الصين .. مزارع أكبر لإطعام 1.3 مليار نسمة

الصين .. مزارع أكبر لإطعام 1.3 مليار نسمة

الصين .. مزارع أكبر لإطعام 1.3 مليار نسمة

من بين المواقع التي تتميز بتاريخ خاص في الصين تبرز قرية شياوجانج. القرويون في هذه الناحية تحدوا الحزب الشيوعي تفكيك المزارع الجماعية الكارثية، التي أدت إلى موت أكثر من 30 مليون شخص جوعا في عهد ماو تسي تونج.
بعد مرور 40 عاما تقريبا، يقع المجتمع الصغير مرة أخرى في دائرة الضوء، بوصفه بوتقة تجارب بالنسبة للرؤى المتنافسة لمستقبل الزراعة في الصين.
بوابة أسمنتية تبرز من البساتين وحقول القمح تعلن "قرية الإصلاح الريفي رقم واحد في الصين" على شكل طريق مستقيمة معبدة بشكل مثالي تمتد نحو ما كان فيما مضى واحدا من أفقر الأماكن على الأرض. مجموعات سياحية تقف وراء أعلام الحزب الشيوعي الضخمة خارج متحف مخصص لمخاطر ملكية الأراضي الجماعية.
عندما زار الرئيس تشي جينبينج القرية هذا الربيع، كانت رسالته قوية. أيد نقل ملكية الأراضي الريفية لإنشاء مزارع حديثة تابعة للدولة، لكنه أيضا أكد على الملكية الجماعية للأراضي ـ بقايا من عهد ماو. التناقض الواضح يقع في قلب سياسة الأراضي المليئة بالمشاكل في الصين.
المناطق الريفية اليوم على مفترق طرق. زراعة الأراضي الجماعية انتهت قبل ثلاثة عقود، لكن الأراضي لا تزال مملوكة من قبل الدولة. نحو 700 مليون صيني قايضوا الزراعة كمورد رزق بالذهاب إلى المدن، تاركين خلفهم الآباء الكبار بالسن يحرثون ملايين قطع الأراضي الصغيرة - غالبا يدويا.
الصين تحتاج إلى مزارعين أقل، لكن أصغر سنا ومزارع أقل عددا، لكن أكبر حجما لتغذية اقتصاد حديث مكون من 1.3 مليار نسمة. وتحتاج أيضا إلى دعم عشرات الملايين من كبار السن في المناطق الريفية. قرية شياوجانج هي موطن نماذج مختلفة بشكل عجيب تتعلق بكيفية تحقيق تلك الأهداف. يقول تشنج فينجتيان، أستاذ اقتصاد الزراعة في جامعة رينمين: "في غضون 20 أو 30 عاما، من سيعمل بالزراعة؟ في غضون عقد آخر، لا أحد سيفعل".
الحزب وبعض المهاجرين الأكبر سنا ينظرون إلى الوصول إلى الأراضي على أنه درع مالي في حال تضاءلت فرص العمل في المدينة، لكن تلك الفكرة عفا عليها الزمن منذ فترة. المزارعون لا يملكون أي حماية ضد مصادرة الأراضي من قبل الحكومات المحلية التي تعاني ضائقة مالية، والتي تسعى لإعادة بيعها إلى شركات التطوير العقاري، أو أصحاب المصانع، أو حتى الشركات الزراعية. بعد الثورة الصناعية السريعة في الصين أصبح ما يصل إلى 120 مليون مهاجر ليس لديهم أي أرض يعودون إليها. ومعظم المهاجرين تحت سن 35 عاما لم يعملوا بالزراعة قط.
يقول أحد المزارعين السابقين: "بدون الأراضي، فإن قلب الفلاح الكبير بالسن لا يملك أي مكان ليرتاح فيه. لكن ابني هو قصة مختلفة تماما. فهو لا يعرف أماكن نمو أي من المحاصيل".
حتى مع إشادة الحزب الشيوعي بسكان قرية شياوجانج لتقسيم حقولهم، إلا أنه رفض السماح بملكية الأراضي في المناطق الريفية. ولا يستطيع المزارعون الشراء أو البيع حسب الرغبة. ويجادل بعضهم بأن القيود مفروضة لأن الكثير من المزارعين سيبيعون إذا تمكنوا من ذلك، الأمر الذي من المحتمل أن يطلق العنان لملايين الناس الذين بلا جذور إلى المدينة.
يقول تشنج: "إنها ليست مسألة اقتصادية، إنها سياسية. تولى الحزب الشيوعي الصيني السلطة إلى حد كبير لأنه خلال الحرب الأهلية [1927-1949]، تم بيع مساحات كبيرة من الأراضي والفلاحون الذين بدون أراض لم يعد لديهم أي شيء يلجأون إليه".

متمردو الزراعة

ماضي قرية شياوجانج الأسطوري يتجسد وراء ابتسامة مبتهجة: يان جين تشانج، مالك فخور لأحد المطاعم السياحية، كان واحدا من 18 رجلا قسموا في عام 1978 الأراضي الجماعية سرا – مخاطرين بالذهاب إلى السجن أو ما هو أسوأ من ذلك - لزراعتها بأنفسهم.
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ظل يان البالغ من العمر 73 عاما يروي قصته لكبار الشخصيات الزائرة. كان مراهقا عندما تسبب قرار ماو إجبار الفلاحين على العمل في المزارع الجماعية والتصنيع الذي انطلق بسرعة، تسبب في مجاعة على مستوى البلاد. في قرية شياوجانج، مات ثلث القرويين البالغ عددهم 170. وكان يان "يأكل من محصوله الخاص" خلال فترة استرخاء سياسية قصيرة في الستينيات، لكن بعد ذلك وقعت الثورة الثقافية.
بحلول عام 1978 كان الجفاف قد قضى على المحصول الضئيل. وكان لدى يان خمسة أطفال ولا يوجد طعام. وقع القرويون اليائسون على اتفاق سري لتقسيم الأرض. وتعهدوا بتربية أطفال بعضهم بعضا إذا سجن أو قتل أي منهم.
ويتذكر يان: "لم يكن لدينا أي خيار سوى إنقاذ أنفسنا. من هو الفلاح الذي لا يعرف كيفية زراعة المحاصيل الغذائية؟ لذلك نحن نعرف أن المشكلة كانت سياسية".
وسرعان ما تم الكشف عن المخطط وحاول زعماء البلدية تجويع المتمردين عن طريق قطع إمداداتهم من البذور. لكن مع اكتساب الإصلاحيين اليد العليا وطنيا تغاضى رئيس المقاطعة عن الأمر.
دنغ زياو بينغ، مهندس الإصلاح الاقتصادي في البلاد، أيد في نهاية المطاف تجربة شياوجانج، ما سمح لملايين من الفلاحين بزراعة أراضيهم. وظائف المصانع والبناء في المدن المزدهرة جذبت البالغين الشباب بعيدا، في حين أن أرض يان - جنبا إلى جنب مع أراضي كثير من المزارعين الآخرين - اختفت تحت مختلف المشاريع.
في عام 2014 كاد قرويو شياوجانج أن يفجروا ثورة ثانية في حقوق ملكية الأراضي الصينية عندما قرروا إعادة بناء ضريح - دمره الشيوعيون في خمسينيات القرن الماضي. وكانت الأمتار المربعة القليلة التي يشغلها الضريح على أرض أحد المزارعين، لذلك حاولوا شراءها منه. كانت تلك أول عملية شراء مباشر من الأراضي في المناطق الريفية منذ 67 عاما. لكن شخصا أبلغ عن الخطة وفرضت غرامات على القرويين.
يقول يان وهو يلوح بيده ويضحك: "ذلك أثبت أن شراء وبيع الأراضي [لا يزال أمر غير مسموح. لقد حررنا العمالة من الزراعة الجماعية. لكن وضع الأرض لم يتغير. ومن المستحيل أن يتغير".

عقلية نحو الأعمال

كان يانج يوبين واحدا من الذين ابتعدوا عن شياوجانج للعمل في المصانع على طول الساحل. بعد ست سنوات "سئم ذلك العمل" وعاد. إنه يجسد أنموذجا واحدا لتصويب أوضاع الأراضي في المستقبل في الصين.
تعود ملكية الأراضي في المناطق الريفية قانونيا للجمعية التعاونية القروية، باستثناء مساحات واسعة من الأراضي المستصلحة "البور" التي تنتمي إلى مزارع الدولة الضخمة. ويتم التعاقد مع الأسر بخصوص الأراضي الجماعية. وهم يحصلون على حقوق لمدة 30 عاما لما متوسطه 6-10 مو (1-1.5 فدان) من الأراضي، وتنقسم عادة إلى خمس أو أكثر من القطع المنفصلة.
يانج يزرع الحبوب على مساحة 28 فدانا من خلال اتفاق يدفع بموجبه مبلغا لجيرانه لنقل حقوقهم له، وهي العملية التي جعلتها بكين قانونية في عام 2008. ما يقارب نصف الأراضي في مقاطعة إنهوي يتم تأجيرها بهذه الطريقة، لكن يانج يرى حاجة إلى مزيد من المساحة لدعم المكننة. يقول: "في المستقبل تحتاج الأرض إلى أن يتم دمجها في أيدي عدد قليل من الناس".
الإصلاحيون الذين يفضلون ملكية الأرض يعتقدون أن المزارعين، مثل يانج، سيزداد عددهم تدريجيا في الوقت الذي يصبح فيه جيرانهم طاعنين في السن على نحو يجعلهم غير قادرين على العمل. فقط 5 في المائة من المزارعين يزرعون 20 في المائة من الأراضي على المستوى الوطني، وفقا لتقديرات هوانج جيكن، وهو خبير في المناطق الريفية يعمل في الأكاديمية الصينية للعلوم.
لكن هناك عقدة في الموضوع. لزراعة أكثر من 33 فدانا يعتقد يانج أنه بحاجة لتوظيف عمال ومعدات، لكن قبضته على الأرض واهية. جيرانه قد يؤجرون حقوقهم لشخص آخر، أو قد تتم إعادة تقسيم الأرض عندما ينتهي أجل الحقوق الذي يمتد لـ 30 عاما.
الحقوق المنقولة تكلف فقط نحو 92 دولارا لكل فدان سنويا، وبالتالي النظام يسمح ليانج وجيرانه بدمج مزارع كبيرة برأسمال أقل مما لو اشترى الأرض.
هذا أمر جيد، لأنهم لا يمتلكون الكثير من المال. من حيث المبدأ يمكن للمزارعين الاقتراض من خلال الجمعيات التعاونية في المناطق الريفية. والإصلاح الذي حدث أخيرا يسمح للمصارف بالإقراض في مقابل حقوق الأرض المجمعة. من الناحية العملية، النطاق الضيق وقلة الخبرة في الأعمال التجارية الرسمية تجعل المصارف تحجم عن الإقراض.
زي قينجشون هو عضو في سلالة جديدة من المزارعين الصينيين: صاحب المشروع الرأسمالي. فكرته لبناء المزارع الكبيرة في الصين هي الطريق المفضل للمسؤولين الذين لا يتحلون بالصبر.
وصل زي إلى قرية شياوجانج في عام 2012. وهو مطور عقاري سابق، وتعاقد على استئجار 167 فدانا من الأراضي الجماعية المجاورة مقابل 727 دولارا لكل فدان (نصف سعر الأراضي في مقاطعة شاندونج مسقط رأسه) وتفاوض حول الدعم الحكومي لتغطية أكثر من نصف تكلفة الإيجار لديه. شركته شانتن تسيطر على نحو 2000 فدان في ثلاث محافظات، وتأمل في الوصول إلى 16600 فدان، وهو نطاق غير مسبوق لزراعة الفاكهة التي تتطلب عمالة كثيفة في الصين.
استثمر نحو 200 مليون رنمينبي (30 مليون دولار) في البيوت البلاستيكية وأشجار الخوخ وغرف التحكم في درجة الحرارة، لزراعة شتلات التوت المائي بالقرب شياوجانج. وظف نحو 20 موظفا بدوام كامل وعرض على السكان المحليين 60 رنمينبي أجرا يوميا في أوقات ذروة الحصاد. وفوق ذلك كله أضاف حقلا من الخزامى مع طواحين هواء وهمية وبيانو أبيض مصمم على طراز لبراتشي.
يقول زي: "المزارعون بحاجة إلى أن يتم إخراجهم ببطء وأن يصبحوا مصدرا للعمالة"، وذلك في شرحه للحجة التجارية لمصلحة رجال الأعمال مثله في تحديث الزراعة الصينية. بدلا من السكان المحليين من كبار السن الذين استأجر منهم، يفضل "فرق الحصاد الجوالة" من العمال الريفيين الذين يكلفون أكثر في اليوم الواحد، لكن غالبا ما يكونون أكثر مهارة.
يقول: "التنمية الزراعية في الصين قد بدأت لتوها. وتحتاج إلى أن تكون مدفوعة من قبل الشركات، وليس من قبل الدولة. أمريكا أمس أو اليوم هي الصين غدا من حيث الحجم والتخطيط".

ريف اشتراكي

"الريف الاشتراكي الجديد" حيث أصحاب المشاريع الرأسماليين يزرعون الأراضي الجماعية، يلبي أهداف الدولة من المزارع الكبيرة، مع توفير دخل صغير لكنه ثابت للقرويين من كبار السن الذين لا يمكنهم العمل.
إيرادات الإيجار، والعمل الخفيف، وفكرة أن "الأرض لا تزال لنا" استمالت تشانج لى تشانج، وهو موظف في شنتن حيث قام والداه، المؤمنان إلى حد كبير بالقيم التقليدية، بالتوقيع بسعادة على تأجير أرضهما لمصلحة مزارع التوت البري التابعة لزي. "لقد كان قرارا سهلا"، كما يتذكر. "ولو كان الأمر ينطوي على خسارة الأرض، فهذا سيكون مسألة أخرى. إنه أمر غير وارد".
في الوقت الحالي، يمكن لأصحاب المشاريع مثل زي أن يصلوا إلى الحجم المرغوب عن طريق التفاوض بشكل مباشر مع الجمعية التعاونية القروية على عقود لعدة سنوات على مساحات أكبر. لكن على المدى الطويل يعتبرون مقيدين بسبب عدم القدرة على تأمين حقوق الأرض مباشرة، والالتزام بالحفاظ على دفع الإيجار على آلاف من قطع الأراضي الصغيرة. يقول زي إن أشجار الخوخ لديه تعتبر استثمارا لمدة 50 عاما، الذي يتجاوز كثيرا فترة 30 عاما من حقوق الأرض التي تعاقد عليها. ويضيف: "ذلك يجعلني قلقا".
إنه ليس الوحيد. قرية لوكسنزواج التي طليت بألوان زاهية في مقاطعة هواى يوان – تبعد فقط 100 كيلو متر عن قرية شياوجانج - تدل على أن الاتجاه نحو التعاقد على الأراضي من القرويين يظل من الممكن أن يتعرض للاختلال. كما هي الحال في شياوجانج، تعاقدت الحكومة على حقوق القرويين في الأرض مع رجل أعمال من هوايوان أراد أن يزرع اللفت للتصدير. وعد بأن يدفع 909 دولارات لكل فدان في كل سنة من السنوات الثلاث الأولى، إضافة إلى الأجور اليومية التي تبلغ 60 رنيمنبي للعمل في الحقول - تقريبا ما يحصله القرويون عندما يزرعون الأرض بأنفسهم.
في السنة الأولى، كان يشعر القرويون بالدهشة عندما وصلت ثلاثة طوابق من عنابر الخرسانة لإيواء العمال المهاجرين من قويتشو، أفقر محافظة في الصين. الناس الذين سموهم "رجال القبائل" يخرجون كل يوم في الحقول المشمسة المسطحة. يشفق عليهم نساء القرية من كبار السن بسبب تضاؤل أجورهم.
في السنة الثانية، وصلت مدفوعات استخدام الأراضي في وقت متأخر وسط شائعات بأن صاحب المشروع اضطر إلى اقتراض المال. وبحلول السنة الثالثة تم التعهد بدفع الأجور إلى عمال قويتشو في حال عودتهم من عطلة العام الجديد. لكن جفت المدفوعات تماما و"رجال القبائل" هربوا عائدين إلى قراهم.
عندما زارت "فاينانشيال تايمز" لوكسنزواج في حزيران (يونيو)، كانت المساكن الصفراء فارغة. وتحول اللفت إلى بذور في حقول مهملة. مدفوعات استئجار الأرض لم تصل أبدا والقرويون الذين ليس لديهم أطفال في المدن كانوا يلجأون إلى مدخراتهم من أجل شراء الطعام.
يقول أحد المزارعين من كبار السن، الذي يعاني يدين متصلبتين: "لا نعرف ما إذا كنا نستطيع استرجاع أرضنا. هذا هو السؤال الكبير".

الأكثر قراءة