«مرصد البطالة» .. «مرصد تشغيل» أيضا
لا شك أن أي خطوة تتم على صعيد تفعيل وتطوير أداء "مرصد البطالة" في مجلس التعاون الخليجي، ستصب تلقائيا في مصلحة سوق العمل ككل، على المديين المتوسط والبعيد، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار التطورات التي تلاحقت بصورة متسارعة على الساحة الاقتصادية الخليجية في غضون أقل من عامين، بدافع تراجع أسعار النفط الخام إلى مستويات تاريخية، وإمكانية استمرار الأسعار متدنية حتى نهاية العقد الجاري. وفي ظل فترة التحولات الاقتصادية هذه، يعود ملف العمل والتشغيل والبطالة إلى الصدارة، لأن معايير الأمس لا تنفع مع استحقاقات الغد، ولا سيما في هذا المجال الذي يختص مباشرة بالجانب الاجتماعي المحلي، كما يخص بالطبع العمالة الوافدة في كل المجالات والحقول.
و"مرصد البطالة" يتميز بخاصية قراءة التجارب الدولية الناجحة على الساحة، ومواءمة معاييرها التي تتناغم مع الحالة الخليجية العامة. مع ضرورة الإشارة، إلى وجود بطالة بمستويات متفاوتة في دول مجلس التعاون، بعضها ناجم عن عدم معالجتها وفق مفهوم استراتيجي، بل عولجت بمفاهيم آنية لا تحقق الاستدامة المطلوبة، كما أنها لا تحل المشكلة من جذورها. والمرصد الخليجي الموحد لسوق العمل الذي ينطلق قريبا، يوفر كثيرا من المؤشرات والإرشادات والأرقام، التي تكفل للمشرعين الخليجيين العمل على أساسها وتحقيق قفزات نوعية على صعيد معالجة موضوع البطالة وما يرتبط به، بأكثر حرفية ممكنة. ويضع المرصد تجربة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال على رأس المؤشرات الاسترشادية، لأنها حققت بالفعل نتائج عملية انعكست بصورة إيجابية على سوق العمل الأوروبية ككل.
مع قيام الحكومات في دول الخليج العربية بترشيد الإنفاق، بات "مرصد البطالة" أساسا، ليس فقط في معالجة ملف البطالة بصورة استراتيجية، بل أيضا للنظر إلى العمالة الوافدة وطبيعتها ودورها في التنمية الخليجية. وهذا يرتبط أيضا بتحول اقتصادات المنطقة عن المسار "الريعي"، في إطار التغييرات المحورية التي تشهدها. لقد أثبت تراجع أسعار النفط، جانبا إيجابيا على صعيد إصلاحات الاقتصادات، بما في ذلك تغيير مفهوم العمل والتوظيف. يضاف إلى ذلك، تزايد الاهتمام بما يمكن وصفه بالقطاع التعاوني، الذي يسهم في كل البلدان الراشدة في العملية التنموية والنهوض. ففي بلدان الخليج ما يزيد على 2028 جمعية تعاونية في شتى المجالات الزراعية والحرفية والاستهلاكية والإسكانية والخدمية والادخارية، وغير ذلك. وهي تشكل آلية مساعدة لكل خطوات الإصلاح في مجال البطالة والتشغيل.
هناك كثير من الملفات ضمن الملف الأكبر (التشغيل) بحاجة إلى معالجة سريعة في المرحلة المقبلة، بما في ذلك "العمالة المنزلية"، وغيرها من أنواع العمالة غير الإنتاجية. وكلها تدخل في نطاق المعالجة الشاملة للبطالة واختلال ميزان العمل. و"مرصد البطالة" لا يعالج المسألة فحسب، بل يوفر أيضا مصدرا مهما لتعويض النقص الوظيفي في البلدان الخليجية من البلدان الخليجية نفسها، خصوصا مع وجود فوارق في الكفاءات والمؤهلات في القطاعات المختلة بين دولة وأخرى. بمعنى أن ما تحتاج إليه الكويت على صعيد التشغيل، يمكن توفيره من السعودية، وما تتطلبه قطر في هذا المجال يمكن توفيره من البحرين، وهكذا. يعني تبادل الإمكانات الوظيفية حتى العمالية بين بلدان دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى هذا الأساس، يمكن النظر إلى "مرصد البطالة" الخليجي على أنه مصدر مباشر لتقديم القوة العاملة المناسبة، من خلال المعلومات الحقيقية التي تتوافر له، ومعالجتها وفق أحدث الطرق المتبعة في كل البلدان التي نجحت في هذا المجال الاجتماعي الاقتصادي الحيوي. إنه "مرصد تشغيل" خليجي، قائم على معايير عالية الجودة في زمن التحولات الاقتصادية الخليجية التي يمكن اعتبارها ببساطة تاريخية.