Author

الفصل في إشكالات المياه

|
كتبت منذ عامين مقالة عن معاناة أحد المواطنين من فواتير المياه، التي تعكس نوعا من الفوضى في فواتير المياه، حيث لم يتلقَ هذا المواطن أي فواتير لفترة من الزمن "أربع سنوات" ثم فوجئ بمطالبة شركة المياه بدفعه فواتير مياه تصل قيمتها إلى أكثر من 20 ألف ريال. ويملك هذا المواطن سكنا تقل مساحته عن 600 متر مربع، كما أن عدد أفراد أسرته محدود وليس لديه أي شيء خارج عن العادة. وكانت رسوم المياه وقتها منخفضة خصوصا لأول 100 متر مكعب في الشهر. ويندر على ملاك المنازل الصغيرة ومتوسطة الحجم استهلاك كميات مياه تفوق هذه الكمية، ولهذا كان مستغربا أن تصل قيمة الفواتير آلاف الريالات. وكان من المستغرب أيضا أن يتلقى هذه الشخص فواتير باستهلاك كميات هائلة من المياه وصلت معدلاتها اليومية في بعض الفترات إلى 33 مترا مكعبا، وهو أمر مستحيل لمنزل متوسط المساحة يقطن فيه خمسة أشخاص، وليس لديه مسبح، ولا يمارس تجارة بيع المياه. من ناحية أخرى، يستحيل الحصول على معدل 33 مترا مكعبا من المياه من الشركة في ظل قطع المياه لمعظم الأسبوع وسعة خزانات المياه المحدودة. وقد راجع المواطن شركة المياه واعترض على مبالغ الفواتير ولكن باءت جهود هذا الشخص بالفشل ولم تراجع الشركة أي فاتورة حتى الخرافية منها. وبعد أخذ ورد قامت شركة المياه بقطع المياه عن هذا المواطن، ما اضطره إلى جلب صهاريج المياه للوفاء باحتياجات أسرته. بعد الرفع الكبير لتعريفة المياه الأخيرة، فوجئ كثير من ملاك المنازل بفواتير مياه مرتفعة جدا. وأصبح تلقي فاتورة تزيد على ألف ريال أمرا طبيعيا بالنسبة إلى سكان الوحدات المستقلة. وتسببت هذه الفواتير في إحداث تذمر كبير بين سكان الفلل والوحدات السكانية المستقلة بشكل إجمالي. وزاد نظام فوترة المياه ـــ الذي لم يتحسن كثيرا ـــ من البلبلة التي نتجت عن رفع تسعيرة المياه. وتضاعفت قيم الفواتير بأضعاف تتجاوز 40 مرة في حالة اقتراب معدل الاستهلاك الشهري من 100 متر مكعب. ويعاني نظام فوترة المياه عددا من المعضلات التي من أبرزها عدم إرسالها بطريقة منتظمة، حيث تراوح فترات الفوترة بين أقل من شهر وعدة أشهر. ويعاني بعض المشتركين انقطاعا طويلا في الفواتير، ويشتكي عدد آخر من تلقي فواتير لا تخصهم. وأكبر شاهد على فوضوية فوترة المياه هو إصدار الشركة أخيرا فواتير بالتعريفتين القديمة والجديدة في الوقت نفسه. ولا تعترف شركة المياه والقائمون عليها بأي أخطاء بهذا الخصوص، فهم ينفون وجود معضلات في نظام الفوترة أو عدادات المياه المعرضة للخطأ مثلها مثل أي معدات قياس، كما لا يعترفون بأخطاء وتقصير قراء العدادات. وترتفع معضلة عدم دقة قياس عدادات المياه بسبب طبيعة المياه والصدأ الذي تتسبب فيه، وتسرب الهواء مع تدفق المياه، ما قد يرفع وبقوة من قراءة هذه العدادات. ومن اللافت للنظر أن قيم الفواتير ستتأثر بفترات انقطاع المياه التي تكثر في الصيف، حيث سيقود انقطاع المياه لأكثر من أسبوعين في شهر معين إلى رفع استهلاكها في الشهر التالي بسبب استنفاد مخزونات المياه في المنازل خلال فترات الانقطاع. وسينتج عن تعويض مخزون مياه الخزانات زيادة قوية في حجم استهلاك الشهر التالي، ما يرفع الفاتورة بشكل مفاجئ. تلجأ الشركة إلى قفل عدادات المياه في حال نشوب نزاعات مع المستهلكين على الفاتورة، ما يتسبب في أضرار فادحة على المستهلكين وأسرهم التي تتكون في معظمها من الأطفال والمرضى وكبار السن الضعفاء. ونظرا لكون المياه من الضرورات القصوى في الحياة، لا ينبغي أن يسمح للشركة وحدها بالتمتع بصلاحيات قطع خدمة المياه إلا بعد استنفاد الوسائل القانونية للفصل في قضايا المياه. من جهة أخرى، يوجد عدد كبير من الأسر المحتاجة التي قد لا تتمكن من تسديد فواتيرها وتحتاج إلى مساعدة الجهات الخيرية الخاصة والعامة لسداد فواتيرها، وقطع المياه عن هذه الأسر المتعسرة ينافي القيم الأخلاقية والدينية لهذا الشعب الكريم. وستزداد إشكالات فواتير المياه بين الشركة والمستهلكين بسبب رفع أسعار المياه ومعضلات الفوترة، ولهذا ترتفع الحاجة إلى تأسيس لجنة قضائية أو كيان مختص مستقل عن شركة المياه للفصل في نزاعات المياه، وذلك ضمانا للعدالة في أحكامها. وسيتمكن هذا الكيان من الفصل في نزاعات المياه لأنه مختص فيها ومتفرغ لها. ومن شبه المؤكد سيشهد قطاع المياه تطورات كبيرة خلال العقود المقبلة، ما سيزيد النزاعات بين منتجي ومسوقي ومستهلكي المياه، ولهذا لا بد من وضع نظام شامل لقضايا المياه تتحدد فيه حقوق وواجبات اللاعبين الرئيسيين والمستهلكين، ويتم بموجبه الفصل في قضايا المياه.
إنشرها