يوهان كرويف .. أوركسترا كرة القدم الشاملة تفقد قائدها

يوهان كرويف .. أوركسترا كرة القدم الشاملة تفقد قائدها

يوهان كرويف، الذي مات عن عمر يناهز 68 عاما، لم يكن مجرد أفضل لاعب كرة قدم في السبعينيات، بل أعاد أيضا ابتكار كرة القدم. كان الأمر كما لو أنه كان المصباح الكهربائي وتوماس أديسون في كيان واحد. قال في ملاحظة بارعة أنموذجية: "كرة القدم لعبة تلعبها بالعقل". على الرغم من أنه لم يكن متمكنا من القواعد في أي من اللغة الهولندية أو الإسبانية، وكان يتحدث كلتا اللغتين بلهجة الطبقة العاملة في أمستردام في الخمسينيات، إلا أنه ما من أحد تحدث أكثر منه بصورة مثيرة للاهتمام عن كرة القدم.
ولد على بعد مسافة قصيرة من ملعب نادي أياكس أمستردام القديم لكرة القدم، وفي سن 14 عاما كان زائرا منتظما لغرفة تغيير الملابس الخاصة بالفريق الأول. وكان والده البقال، مانوس، يزود النادي بالفاكهة. موت مانوس، عندما كان ابنه الثاني في سن 12 عاما، كان بمثابة صدمة تعريف لحياة كرويف. بعد ذلك، كانت والدة كرويف تكسب المال من تنظيف غرف تغيير الملابس في نادي أياكس.
في سن 15 عاما كان يتدرب مع الفريق الأول، وكان يصيح موجها اللاعبين الدوليين المخضرمين حتى وهو مندفع متخطيا المدافعين. باعتباره صبيا يتيما في عالم الرجال، كان عليه أن يكون أكثر صرامة من زملائه في الفريق، ودائما ما كان كذلك.
عند بلوغه 17 عاما لعب لأول مرة مع الفريق الأول. أياكس في ذلك الوقت كان فريقا جيدا بشكل معقول وشبه مهني في بلاد تأتي في الدرجة الثالثة في عالم كرة القدم. كرويف حولهم إلى أفضل فريق في العالم؛ أبطال أوروبا من عام 1971 إلى عام 1973.
باعتباره من مواليد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كان متحمسا للغاية للارتقاء باللعبة. وقد ساعد رينوس مايكلز، مدرب أياكس وهولندا الأسطوري، على اختيار المنتخب الهولندي. وطور الرجلان، معا، نوعا جديدا من كرة القدم أطلق عليه الأجانب - وليس الهولنديين - "كرة قدم الشاملة".
كانت نوعا من الأوركسترا العقلية: يتناقل اللاعبون تمريرات بلمسة واحدة بينما يتبادلون المواقع بلا نهاية بحثا عن مساحة. كل لاعب كان عليه التفكير كأنه صانع ألعاب. حتى حارس المرمى كان يعتبر ممرر كرة خياليا حدث أنه يرتدي قفازات. تداخل الأدوار بين الأجنحة والظهيرين أبقى الملعب واسعا. كرويف كان في المركز الأمامي لكن كان بإمكانه الذهاب إلى حيث يريد، ليدير الأوركسترا مع ارتجال مستمر.
عقله، ولمسته، وتسارعه أشياء كانت لا تضاهى. نيكو سكيبميكر، كاتب سيرته الذاتية، كان يدعوه الرجل "ذي الأربعة أرجل" - كرويف كان يحب التمريرات المنحنية باستخدام الجانب الخارجي من أي من القدمين.
ويبدو أن كرويف كان يحب الصراعات، حتى أنه ادعى أنها تحسن الأداء. في عام 1973 جرده زملاؤه في نادي أياكس من شارة القيادة وانضم إلى مايكلز في برشلونة في إسبانيا. في العام التالي، قاد الرجلان هولندا إلى المباراة النهائية في كأس العالم. لكن عشية المباراة نشرت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية مقالة بعنوان "كرويف والشمبانيا والفتيات العاريات". زعمت الصحيفة أن اللاعبين الهولندين احتفلوا مع نساء شبه عاريات على بركة السباحة في فندقهم. وقد أمضى كرويف الساعات التي سبقت المباراة النهائية على الهاتف مع زوجته، داني، يقسم لها أن القصة كانت كاذبة. لقد كانت لحظة رهيبة بالنسبة للرجل الذي أمضى مرحلة بلوغه يبني العائلة الآمنة التي فقدها عندما كان عمره 12 عاما.
قال شقيقه، هيني، إن مقالة "بيلد" هي السبب في أنه لعب "كالعاجز" في المباراة النهائية وخسرت هولندا بنتيجة 2 مقابل 1. تلك الحادثة ساعدت في إقناعه بعدم اللعب في بطولة كأس العالم التالية، في عام 1978. ونظرا لندرة التغطية التلفزيونية في السبعينيات، كانت بطولة عام 1974 هي الوقت الوحيد الذي شاهد فيه معظم مشجعي كرة القدم في العالم كرويف وهو يلعب.
تقاعد كلاعب في عام 1978. (بايرن ميونيخ دمر مباراته الوداعية، بالفوز على نادي أياكس 8-0). لكن بعد خسارة الملايين في استثمارات سيئة، بما في ذلك مزرعة خنازير، استأنف اللعب في الولايات المتحدة ثم في هولندا. كرويف، اللاعب المتقدم في العمر، كان بمنزلة دماغ يمشي. كان يضرب الكرة في تمريرات لمسافة 30 مترا بشكل مذهل، حيث إن كاميرات التلفزيون في تلك الأيام كانت تفوتها في بعض الأحيان. وكان كذلك يجري مقابلات يشرح فيها كرة القدم بطريقة بارعة، مختتما حججه بعلامته المميزة: "هذا منطقي".
في عام 1985 أصبح مديرا لنادي أياكس. وفي 1988 انتقل - بعد المشاجرات - إلى موطنه الثاني، برشلونة. لقد استحدث طرازا خاصا من اللعبة لا يزال كلا الناديين يحاول اتباعه: نسخة من كرة القدم الهولندية في السبعينيات، تم تحديثها في حالة برشلونة، لكن مع الأسف ليس في حالة أياكس. أكاديمية برشلونة التي أنتجت عديدا من اللاعبين الإسبان الرائعين في الأعوام الأخيرة كانت من تصميمه.
طرده نادي برشلونة في عام 1996، مرة أخرى بعد مجادلات. بعدها لم يعمل قط في كرة القدم. تدريجيا، أصبح تفكيره جامدا. في عام 2011 قاد انقلابا في نادي أياكس وثبت لاعبين سابقين في إدارة الفريق. لكن التجربة آخذة في الانهيار بسبب خلافات كرويف، وليس كرة قدم كرويف.
عندما أصيب بسرطان الرئة، تقريبا بعد 25 عاما من إقلاعه عن التدخين علنا، جزء منه لا بد أنه كان مذهولا: دائما ما أحب الوقوف في غرف العمليات ومراقبة الجراحين أثناء عملهم. قبل ثلاثة أسابيع، قال إنه كان يتغلب على المرض "بنتيجة 2-0 في الشوط الأول". لكن الأمر لم يتحقق. ترك زوجته داني، وابنتيهما وابنه، جوردي، الذي تبع خطى والده في مجال كرة القدم ولعب لمصلحة برشلونة ومانشستر يونايتد، من بين أندية أخرى. إرثه هو كرة قدم كرويف التي يلعبها نادي برشلونة اليوم، حامل لقب أبطال أوروبا، وألمانيا حاملة لقب بطولة كأس العالم لكرة القدم.

الأكثر قراءة