكتئاب الرائج لديها، بروزاك. وعد لكلايتر باستعادة حظوظ الشركة عن طريق تقديم سلسلة من رهانات كبيرة على أدوية ستغير قواعد اللعبة. سولا هو الرهان الأكثر جرأة بالنسبة له حتى الآن. يقول سيميرز: "أعتقد أن الكثير من الرؤساء التنفيذيين كانوا سيقولون: ’هذا يكفي يا شباب. لننتقل إلى الأمر التالي‘".