نيات في المزاد

تذكرت المثل الإيطالي الذي يقول "النية الحسنة عذر التصرف الأحمق" حين رأيت صديقتي وكأنها تحمل الكرة الأرضية بأكملها فوق رأسها، وهي تقول بألم "أنا ما عاد أعرف كيف أتعامل في هالحياة والله لو فيه مزاد كان بعت نواياي الطيبة فيه"!
يظن كثيرون مثل صاحبتي هذه أن نواياهم الطيبة هي التي تتسبب لهم بالكثير من المطبات والمشكلات في حياتهم وأنهم لو كانوا يستخدمون أساليب الدهاء والمكر واللف والدوران لأصبحت لهم هيبة وخاف منهم الآخرون وحصلوا على ما يريدون، وهذه نظرية غير صحيحة إطلاقا!
أن تكون نواياك بيضاء فذلك أمر جميل ورائع، وهو مطلب شرعي وشرط كذلك لقبول الأعمال، لكن أن تتصرف بحماقة واندفاع وتقع في المشكلات ثم تتوهم أن ذلك مرده إلى نيتك الطيبة فذلك تبرير خاطئ ويفتقد حقا الشجاعة. دعنا نفترض جدلا أنك تعرضت لموقف مؤلم أو غادر أو جارح أو غيره من صديق أو قريب أو زوج أو زميل عمل ولم تكن تتوقع منه ما حدث، أنا أتفق معك أن الألم موجع وربما أعذرك في المرة الأولى إن أرجعت السبب إلى حسن نيتك وصفائها، ولكن إن تكرر معك الموقف نفسه مرة ثانية فلن أعذرك وسأرد الأمر إلى سوء تقديرك للأمور واندفاعك العاطفي وكثير من الحماقة التي تمنع الإنسان من الاستفادة من مواقف الحياة التي يمر بها!
يقول عمر بن الخطاب ("لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني").
وهنا تكمن روعة الأمر.. فأن تكون حسن النية فذلك لا يعني إطلاقا ألا تتمتع بالبصيرة والرؤية الثاقبة وتقدير الأمور، ولا يعني كذلك أن بإمكان الآخرين خداعك بسهولة، فامسح من عقلك نظرية "النوايا الطيبة ما تنفع في هالزمن"، وكن شجاعا بما يكفي لتواجه أخطاءك التي تكررها في كل مرة وقم بإعادة تقييم لذاتك وحاول أن تتصرف بشكل مختلف لتحصل على نتيجة مختلفة لا تشعرك بالأسى على نفسك وحظك ولا التسخط على نواياك الطيبة!
من يحاربون النوايا الطيبة ويصورونها بأنها السبب وراء ما يحدث لأصحابها من مشكلات وعثرات وإخفاقات، هم في حقيقة الأمر أشخاص يسعون لتدمير كل مظاهر الجمال والطهر في عالمنا الذي أصبحنا نفتقد فيه الكثير من الصدق والإنسانية والمشاعر الصافية.. ولسنا بحاجة لأن نفقد المزيد!
لا تبيعي نيتك الطيبة في المزاد يا صديقتي فغدا ستدركين أن لها بريقا سيعمي أبصار الحاسدين!

وخزة
يقول آينشتاين "الغباء هو فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها وانتظار نتائج مختلفة".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي