جدة في الثمانينيات .. كان لـ «الحداثة» موعد مع الشمس

جدة في الثمانينيات .. كان لـ «الحداثة»
موعد مع الشمس
جدة في الثمانينيات .. كان لـ «الحداثة»
موعد مع الشمس
جدة في الثمانينيات .. كان لـ «الحداثة»
موعد مع الشمس
جدة في الثمانينيات .. كان لـ «الحداثة»
موعد مع الشمس
جدة في الثمانينيات .. كان لـ «الحداثة»
موعد مع الشمس

ينتشر عديد من الأعمال الفنية والمجسمات الجمالية في الميادين العامة لمدينة جدة حتى أصبحت تلقائيا من المعالم الرئيسة على خريطتها السياحية، وأصبح سكانها يسترشدون بها في إعطاء التوجيهات عند تحديد موقع معين لسائح وافد أو عابر سبيل تائه، حيث تعكس تلك المجسمات جماليات الثقافة المحلية، واستلهم صانعوها من فنون الزخارف الإسلامية، ومن التراث الشعبي مواضيع أعمالهم الفنية الحديثة والمتنوعة أسلوبيا، فربما تأخذ شكل سفينة أنيقة أو وردة نحاسية، أو طيور نورس مهاجرة.

ثروة فنية

تحول كورنيش جدة إلى متحف مفتوح يقصده السياح وعشاق الفن للاطلاع على ثروة من القطع الفنية الرائعة تحمل تواقيع فنانين عالميين مثل: النحات البريطاني هنري مور، والفنان الإسباني خوان ميرو، ومواطنه المعماري خوليو لافونتي، والفنان التركي أوتمار تولمان، واللبناني عارف الريس، والمصري صلاح عبد الكريم، والإيطالي فيكتور فازرللي، والسعودي عبد الحليم رضوى، والنحات الفرنسي سيزار بالدتشيني.

#2#

كانت فكرة المتحف تداعب خيال المهندس محمد سعيد فارسي الذي تولى أمانة جدة من عام 1972 م حتى 1986 م، وتحول هذا الحلم إلى حقيقة حال توافرت الموارد المالية من أجل تجميل الكورنيش الساحلي أثناء تأسيس البنية التحتية لمدينة جدة، وبدعم غير محدود من الملك الراحل فهد بن عبد العزيز رحمه الله.

يذكر فارسي في كتابه "قصة الفن في جدة" المنشور في نهاية الثمانينات الميلادية أن أول عمل جمالي تم نصبه كان في ميدان الصحيفة شرق مسجد الفتح، إذ أسهم الفنان عبدالحليم رضوي في تنفيذ لوحة جدارية لجناح طائر ملونة بالأزرق باستخدام المرجان والأصداف البحرية، وتم نصب أول أعماله النحتية الكبيرة أمام وزارة الخارجية بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي عام 1973م، كتب على الوجه الأول الآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، تحيط بها أغصان زيتون رمزا للسلام، وعلى الوجه الثاني الآية الكريمة (ونزعنا مافي صدورهم من غل) تحيط بها أمواج البحر وطيوره رمزا للصفاء والمودة في قلب المسلم الصادق الذي يفيض قلبه بالمحبة والإيمان.

#3#

بعد ذلك شارك رضوي في تنسيق "حديقة الشعراء" بجانب دوار البيعة، كأول محاولة للتصميم الحضري بأسلوب كامل يستخدم التشجير كعنصر جمالي إلى جانب الإضاءة والممرات والجلسات والتشكيلات الجمالية، ونفذ عبدالحليم رضوي أكثر من 20 عملا فنيا ازدانت بها ميادين جدة مثل: مجسمات "العلم والفن والحياة" و"الطيور"، "المحبرة والقلم" و"المنارة البيضاء".

متحف مفتوح 

توفر رؤية هذه الأعمال الفنية والمجسمات على امتداد الكورنيش للناظر مساحة للتأمل والإلهام في التماثيل البرونزية للنحات العالمي هنري مور، ومنحوتات الفنان خوان ميرو التي تشبه الكائنات الفضائية، ويلفت الانتباه المجسم الضخم "العين الساهرة" للنحات سيزار، ولا بد من التوقف من أجل التفكير في الأشكال البصرية السحرية المثبتة في الأرض والشامخة في الهواء لفازريلي، إذ تتألف هذه الأشكال ذات الطابع الهندسي من مربعات متعددة الألوان ومتداخلة التراكيب تمارس على الرائي خداعا بصريا.

أما الفنان لافونتي الذي تعاقدت معه الأمانة لتطوير المناظر الطبيعية والحدائق على الكورنيش، اختار أن ينشيء هياكله السريالية من حطام الكنداسة القديمة التي كانت تروي أهالي جدة منذ عام 1905 م حتى عام 1946 م، وساهم أيضا بـ 30 مجسما أشهرها القناديل المملوكية العملاقة الموجودة على طريق الملك عبد العزيز، وعمله الضخم "اتجاه القبلة" على المسار نفسه، ومجسمات آخرى استلهمها من الآيات القرآنية، فعمله (وإنك لعلى خلق عظيم) بالخط الثلث وعمله (الله نور السموات والأرض) بالخط الكوفي، ومجسم (رأس الحكمة مخافة الله) بالخط الكوفي المورق، وعبارة (العدل أساس الملك) بالخط الكوفي.

#4#

وصمم مجسم الدراجة الشهير الواقع على تقاطع شارع الستين مع شارع الروضة، ومجسم ميدان السحاب الذي احتضن طائرة الداكوتا على طريق الأمير ماجد، وتمت إزالته لاحقا، وكذلك دوار الكرة الأرضية، وأعمال كثيرة على الكورنيش الشمالي وشاطيء أبحر.

متحف مبتكر مفتوح يحضر الأعمال الفنية إلى المتفرجين بدلا من أن يذهبوا إليها في صالات المتاحف المغلقة، وهذا الاقتراب من إدراك العمل الفني يحقق غايات كثيرة منها التعليمي في أعمال تدل على هوية المكان والتأكيد على رموز الثقافية المحلية، ومن هذه الغايات إعادة إكتشاف جماليات الفن الإسلامي من منظور حديث في كتابات الخط العربي، وإقامة حوار حول مضامين هذه الأعمال يفتح بابا للتعارف والألفة بين زوار الكورنيش خاصة بعد الانتهاء من عمليات التجميل والتطوير ورصف ممراته بالجرانيت، وزيادة المساحات الخضراء من حدائق وزراعة أشجار النخيل وأحواض الزهور، وتوفير مقاعد للمرتادين أمام نافورة الملك فهد الشهيرة في كورنيش الحمراء مع المحافظة على المجسمات الجمالية والفنية، ونقل الأعمال النادرة إلى ساحة دائرية خلف مسجد عناني.

«تحت الشمس»

يوثق الفنان الفوتوغرافي خالد خضر في كتابه "جدة تحت الشمس" لمعالم جدة الشهيرة ومجسماتها الجمالية، وتعبر الصور عن نهضة عمرانية واقتصادية في مرحلة الثمانينات الميلادية جذبت مجموعة من الفنانين العالميين لعرض أعمالهم في متحفها المفتوح على كورنيش البحر الأحمر.

ويعتبر خالد خضر من رواد التصوير الفوتوغرافي في السعودية ملهما مجموعة كبيرة من الشباب في السعودية لارتياد مجال التصوير وتوثيق مظاهر الحياة اليومية في أنحاء المملكة، وتميزت صوره بشكل عام في رصد التحولات واكتشاف جماليات المكان برؤية إنسانية عميقة تحفز وجدان المتلقي وتغمره بمشاعر الأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق.

#5#

خالد خضر الذي تعرف على الكاميرا أول مرة عندما عمل ثلاث سنوات مع صاحب أستديو صغير في مدينة الطائف حتى أتقن حرفة التصوير، وبعد حصوله على شهادة الثانوية التحق بمؤسسة الخطوط الجوية السعودية التي أرسلته لدراسة التصوير الفوتوغرافي في أمريكا مطلع السبعينات الميلادية، وبعد عودته عمل مع أمين جدة السابق محمد سعيد فارسي على توثيق المشاريع الإنشائية والجمالية في مدينة جدة.

ويعرض في هذا الكتاب مجموعة مختارة من الصور التوثيقية الفريدة، لعل أجملها الصور البانورمية لنوافير مجسم ميدان التوحيد الذي صممه الفنان لافونتي.

الصورة شاعرية تنبض بالحيوية لمشهد الناس يتحركون بخفة على الكورنيش قبل غروب الشمس، ويمكن ملاحظة تغيرات واضحة لطبوغرافيا المكان بفعل عملية التنمية، وبناء الطرق مع مراعاة التوازن البيئي، والوفاء لقيم التواصل الإنساني في تصميم المناظر البحرية، وتحويلها إلى فضاء رحب للنزهة والاستجمام لسكان جدة والسائحين من حول العالم. ي

متلك خضر أرشيفا ضخما من الصور يقدر عددها بأكثر من مليون صورة تشكل ذاكرة مصورة عن مدينة جدة عروس البحر الفاتنة.

الأكثر قراءة