«ترولز» .. مخلوقات صغيرة تخاطر أملا في سعادة كبيرة
وقفت وابنتي داخل صالة السينما، نحدق في اللوحات الإعلانية لإنتقاء فيلم ماتع ومشاهدته في يوم الإجازة، لكن الاختيار لم يكن صعبا، فلقد وقع نظرنا سويا على فيلم الرسوم المتحرك «الترولز» الذي تميز بإعلان جاذب، ساورتني الشكوك للوهلة الأولى عن مدى أهمية الفيلم واستحقاقه المشاهدة، لكن سرعان ما عدت بالذاكرة إلى نماذج مماثلة من الأفلام الكرتونية أو ما يعرف « بالأنيميشن» التي كانت ماتعة إلى أبعد الحدود، فهذه الصناعة ازدهرت في الأونة الأخيرة، وبعد أن كانت موجهة للصغار فقط، أدخل عليها الكثير من التقنية إلى أن استحوذت على اهتمام الكبار على حد سواء، وعمدت الشركات المنتجة إلى حبك القصة ومحاكاتها لعقول كل الفئات العمرية، إضافة إلى إتقان مستوى البراعة في الرسوم والتقنيات، وهو ما جعل هذا النوع من الأفلام على قوائم أفضل الأفلام وأكثرها مبيعا حيث نجح بعضها في تحقيق مئات الملايين في شباك التذاكر.
وبعد مرور نحو ساعة من الفيلم، وجدت صعوبة في إيجاد وصف دقيق يعبر عن مدى ضخامة الفيلم، الا أنه في النهاية رأيته مزيجا رائعا من بعض الأفلام الكرتونية المميزة التي تركت بصمة في عالم «الأنيميشن»، مثل «Shrek» و«Happy feet» و«Smurf»، إنه يجمع بين هذا التريو العملاق، ويأخذ الكثير من قصة «Smurf»، ليؤلف عملا أقل ما يقال عنه ضخم، متقن، وبالطبع مشوق وماتع، هذا فضلا عن احتوائه على إبداعات موسيقية وأغان متنوعة.
تدور قصة الفيلم حول مخلوقات صغيرة تدعى الترولز، تعيش في جو من المرح والسعادة، وتنشد الأغاني الراقصة، لكن الهدوء والمرح في حياتها سرعان ما تحول إلى كابوس عندما تم اكتشافها من قبل مخلوق ضخم يدعى بيرجنز، الذي لم يشعر في يوم من الأيام بالسعادة، فاعتقد أنه سيحصل عليها إذا ما التهم الترولز، ذهب وألقى القبض عليها وأقام احتفالا سنويا بحيث يحق لكل بيرجن صغير أن يأكل واحدة من الترولز كي يشعر بالسعادة، لكن لحسن الحظ استطاعت بقيادة ملكها بيبي( الذي يؤدي صوته الممثل جيفري تامبور) من الهرب عبر نفق داخل الأرض في اليوم نفسه المقرر فيه أن يتذوق كبير البيرجنز الملك جريسل واحدة من الترولز.
السعادة هي الهدف
ولقد بدا واضحا منذ البداية أن مغزى الفيلم هو السعادة وكيفية الحصول عليها، ولطالما كان هذا السؤال محط اهتمام كثير من الأدباء والفلاسفة، الذين طرحوا موضوع السعادة على طاولة البحث المستمر، لكن الفيلم الذي خاطب عقول الأطفال وأرشدهم إلى طريق السعادة اختصر كتبا ومجلدات بطريقة سلسلة وبسيطة.
#2#
بعد نحو ٢٠ عاما أقامت ابنة البيي التي تدعى بوبي (تقوم بأداء صوتها الممثلة آنا كيندريك) حفلة راقصة احتفاء بذكرى إنقاذ مملكة الترولز على يد والدها، وتتميز بوبي بشخصية مرحة وسعيدة دائما، لكن إلى جانبها يوجد ترول يدعى برانش( يقوم بأداء صوته الممثل جاستين تيمبرلك) شخصيته متجهمة دائما، يتميز بلونه الرمادي، ولقد كان خائفا من سماع البيرجنز أصوات الترولي فيأتون ويلقون القبض عليهم، لكن كل مخاوفه كانت في مكانها، حيث تنبه البيرجنز إلى الألعاب النارية وألقوا القبض على عدد من الترولز، استطاعت بوبي أن تختبئ وتنجو من براثن البيرجنز، ثم أخذت على عاتقها مهمة إنقاذ أصدقائها لكنها اكتشفت ألا أحد يريد مرافقتها، فذهبت وصديقها برانش على أمل إعادة كل الرهائن.
لوحة فنية
لا شك أن كاتب السيناريو آدام ويلسون عمل على حبكة ذكية ورائعة، وعمد إلى إيصال الفكرة بطريقة فكاهية، فلقد تميز بحوارات صادقة عميقة وسلسة، فضلا عن تداخله بالموسيقى المرحة، فأصبحت المشاهد لوحة فنية تحاكي الأحاسيس وتخاطب العقل. اكتشفت بوبي وصديقها برانش أن الترولز تحتجزهم خادمة بيرجن وتدعى بريدجت، فعمدو إلى الإتفاق معها على تحريرهم مقابل تنسيق موعد لها مع الملك جريسل، وبالفعل قامت بريدجت بمساعدتهم على الهروب، لكن الأمور انحرفت عن المخطط الذي كان متفقا عليه، فعندما حاولت بوبي مع أصدقائها تحرير آخر ترول يدعى كريك والموجود في جوهرة تابعة للملك، تم إلقاء القبض عليهم ليكتشفوا فيما بعد أن صديقهم كريك قد أوشى بهم وخدعهم ليخلص نفسه، وليس هذا فحسب بل قام بالكشف عن مكان كل الترولز وتم إلقاء القبض عليهم من قبل البيرجنز.
وعلى الرغم من أنه فيلم ذكي وقادر على إضحاك المشاهد من البداية حتى النهاية، لكن يبدو لك في بعض الأحيان فوضويا لكثرة الشخصيات، ما يسبب تشتت أو ضياع في بعض اللقطات، فلقد جمع طاقما كبيرا من الممثلين الصوتيين يضم إلى جانب البطلين الرئيسين (جاستن وآنا) خليطا انتقائيا من المواهب الرائعة من بينها زوي ديشانيل، راسل براند، جيمس كوردن، جوين ستيفاني، كونال نايار، جوون كليس، كريستين بارانسكي، جيفري تامبور وغيرهم الكثير.
حبس الأنفاس
احتل فيلم "ترولز" المرتبة الثالثة محققا إيرادات بلغت 17،5 مليون دولار ليصل إجمالي ايراداته إلى 116،2 مليون دولار، فهو ليس العمل الأول للشركة المنفذة "دريم وركس" حيث عمدت دائما إلى التميز في مجال الأفلام الكرتونية، وسبق لها أن تألقت في فيلم "شريك"، الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم صور متحركة لعام 2001، ولطالما كان عنصر التشويق طاغيا على كل إنتاجاتها، فإن النهاية حملت الكثير من حبس الأنفاس، فبعد أن تم تحضير الترولز لالتهامها من قبل البيرجنز، وتحول لونها من الأزرق إلى الرمادي، تعالت أصوات برانش في أغنية عبر فيها عن حبه لبوبي، وبدورها بادلته بأغنية أخرى تحوي المشاعر الغرامية نفسها، ليتم بعد ذلك فك اسرهم، فالسعادة كانت هي الهدف، والوصول اليها يحتاج إلى فهمها وإدراك سبيلها، فكيف اقتنع البيرجنز بأن السعادة لا يمكن أن تتحقق في تناول الترولز؟ وهل توصلوا الى مبتغاهم في نهاية الفيلم؟
بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم تشعر فعلا بالسعادة، ولعل هذا دليل على براعة الإنتاج في إيصال المشاعر إلى المشاهد، وتتجسد تلك السعادة في بعض المقاطع الموسيقية أو الأغاني التي تستحق اقتناءها وسماعها في كل الأوقات. إضافة إلى ذلك ينطبع داخل مخيلتك بعض العبارات الرنانة والحكيمة إلى حد ما، أبرزها عندما تكلم برانش المتجهم إلى بوبي السعيدة قائلا: "إن الحياه ليست دائما قوالب من الحلوى وألوان قوس قزح"، فهذا يعطي انطباعا عن التنوع الحياتي ما بين الحزن والفرح، فالحياة تحوي الاثنين ولا بد للإنسان أن يتخطى الحزن ويحاول جاهدا الحصول على السعادة.