اتحاد «كونيفا» لكرة القدم .. اللعبة المجنونة قادرة على بناء الدول المستقلة

اتحاد «كونيفا» لكرة القدم .. اللعبة المجنونة قادرة 
على بناء الدول المستقلة

ستذكر نهائيات يورو 2016 بسبب بطولات البلدان الأصغر حجما مثل ويلز وآيسلندا، لكن هل يمكن لكرة القدم أن تكون مسارا لبناء الأمة؟ ينقل لنا الكاتب الأخبار من بطولة كأس العالم للدول غير المعترف بها.
إن لم يكن بإمكان أي أحد الاتفاق على تعريف للأمة، يتفق الجميع على أن الأمم تحتاج إلى أن يكون لها فريق لكرة القدم. في أعماق المناطق شبه المدارية ما بين البحر الأسود وجبال القوقاز، تجري مجموعة صغيرة من الرجال رهانا على أن فريق كرة القدم يستطيع أن يشكل تلك السابقة.
يريد أستامور أدليبا استخدام كرة القدم لشق طريقه نحو بناء الدولة في أبخازيا، وهي منطقة انفصالية في جورجيا، وموطن لـ240 ألف شخص. ألديبا، الرجل اللطيف ذو الشعر الكثيف واليد اليمين الاصطناعية، الذي يتمتع بلياقة بدنية تعكس النظام الغذائي في أبخازيا، والمكون من مشروب العنب والكباب وخبز الجبن اللزج، هو القوة المحركة الدافعة وراء استضافة أبخازيا لبطولة كأس العالم لكرة القدم "كونيفا" في أواخر شهر أيار (مايو) الماضي. هذه البطولة هي بطولة للدول غير المعترف بها، وأهل المهجر والأشخاص فاقدي الجنسية الذين لم يقبلوا في اتحاد "فيفا"، الهيئة الإدارية لهذه الرياضة التي تنتشر فيها الفضائح.
قال أدليبا بينما كان يشاهد أداء قبرص الشمالية في تعادل مع الشتات الكوري في اليابان: "فكرتي مفادها أن نبين للعالم أننا دولة مستقلة. نريد فقط أن نعيش مستقلين. وهم لا يسمحون لنا بذلك".
استاد داينامو المجدد حديثا هو موطن فريق يحمل نفس اسم الفريق الذي يديره ألديبا، وهو أحد المباني الحديثة القليلة في سوخومي، وهي عاصمة دولة معترف بها من قبل القليل من الدول ويبدو أنها ضلت طريقها في عالم الزمن.
أبخازيا تجعلك تشعر بأن رواية واقعية سحرية روسية خرجت عن مسارها، فالصروح النيوكلاسيكية المنهارة من عصر ستالين وأشجار النخيل منتشرة على طول شوارعها الهادئة، وشبه الفارغة منذ الصراع الانفصالي الشرس الذي حدث بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. يخيم على الاستاد مبنى البرلمان ذو الهندسة البروتالية والمكون من 13 طابقا، الذي لم يعد إحياؤه منذ أن اشتعلت فيه النيران خلال الحرب. ولدى اتحاد كرة القدم في أبخازيا مكاتب في الطابق السفلي.
من الناحية البصرية والجغرافية السياسية، تعد أبخازيا شبيهة بكوبا في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، معتمدة اعتمادا كاملا على موسكو لتقديم الدعم المالي، والأمن وصادرات الغذاء والنبيذ.
يأتي الملايين من السائحين الروس سنويا ليزوروا شواطئها المليئة بالحصى والمصحات التي لم يعد بناؤها والتي لا تزال تعرض بكل فخر تماثيل للينين. فقط روسيا وفنزويلا ونيكاراغوا وجزيرة نورو الصغيرة جدا في المحيط الهادئ هي من أقامت علاقات دبلوماسية مع أبخازيا منذ أن أعلنت استقلالها بعد الحرب الروسية - الجورجية في عام 2008.
ومثل أبخازيا، المشاركون الآخرون البالغ عددهم 11 مشاركا في البطولة هم عبارة عن وحدات دولية منقسمة لا تتمتع باعتراف واسع النطاق أو، بالنسبة للبعض، لا تزيد كثيرا على كونها مجرد علم.
وهناك القليل من اللاعبين هم من المحترفين. فقط عشرة منهم لديهم خبرة تتعلق بكرة القدم الدولية، مع مبتدئين في اللعبة مثل النرويج وأرمينيا والعراق. أربعة من الفرق فقط تمثل وحدات قائمة شبيهة بالدول. باستثناء أبخازيا، الدولة الوحيدة غير المعترف بها دبلوماسيا من قبل أي بلد آخر هي شمال قبرص، التي أنشئت عندما غزت تركيا الجزيرة في عام 1974.
قال ألديبا: "هنالك بلدان تكافح حقا من أجل نيل الاستقلال، وهنالك بلدان لا تلقي بالا لهذا الموضوع، فهي مجرد أقاليم"، متلفظا بكلمة أقاليم كما لو أنها إهانة.
كرة القدم الدولية الحديثة ترتبط ارتباطا وثيقا بالاعتزاز الوطني للدولة. كلما صغر حجم البلد، يصبح نطاقها أكبر، وبطولة يورو 2016 سيتم تذكرها، ليس بسبب التعادل القاسي ما بين القوى العظمى القارية، وإنما بسبب بطولات ويلز وآيسلندا.
غالبا ما يكون ذلك الترابط غير مستقر، كما هو مبين في الاشتباكات العنيفة ما بين جماهير المشجعين الإنجليز والروس، والجماهير الألمانية والأوكرانية وجماهير المشجعين الكرواتيين ضد الجماهير الكرواتية الأخرى.
#2#
في وصف شهير للرياضة الجادة قيل أنها "حرب مطروح منها إطلاق النار"، ربط جورج أورويل صعود كرة القدم من كونها هواية إلى أن أصبحت هوسا ومن ثم "صعود النزعة القومية - أي العادة الحديثة المجنونة بتحديد الذات من خلال وحدات قوة كبيرة ورؤية كل شيء من حيث المكانة التنافسية".
عملت الطبيعة المتغيرة للمواطنة على تغيير طريقة تشكيل فرق كرة القدم الوطنية - ومعها، ما يعنيه أن يمثل الفريق هوية البلد. رومان نيوستادتر، لاعب الوسط الذي ولد في أوكرانيا وترعرع في ألمانيا على يد والده الذي كان يلعب دوليا لفريق كازاخستان، وتم إدراجه في تشكيلة فريق روسيا عشية البطولة بمقتضى مرسوم رئاسي أصدره فلاديمير بوتين.
وقد شهدت الطبيعة الانتقالية إلى حد كبير للمواطنة على وجود لاعبين من البرازيل، التي تصدر لاعبي كرة القدم مثلما تصدر كوبا الأطباء، الذين يصطفون للدخول مع العظماء الأوروبيين مثل إيطاليا وألمانيا وإسبانيا.
غالبا ما تصبح انتصارات وإخفاقات كرة القدم إشارات مجازية لمصير الأمة. وقد أخذت الصحف والمشجعون هزيمة إنجلترا النكراء من آيسلندا الصغيرة جدا - يبلغ عدد سكانها 323 ألف نسمة - الشهر الماضي بأنها رمز للاضطرابات الناجمة عن التصويت بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قبل أربعة أيام فقط.
إن تمثيل بلدك يكون أكثر صعوبة عندما لا يكون هنالك إجماع في الآراء حول ما إذا كان بلدا على الإطلاق. كثير من شبه الدول مثل ساموا الأمريكية وماكاو وإنجلترا هي أعضاء في اتحاد "فيفا"، وفي أيار (مايو) الماضي، انضمت إليهم كوسوفو، التي لم تحصل حتى الآن على اعتراف دولي كامل منذ إعلان استقلالها عن الصرب في عام 2008، وجبل طارق، إحدى مناطق المملكة المتحدة.
مع ذلك، تبقى الدول الأخرى مستبعدة رغم سنوات من بذل الجهود. وهذه تضم جزيرة مان، التي تتمتع باستقلالية أكبر داخل بريطانيا مما تتمتع به جبل طارق، وكيريباتي، التي هي عضو في الأمم المتحدة، والبلدان شبه السيادية مثل أبخازيا، التي تشهد معاملة غير عادلة في قبول كوسوفو.
قال ألديبا: "تمكن الألبان من الاستيلاء على الأراضي الصربية وكوسوفو وحصلوا على الاستقلال، ونحن سعداء من أجلهم، لكن لماذا يسمح لهم بنيل الاستقلال ولا يسمح لنا؟".
تحاول كونيفا، المنظمة المسؤولة عن البطولة، معالجة ذلك الظلم المتصور. يقول الأمين العام لمنظمة كونيفا ساشا دوركوب: "إن النظام غير شفاف على الإطلاق. وطالما أنه ليست هنالك أية قواعد، ينبغي أن يتمكن الجميع من الدخول".
دوركوب هو طالب دكتوراه نحيل يدرس الرياضيات في جامعة ووبرتال، وهو يتميز بحلاقة شعره المرنة وجو من الذهول العام. وقد اكتشف عالم كرة القدم غير المعترف به من خلال هوايته المتمثلة في جمع قمصان الفرق الوطنية (فهو يمتلك 201 قميص من 211 دولة عضوا في اتحاد "فيفا"، ويعاني بشكل خاص أروبا، وهي جزيرة صغيرة جدا قبالة ساحل فنزويلا).
هدف منظمة كونيفا هو تقديم منصة لمجموعات تجمعها طموحات وتطلعات وطنية، لكن من دون تمثيل في اتحاد "فيفا". وفي الوقت الذي تتغير فيه الحدود الجغرافية السياسية، تتغير كذلك العضوية.
والفرق الآتية من "الجمهوريات الشعبية"، التي تشكلت في شرق أوكرانيا خلال فترة الحرب في السنتين 2014-2015 تتقدم بعروض لاستضافة بطولة الأمم الأوروبية العام المقبل، وقد تقدم فريق داعم للبقاء في الاتحاد في بريطانيا، للانضمام في اليوم الذي تلا تصويت المملكة المتحدة على المغادرة.
جنبا إلى جنب مع بير - أندرس بلايند، الحكم غير المتفرغ والعضو في جماعة سامي العرقية من شمال اسكندنافيا التي تعرف باسم لابلاند، أسس دوركوب أول بطولة لكونيفا في السويد في عام 2014. وتبين أن تنظيم البطولة للدول غير المعترف بها أمر صعب. كان على كونيفا اللجوء إلى الأمم المتحدة لإصدار وثائق سفر لفريق دارفور المكون من لاجئين من مخيمات في تشاد. وقد حقق الدارفوريون 61 هدفا في أربع مباريات، وحصلوا على حق اللجوء السياسي في نهاية البطولة.
الفريق الأبخازي - الذي يتمتع أعضاؤه كلهم، مثل أغلبية سكان أبخاز، بالمواطنة الروسية بموجب برنامج ضخم "لمنح جوازات السفر" - استطاع فقط إرسال مجموعة رثة مكونة من 13 لاعبا، بعد أن رفض طلب بعض اللاعبين للحصول على تأشيرات سويدية. في العام التالي، اضطرت أبخازيا للانسحاب من بطولة الأمم الأوروبية، بعد أن أدى الضغط من جورجيا، إلى أن ترفض المجر السماح لهم بالدخول.
بذل أدليبا، بمساعدة ابن عمه، دمتري باجافا، جهودا لعقد البطولة في موطنه. واستخدمت حكومة أبخازيا نفوذها في تقديم العطاء، بمساعدة المال المقدم من موسكو. وتم استئناف الجهود المبذولة لإعادة إعمار ملعب دينامو بمبلغ 650 مليون روبل (نحو 7.75 مليون جنيه استرليني) بمقتضى برنامج روسي، الذي توقف بعد ذلك ثم استؤنف. وتم إحضار شاشات تسجيل إل سي دي، وعشب اصطناعي ومقاعد بلاستيكية برتقالية وحمراء وصفراء وبيضاء اللون عددها 4300 مقعد من روسيا. وقدمت أبخازيا مبلغا آخر بقيمة 25 مليون روبل.
لم يكن أدليبا وباجافا متأكدين ما إذا كان سيأتي أي أحد بالفعل. والجهود المبذولة لتحقيق مكاسب عن طريق بيع حقوق التلفزيون في البث لم تجد أي داعم لها. وكان الوصول إلى أبخازيا في حد ذاته أمرا صعبا.
والطريقة القانونية الوحيدة هي في الانتقال بواسطة القطار أثناء الليل من تبليسي ومن ثم المشي أو ركوب عربة يقودها حمار لعبور الجسر المهجور المؤدي إلى الحدود.
وقدم المنظمون النصح للفرق باتخاذ المسار الأسهل عبر روسيا، ما دفع إلى ظهور بيانات احتجاج من جورجيا. تمكن فريق صومالي لاند من اجتيازها والدخول من خلال دعوة محمومة للسلطات الأبخازية، بعد أن قرر حرس الحدود الروس أن الحافلة التي تقل 18 رجلا أسود البشرة يرتدون زيا موحدا، كانوا ذاهبين إلى أبخازيا لجمع معلومات استخبارية.
وما أثار دهشة أدليبا أن البطولة أصبحت حديث أبخازيا. فقد هاجم السكان المحليون فريق صومالي لاند بسبب صور السيلفي التي التقطوها كما لو أنهم نجوم. قال عبد الرحيم سلطان، الذي يدرس ليصبح فنيا في تقنيات الأشعة: "إنه لأمر مدهش، فأنت تشعر كما لو أنه ليس هنالك أي حاجز". (قال أدليبا: "لم يروا رجلا أسود البشرة في حياتهم أبدا).
الشخصية التي أثارت أكبر عدد من المعجبين كانت المحاسب السابق هاربريت سينج، قائد فريق البنجاب وربما الشخص الوحيد الذي يأخذ موضوع البطولة على محمل الجد مثل الأبخاز.
سينج، الرجل طويل القامة والأنيق، الذي ينتمي إلى طائفة السيخ ويرتدي عمامة أرجوانية اللون، ويطلق لحية غزيرة، ولديه عيون خارقة، ويتكلم بلهجة عميقة من وسط إنجلترا، أنفق كل مدخراته قبل عامين على تأسيس الفريق، الذي يتصوره على أنه "علامة تجارية عالمية" للفوز بقلوب جماعة البنجاب البالغ عددها 125 مليون شخص.
يستذكر قائلا لابنه الأكبر، الذي كان في الرابعة آنذاك، عندما شرح له السبب في اتخاذ قراره: "أنا أحب شعبي. أنا أحب الآكاش، والسماء وأحب الميتي والغبار. أشعر بالألم الذي يعانيه شعبي. وهذا هو مصيري".
#3#
بعد شهور من التنقيب في الفرق الإنجليزية شبه المحترفة عبر الإنترنت بحثا عن لاعبين ذوي "ضراوة بنجابية في الملعب"، توصل سينج إلى تعيين مدير، ومساعد مدير ومدرب فريق أول ومحلل للمعارضة ومعالج طبيعي، وجميعهم من ذوي الخبرة المهنية. وبسبب الافتقار إلى المال من أجل دفع أجورهم، أوضح سينج رؤيته المتمثلة في "توفير المجد للبنجاب والوئام للشعب" في حانة تسمى رد ليون في غرب برومويتش. قال: "إن فريق كرة القدم ليس مثل سوق الرقائق، حيث يمكنك أن تفتتح محلا آخر للرقائق. يتعين عليك جعل الناس يصدقون".
عدد الحضور في ملعب دينامو أثناء مباريات أبخازيا المحلية كان أكبر بكثير من قدرته الاستيعابية. وقد اندفع المشجعون الذين يلوحون بالأعلام ويرسمون على وجوهم إلى مدخل الدرج، عندما نفذت الأماكن الموجودة هناك، وقفت البقية على جانب الملعب أو تسلقوا السياج خلف المرمى.
راؤول خاجيمبا، الرئيس الفعلي لأبخازيا، اتخذ مكانه في الجزء المخصص لكبار الزوار أثناء المباراة الأولى للفريق ضد جزر تشاجوز، أعضاء الشتات الذين طردوا من موطنهم في المحيط الهندي من قبل المملكة المتحدة في الستينيات،لإفساح المجال أمام قاعدة بحرية أمريكية.
بعد أن تعرض فريق تشاجوز للإصابة والبطاقة الحمراء، المكون في معظمه من عمال النظافة في مطار جاتويك، البالغ عددهم تسعة أشخاص، تأهلت أبخازيا بفوزها 9 إلى صفر. قال جينس جوكل، موظف في منظمة كونيفا: "كان الرئيس يحتفل بكل هدف يتم تحقيقه كما لو أنهم سيفوزون في البطولة. كان هذا نوعا من المبالغة".
أثناء استضافتها للبطولة، الحكومة الفعلية لأبخازيا لجعلها حفلة كبيرة لدولتها التي أعلنتها بنفسها ذاتيا. وقدم لها خاجيمبا، الموظف الأبخازي منذ فترة طويلة، الذي يمكن أن يبدو أنه في وطنه كرجل بيروقراطي سوفياتي في عام 1986 أو 1956 أو 1936، دعمه الشخصي. قال خاجيمبا: "أردنا أن نبين أننا خرجنا من العزلة وأننا نقوم ببناء دولة. نحن لا نحاول أن نجعل الجميع يعترف بنا - فنحن قد اعترفنا بأنفسنا بالفعل".
تعتمد الهوية الوطنية لأبخازيا في معظمها على أسس عرقية، ولا سيما ضد الجورجيين. والانفصاليون الذين قاتلوا في حرب العامين 1992-1993 قاموا بطرد مئات الآلاف من الجورجيين، الجماعة العرقية السائدة في الإقليم آنذاك.
حتى تصبح مواطنا أبخازيا، يجب عليك العيش في أبخازيا لمدة عشر سنوات واجتياز امتحان في اللغة الأبخازية الصعبة جدا. تولى خاجيمبا السلطة في عام 2014 بعد هروب سلفه عقب احتجاجات ضد خططه الرامية إلى إعطاء الجنسية للجورجيين الذين بقوا، والبالغ عددهم 40 ألف شخص. ومشروع القانون الذي كان سيسمح للأجانب بشراء العقارات في منطقة ريفيرا البحر الأسود - وبالتالي، في أذهان كثير من الأبخازيين، سمح لروسيا باستيعاب المنطقة - عمل على إشعال المشاعر بشكل أكبر.
يقول مسؤولو أبخازيا إنهم يفضلون الحياة في عالم النسيان، لأن كلا من المصالحة مع جورجيا والاستيعاب من روسيا من شأنهما أن يطمسا هويتهم. قال خاجيمبا: "لا أحد يصطف من أجل الاعتراف بدولتنا". مع ذلك، دفع هذا الموقف أبخازيا حتما إلى الوصول إلى أحضان موسكو.
كان فريق أبخازيا لكرة القدم يعلم أنه كان يقاتل من أجل الكبرياء الوطني. فهم تأهلوا من خلال البطولة دون التنازل عن هدف واحد، ما عمل على إقصاء أرمينيا الغربية وسابمي وشمال قبرص على مرأى من الحشود الهاذية التي اندفعت إلى أرض الملعب وكانت تهتف بشعارات "أيايرا"، شعار النصر من حرب 1992-1993. قبل ساعات من المباراة النهائية، كان الملعب يعج بالحشود. والكثير من الناس ممن اشتروا التذاكر كانوا يتسلقون على الجدران لمشاهدة المباراة. اندلعت الهتافات الشرسة بينما حلقت طائرة هليوكبتر متداعية فوق الملعب، ترفع علم أبخازيا المعلق على سلك طويل تحتها.
كان من المفترض أن يكون البنجاب هم خصوم أبخازيا بعد سباق مفاجئ شهد هزيمتهم لفريق بادانيا، إقليم انفصالي غامض في شمال إيطاليا، وأرمينيا الغربية، التي ركض لاعبوها ومدربوها ومشجعوها إلى الملعب لمهاجمة لاعبي فريق البنجاب، وهم غاضبون بسبب خسارتهم في مباريات ربع النهائي بنتيجة 3 - 2.
كان سينج قد اكتشف أن علم البنجاب كان مطبوعا على وجه واحد فقط. والخريطة الباهتة لمنطقة البنجاب الأكبر يمكن رؤيتها على الوجه الآخر، بينما كان يرفرف العلم في النسيم. وكان قد تم باليد رسم مواعيد حكم عهد المهراجا رانجيت سينج، الذي امتدت فترة حكمه لإمبراطورية السيخ من عام 1799 إلى عام 1839 وشكلت مصدر إلهام لسينج ليقوم بتأسيس فريقه. تذمر قائلا: "لقد حصلوا للتو على الصورة وأرسلوها إلى السوق".
بعد انقضاء الشوط الأول الفاتر، تسابق لاعب الوسط الأمامي في فريق البنجاب واخترق حارس المرمى أليكسي بوندارينكو ليتولى زمام المبادرة. أصبح الجو أكثر جنائزية مع كل دقيقة تمر. وعندما تبقى فقط خمس دقائق على نهاية المباراة، طلب المذيع من الملعب "دعم الفريق بفعالية أكبر". فجأة، تحرر لاعب أبخازيا في منطقة اليمين ورمى بضربة منخفضة في مرمى الفريق الذي يبلغ عرضه ست ياردات، حيث كان اللاعب البديل روسلان شونيا على استعداد للاستفادة من تلك الضربة. صاح الجمهور كما لو أن حجمه أكبر بعشر مرات. ابتسم أدليبا قائلا: "الجزء الأفضل هو أن لديه اسم عائلة جورجي".
وصلت المباراة إلى جولة الركلات الترجيحية. فوت فريق أبخازيا اثنتين من أول ثلاث ركلات للفريق، ما أعطى البنجاب فرصتين للفوز بالمباراة. وبأعجوبة، أنقذ بوندارينكو الضربتين، وحافظ فريق أبخازيا على هدوء أعصابه في هذا الوقت العصيب. ونظر شرطي أبخازي متوسط العمر إلى السماء وهو يدعو الله. في الجولة الثالثة، حافظ بوندارينكو على ضربة أخرى. ومن ثم أرسل لاعب خط الوسط فلاديمير آرجون ضربة مرمى فريق البنجاب.
تدفق المشجعون إلى الملعب لمهاجمة اللاعبين. وانضم إليهم الراقصون في زيهم التقليدي الذين ينتظرون الحفل الختامي. وأمسك صبي بالصورة الباهتة لفلاديسلاف أردزينبا، الرئيس الأول لأبخازيا، وقاد الحشود في أغنية موحدة. وأضاءت الألعاب النارية السماء. وكان لا يزال نصف الجمهور في أرض الملعب. ركض أحد مدربي فريق صومالي لاند وهو يمسك علم أبخازيا الضخم في إحدى يديه وعلم صومالي لاند في اليد الأخرى. قام المراهقون بمهاجمة سينج، وزال الحماس من عينيه الآن لالتقاط صور سيلفي. تجمعت السيارات التي تحمل علم أبخازيا على شكل دوائر حول الساحة المركزية، أمام البرلمان المحترق. أعلنت خاجيمبا عطلة وطنية.
ربما لم يعمل الفوز على تقريب أبخازيا بأي شكل من نيل الاعتراف الدولي - ولا حتى من اتحاد "فيفا"، لكن عندما رفع كابتن الفريق كأس بطولة كونيفا، الذي بدا كأنه قد تم شراؤه بثمن بخس من متجر بضائع رياضية، كان يعني شيئا أكبر. قال أدليبا: "هذا بلد حقيقي ومستقل كما يمكن أن يكون. ألا تشعرون بذلك؟".

الأكثر قراءة