«فجر العدالة» .. ليس خارقا من يساعد الناس ولا يتألم

«فجر العدالة» .. ليس خارقا من يساعد الناس ولا يتألم
«فجر العدالة» .. ليس خارقا من يساعد الناس ولا يتألم

"لم يكن السوبرمان حقيقيا. مجرد حلم مزارع قادم من مدينة كانساس". يعد الفيلم الأخير الذي يستمر ضمن سلسلة أفلام الرجل الخارق: "باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة" الذي تم افتتاحه في 25 آذار (مارس) 2016، أكثرها درامية ونزوحا نحو فلسفة التفاصيل وتصوير الرجل الخارق أو السوبرمان كشخص قلق يختلف عن الآخرين ويخفق في القدرة على الاندماج معهم، بل يتسبب في تخييب ظنهم في عدم تحقيق آمالهم.

الفيلم الأمريكي من إخراج زاك سنايدر، يستقي أحداثه من القصص المصورة "الكومكس"، ومن إنتاج شركة الإخوة وارنر، إحدى أضخم الشركات المنتجة للأفلام والمستوحى من شخصيات الأبطال أصحاب القوى الخارقة. يجمع الفيلم ما بين الرجل الخارق والرجل الوطواط والمرأة المعجزة، ليجمع عددا كبيرا من الشخصيات الأقرب للطفولة ورغبة في معرفة الأحداث التي ستواجههم في مواجهة فريدة من نوعها. إلا أن ذلك إضافة إلى الميزانية الضخمة للفيلم، التي وصلت 250 مليون دولار، واختيار طاقم لامع من الممثلين أهمهم بين أفليك عن دور الرجل الوطواط، وهنري كافيل عن دور الرجل الخارق إضافة إلى شخصيات هامشية كالممثلة الأمريكية المبدعة دايان لين، التي جاء دورها ثانويا كأم الرجل الخارق، إلا أنها ظهرت بحضور قوي.

لم ينقذ كل ذلك الفيلم من مطرقة النقاد، بعد أن أخفق في الحصول على الإشادة، بل تعرض لانتقادات متتالية، أدت إلى انتشار تصوير مرئي للمثل بين أفليك وهو يتلق تلك الانتقادات من خلال لقاء صحافي دون القدرة على إخفاء حالة الانهيار التي يقاوم فيها الرغبة في البكاء أثناء استماعه لها.

ما قد يؤخذ على الفيلم كونه يأخذ منحى أقرب إلى الدرامية وفلسفة التفاصيل ليخرج عن عباءة أفلام الإثارة التي تركز على الأحداث الحماسية، ليستمر الفيلم الذي تتجاوز مدته ساعتين والنصف في التطرق إلى حيثيات القصة وتكرار قصص قديمة أهمها في مقدمة الفيلم قصة بروس واين أو الرجل الوطواط في طفولته وحادثة مقتل والديه. الفيلم بحث في حيثيات طرق تكوين شخصيتين بقوى خارقة أحدهما كلارك كنت أو السوبرمان وهو رجل مرفه بقوى خارقة ترعرع على يد والدين توقعا منه أن ينقذ العالم، فيما ينبع الرجل الوطواط من واقع ألمه ومقتل والديه من الظلمات والحال المتردية ليحمل معه حقدا وغضبا دفينا يدفعه إلى الرغبة في ملاحقة الأشخاص والتسلل في ظلام الدهاليز ليخنق من حوله من أصحاب نزعة الشر والانتقام. الفيلم يحمل فكرة متهالكة وحبكة سيناريو ضعيفة يسودها التشتيت وعدم تنظيم الأفكار، تتمحور حول تنافس شخصيتين خارقتين وحوارات تتفاوت ما بين عمق فلسفي يناقش نزعة النفس البشرية نحو السوداوية والغضب والشعور بضعف الحيلة المتسبب في الحقد والبغض، وتارة أخرى تصبح الحوارات أشبه بشخصين غير قادرين على إخفاء الغيرة والتنافس المريض. كمواجهة الرجل الوطواط بغيظ للرجل الخارق: "أنت لست شجاعا. الرجال شجعان. تقول إنك تساعد البشر إلا أنك لا تستطيع أن تشعر بآلامهم .. بفنائهم .. حان الوقت لأن تتعلم أن تكون رجلا".
#2#
اختار مخرج الفيلم كذلك ليكس لوثر ليمثل دور الشخصية ذات النزعة الإجرامية، الذي قام بتمثيله جيسي إيزنبرج، وإن لم يبرع في أداء دور الشخصية المؤذية المتسببة في صدام ما بين شخصيتين خارقتين، وإن كان اللقاء ما بينهما اعتيادا والصدام أقل من المتوقع ما تسبّب في خيبة ظن للمتابعين. وبمحاولة إنهاء العالم بخلق مسخ مرعب ناتج عن تشوهات كريبتونية وراثية مأخوذة من دمه.

وعلى الرغم من صرامة الانتقادات، إلا أن الفيلم حصد ما يزيد على 468 مليون دولار حتى الآن. وقد يعود ذلك إلى رغبة الآخرين المعتادين للشخصيات الخارقة المتأصلة في الطفولة وتذكرك بالافتتان بالقصص الميتافيزيقية. وعلى الرغم من الميل إلى فلسفة الأمور وأنسنتها، فحتى شخصية ليكس لوثر تبدو عادية بعيدا عن شكل البهلوان صاحب المساحيق والسحنة الساخرة التي تغطي ملامحه كما في الأجزاء الأخرى، والأمر الوحيد الذي يظهر جنونه هو عباراته السوداوية العميقة التي يستغلق فهمها من قبل محيطه. فيما تأتي شخصية المرأة المعجزة في لقطات متقطعة وفجائية لا تعطي لمن ليس لديه فكرة عن شخصيتها ممن لم يتابع القصص المصورة "الكوميكس" أي تعريف عن شخصيتها إلا في نهاية الفيلم.

لا يخلو الفيلم كعادة هذا الطراز من الأفلام من جماليات المؤثرات البصرية والسمعية البديعة، والتلاعب بالظلال بتركيز على الألوان الداكنة لتعزيز الإحساس بالسوداوية. إضافة إلى جمالية تصاميم الجرافيكس بالأخص وقت ظهور المخلوق الضخم اللزج عند الاقتراب من نهاية الفيلم.

تظهر نظرة واقعية للعالم بسوداوية تبعد المشاهد عن الصورة النمطية التي يظهر فيها الرجل الخارق كمنقذ للعالم، وإنما يصبح هناك قلق نفسي داخلي ومحاولة لاكتشاف الذات المختلفة عن الآخرين، في الوقت الذي يواجه فيه عدم تقبل البشرية لهم نتيجة اختلافهم. الأمر الذي يتسبب في محاكمة الرجل الخارق، والتشكيك في حقيقة نياته وما يفعله لإنقاذ مدينته. بل وتشكيك المشاهد بحيثيات الأحداث، كحوارات تتطرق إلى مرحلة التحور التي تصيب عديدا من الأشخاص من الرجل الخير إلى القاسي. أو قلة عدد الرجال الخيرين الذين تبقوا على هذا الحال. واحتمالية إخفاق بل موت الرجل الخارق وعدم قدرته الدفاع عن الآخرين. إذ لا وجود لشخص يحمل قدرات عظمى. كتلك التي تعود فلسفتها إلى نظرية فردريك نيتشه الذي مجد القوة وبناء الإنسان المتفوق أو الرجل الخارق وإنشاء ميتافيزيقيا موازية يكون فيها الإنسان القوي هو الوحيد صاحب القوة العظمى. قد تكون أحداث الفيلم الأخير تشير إلى انحسار ذلك الإيمان بقدرات الرجل الخارق الأبيض القادر على إنقاذ البشرية، فهو الآن مذموم غير مرغوب، ضعفت قدراته وأخفق في الإبقاء على ثقة الآخرين به. فقد انتهت حقبته وانحسرت عنه تلك الهالة التي كانت تحيط به فتجعله يظهر أكثر تألقا عن الآخرين.

الأكثر قراءة