هل التشهير بالتجار مبرر نظاما؟

هل التشهير بالتجار مبرر نظاما؟

تعد عقوبة التشهير من أهم أساليب وطرق ردع المخالف عن ارتكاب أفعاله مرة أخرى، ولا شك أن تأثير التشهير كبير خصوصا في التاجر الذي يعتمد على سمعته وشهرته، فإذا علم الشخص أنه في حال ارتكب أيا من الأمور المسوغة للتشهير؛ فإنه سيفضح أمام الجميع، ولكن التساؤل هنا؛ ما الوضع القانوني لعقوبة التشهير؟ ومتى يجوز للجهة الرسمية أن تقوم به؟
نرى أثرا إيجابيا يبرز في حفظ الأمن والمجتمع من ارتكاب المخالفات والجرائم، ونجد أن وزارة التجارة تقوم بدور مهم في استخدام هذه العقوبة "التشهير" لكل مخالف من خلال نشرهم عقوبات التشهير للمزورين أو المخالفين، وكذلك التشهير بأصحاب الشيكات بدون رصيد عبر الصحف بشكل شبه يومي، ولا شك في إيجابية التشهير في ردع المخالف وحماية المستهلك في كثير من مخالفات الغش التجاري على سبيل المثال، ومن خلال هذا التشهير يتم تحذير الناس من التعامل معهم، وإن كانت ربما تقضي على مهنته ونشاطه بشكل كبير، وقد يمتد أثر هذه العقوبة لسنين طويلة، ولكن من المعلوم أن التشهير يعتبر استثناء والأصل منعه إلا بمبرر نظامي يبيح هذا الاستثناء، وبالتالي يمكن أن ننزل على المخالف عقوبة التشهير مع الضوابط العامة التي تنزل على مختلف العقوبات مثل وجود الجريمة والتناسب بين الجريمة وعقوبة التشهير والمسوغ النظامي لها، فلا شك أن الفقه القانوني يجيز إقرار مثل هذه العقوبة ولا يرى مانعا من الحكم بها، وبحسب طبيعتها القانونية فغالبا ما تكون عقوبة تكميلية أو تبعية.
نعود أيضا للتساؤلات، هل كل ما يتم من تشهير ضد بعض المخالفات يعد أمرا نظاميا؟
الأصل أن التشهير عقوبة يجب أن تستند إلى حكم قضائي سابق لها، ويحمي جهة الإدارة من دعوى التعويض التي قد ترفع عليها أمام ديوان المظالم، فالتشهير عندما يقع من جهة إدارية دون حكم قضائي أو سند نظامي يعد إجراء إداريا يخضع لرقابة القضاء الإداري.
وكما نعلم أيضا أن التشهير يكون عبر الصحف الرسمية، ولكننا نرى الآن عدة وسائل للتشهير بالمخالفين؛ فهل هو إجراء نظامي؟ تختلف الآراء أيضا حول أسلوب تصويرها ونشرها، فالبعض قد يتصور أن ذلك اعتداء على التاجر خصوصا إذا كان قبل الحصول على حكم قضائي، وأنه لا يوجد تشهير دون حكم قضائي، كالتشهير بأصحاب الشيكات أساسه أن يكون هناك تشهير بموجب حكم قضائي، وبالتالي لا خلاف عليها، ولكن ما يحدث اليوم من خلال التشهير بأي مخالفة على التاجر، ولا شك أن هناك الكثير من الطرق النظامية والقانونية لمحاسبة المخالفين من التجار. نود أن نتطرق لمسألة نظامية "قانونية" هذه العقوبة، حيث نجد أن هذه العقوبة "التشهير" قد نص عليها في بعض الأنظمة والقرارات والأوامر الملكية، كما أنه إنفاذ للأمر الملكي بالتشهير بالمغالين في الأسعار والمتلاعبين في الأسواق على سبيل المثال، وتطبيق لنظام مكافحة الغش التجاري، حيث جاء في مادته العشرون "تشهّر وزارة التجارة بالمخالف الصادر ضده قرار نهائي بالإدانة طبقا لأحكام هذا النظام ولائحته بوسيلة على الأقل من وسائل الإعلام ويكون النشر على نفقة المحكوم عليه".
وأما ما يتعلق بالتستر التجاري، فإن منطوق العقوبة بعد صدور الحكم القضائي ينشر في واحدة أو أكثر من الصحف المحلية على نفقة المخالف، حسب ما نص عليه في نظام مكافحة التستر في مادته الرابعة. وكما جاء أيضا في نظام حماية حقوق المؤلف، حيث جاء في مادته الثانية والعشرين على أنه "يجوز للجنة أن تضمن قرارها عقوبة التشهير بحق المعتدي، ويكون النشر على نفقته وبالطريقة التي تراها اللجنة مناسبة".
في حين أن هناك أنظمة لم تنص على عقوبة التشهير، ورغم ذلك تقوم الجهات التنفيذية القائمة عليها بتطبيق هذه العقوبة، ومنها نظام هيئة السوق المالية، حول القرارات الصادرة من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية والمتعلقة بإدانة أشخاص بمخالفة أنظمة ولوائح هيئة السوق المالية والتشهير بهم عن طريق نشر أسمائهم في الموقع الرسمي للهيئة والصحف، ولكن هذا يكون بناء على أساس إعلام المتضررين غالبا لأجل أن يتمكنوا من تقديم دعاواهم ضد المتسبب بالضرر.
ومن زاوية مختلفة نسأل: هل يحق للأشخاص الذين تم إيقاع عقوبة التشهير بهم أن يرفعوا دعاوى تشهير؟
الجواب يختلف حسب المخالفة وطريقة إيقاع العقوبة، فالعقوبات التي جاءت بناء على حكم قضائي، فإنها يكون الاعتراض عليها حسب إجراءات الاعتراض على الأحكام القضائية المعروفة من خلال الاستئناف ونحوه. أما إذا كان إيقاع العقوبة من خلال اللجان أو الجهات الإدارية مباشرة، فإنه في الأغلب يقع هذا بناء على تخويل نظامي لهم مثل هيئة تطبيق العقوبات التي نص عليها نظام الوكالات التجارية، وبالتالي فإن الاعتراض على القرار يكون حسب كل قضية ونوعها، ولكن في الأغلب يكون حسب قواعد القانون الإداري التي تكون من خلال رفع قضية تعويض أمام ديوان المظالم، ولكن هذا الحق الثابت للمشهر به لا يعني أن الجهات الإدارية ليس لها الحق بالتشهير طالما هناك أساس نظامي للقيام بهذا الإجراء.

الأكثر قراءة