نطاقات المساندة لوقف الاستقدام .. لا زيادته
في علم الاقتصاد، نجد أن الدور المنوط بالحكومة في الأسواق، بشكل عام، يشمل التنظيم والتشريع وإعادة توزيع الثروة. فلا يمكن ترك الأسواق لتحقيق المصلحة العامة عن طريق السعي وراء مصلحتها الخاصة. وبناء على ذلك، تقوم الحكومة باستخدام الأدوار السابقة في توجيه الأسواق لتحقيق الأهداف الوطنية للاقتصاد. ومن هذا المنطلق يجب أن تقوم برامج وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالعمل على إصلاح سوق العمل. فالواقع الحاصل اليوم هو واقع شديد التشوه باعتماده على العمالة الرخيصة، لدرجة عملت على خنق البيئة الحاضنة لدخول الشباب السعودي في قوى العمل.
المراجعة المستمرة لبرنامج نطاقات الموزون إضافة إلى قصر العمل في بعض الأنشطة الاقتصادية خطوات مهمة لإعادة هيكلة سوق العمل. ولكن مع ذلك، فما زالت الوزارة تحوم حول المشكلة الأساسية لتشوه سوق العمل بدلا من العمل على استهدافها بشكل مباشر. ففي آخر تحديثات لبرنامج نطاقات، أضافت الوزارة برنامج نطاقات المساندة للسعودة الافتراضية. بحيث تمكن المنشآت القابعة في النطاقين الأحمر والأصفر من تحقيق مستويات السعودة المطلوبة عن طريق دفع مقابل نقدي. فتتمكن المنشأة من استئناف استفادتها من الخدمات التي تقدمها الوزارة، التي هي لب المشكلة، فالخدمة التي يحتاج إليها وسيدفع مقابلها صاحب المنشأة الحمراء أو الصفراء هي إصدار التأشيرات، وهي معضلة الاقتصاد السعودي الأساسية.
اعتمادنا المفرط على العمالة الرخيصة حد من قدرة القطاع الخاص على توليد وظائف وأنشطة اقتصادية ذات قيمة مضافة.،فباتت مشاريعها كلها تدور في فلك هذه العمالة، كميتها ومدى انخفاض تكلفتها، لدرجة تراكمت فيها هذه العمالة بما يفوق احتياج الاقتصاد السعودي، مسببة تشوها في أسعار الخدمات وجودتها كنتيجة للعرض المفرط.
ما نحتاج إليه من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية هو تصحيح الوضع القائم المعتمد على مصلحة أرباب الأعمال الفردية، وإعادة توجيههم بما يخدم المصلحة الوطنية، ولا يعني ذلك حرمان أصحاب هذه الأعمال، خصوصا الصغيرة منها، المعتمدة على العمالة الرخيصة من العمل، ولكن ما تحققه هذه المنشآت من أرباح ليس إلا استغلالا للبيئة والموارد الاقتصادية السعودية. ولذلك يجب إعادة تسعير تكلفة العمالة الرخيصة وإعادة الأمور إلى نصابها، فيصبح المقابل المادي الذي يتم تحصيله عن طريق السعودة الافتراضية ليس إلا ضريبة تشغيل العمالة الرخيصة. ومن لم يستطع مواكبة هذه التكلفة المرتفعة الجديدة فليخرج من السوق، ليحسن من هامش ربح المنشآت الباقية الأكثر كفاءة.
مع عمل البرنامج إلى جانب المستفيد النهائي، أصحاب المنشآت، يجب أيضا النظر في عدد العمالة الرخيصة الإجمالي في الاقتصاد، فلا يتم استغلال البرنامج بهدف الحصول على تأشيرات استقدام، بل على العكس تماما، فأحد الأهداف التي يجب أن تضعها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ضمن برنامجها للتحول الوطني، تحسين كفاءة الاستفادة من العمالة الرخيصة الموجودة حاليا في المملكة، وتعليق الاستقدام. وإلى جانب برنامج هدف، يمكن أيضا توجيه الأموال المحصلة إلى دعم مباشر لتوظيف السعوديين في القطاعات التي يمكن أن يشغلوا وظائفها ولكن العائق كان ارتفاع تكلفتهم. برنامج نطاقات المساندة يجب أن يعمل كأداة توازن، حيث تبدأ عائداته بالتراجع مع تحسن كفاءة سوق العمل، لا أن يكون مصدرا جديدا للدخل.