تدشين مصفاة ياسرف تحت شعار «شراكة اليوم طاقة للغد»
تشهد صناعة الطاقة في المملكة اليوم اندفاعة كبرى نحو مزيد من التقدم والتطور بتدشين مصفاة “ياسرف” رسمياً برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وضيفه رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينج. ويمثل هذا الحدث لحظة اعتزاز تاريخية للمملكة، ولعملاقي صناعة النفط “أرامكو السعودية” وشركة سينوبك الصينية لنجاحهما المشترك في إنشاء صرح متميّز يُحسب حسابه في مجال الطاقة على مستوى العالم.
أسست شركة ينبع أرامكو سينوبك للتكرير المحدودة “ياسرف”، في شهر يناير من عام 2012 كمشروع مشترك بين “أرامكو السعودية” وشريكتها الاستراتيجية، عملاق صناعة التكرير في الصين والأكبر في كل آسيا، شركة تشاينا بتروكيميكال كوربوريشن (سينوبك). وذلك لإنشاء مصفاة تحويل متكاملة تعالج الزيت العربي الثقيل. وتبلغ حصة ملكية “أرامكو السعودية” في هذه المصفاة العملاقة 62.5 في المائة، و37.5 في المائة لشركة سينوبك.
وإنشاء هذه المصفاة التي تفتتح اليوم تحت شعار “شراكة اليوم طاقة للغد” يندرج في إطار استراتيجية المملكة الهادفة إلى تأمين إمداد العالم بالطاقة على المدى الطويل، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية تعزيزا لاقتصاد البلاد.
أجود أنواع الوقود من الزيت العربي الثقيل
ومصفاة ياسرف تعد بجدارة واحدة من المصافي عالمية المستوى. إذ تتجاوز طاقتها الإنتاجية 13.5 مليون جالون يوميا من أنواع وقود النقل فائق النظافة وغيرها من المنتجات المكررة عالية القيمة التي تطرحها في الأسواق الدولية والمحلية وتبلغ الطاقة التكريرية لهذه المصفاة 400.000 برميل يوميا من الزيت الثقيل المستخرج من حقل منيفة. وتشمل منتجاتها العالية الجودة:
- 90.000 برميل يوميا من الجازولين.
- 263.000 برميل يوميا من الديزل ذي المحتوى الكبريتي فائق الانخفاض.
- 6.200 طن متري يوميا من الفحم البترولي.
- 1.200 طن متري يوميا من الكبريت.
- 3000 طن من البنزين يوميا.
ومن بين هذه المنتجات، هناك واحد مثير للتساؤل حول استخداماته: الفحم البترولي، أو ما يسمى بالإنجليزية "بتكوك". وهومركب أحفوري صلب يشبه إلى حد كبير الفحم الحجري، وهو من المنتجات الثانوية في مصافي النفط، يتشكل بفعل تشدد المصافي الحديثة في استخراج أقصى ما يمكن استخراجه من المشتقات الثمينة مثل الجازولين والديزل من البترول الخام الذي تكرره، فيتشكل عندها هذا العنصر الكاربوني بأحجام تراوح ما بين حبة الرمل والصخرة الكبيرة.
#2#
والفحم البترولي مكون بنسبة 90 في المائة من الكربون، ويختلف في الباقي من تركيبته الكيميائية باختلاف كيمياء الخام المستخرج منه. ولكن معظمه يحتوي على نسب متفاوتة من الكبريت. وتتفاوت نوعياته في الأسواق العالمية بتفاوت أداء المصافي في تخفيض هذا المحتوى الكبريتي. وبسبب العائد الحراري الكبير للفحم البترولي (ما بين 5 و10 في المائة زيادة على الفحم الحجري)، فإن نحو 80 في المائة من إنتاجه العالمي يستخدم وقودا في محطات توليد الكهرباء وتسيير القطارات. والباقي يذهب في معظمه لصناعة الأقطاب الكهربائية المستخدمة بشكل خاص في مصانع الألومنيوم والفولاذ. ومن أكبر مستهلكي الفحم البترولي في العالم حاليا الصين والمكسيك.
تقنيات فائقة التطور وموقع استراتيجي
وتنفرد ياسرف بمستواها التقني. ففيما تبنى معظم المصافي في العالم بالتقنيات المتوافرة وسعيا إلى ضمان أعلى مستوى من الأداء، اعتمدت المصفاة على أفضل التقنيات وأحدثها، وتزودت لهذه الغاية بعناصر تشغيلية صناعية فائقة التطور خاضعة لحقوق الملكية من "شيفرون لوميس" و"يو. أو. بي." و"كونوكو فيليبس".
#3#
فالمصفاة تضم واحدة من أحدث وحدات المعالجة الهيدروجينية لإنتاج الديزل ذي المحتوى الكبريتي فائق الانخفاض. وكذلك مجمعا لإنتاج الجازولين. ويأتي تبني المصفاة للتقنيات عبر مختلف أعمالها ليبرهن بما لا يدع مجالا للشك على الالتزام بمراعاة أعلى معايير الجودة والإنتاجية لهذه الأنواع الممتازة من وقود النقل. حيث يمكن القول إنها مصفاة طليعية على المستوى التقني، وستبقى كذلك إلى سنوات عديدة مقبلة.
وإضافة إلى ما تقدم، تضم المصفاة مجموعة من أحدث وحدات المعالجة اللازمة لفصل لقيم النفط الخام الثقيل وتحويله إلى منتجات نهائية، وأفضل نظم المنافع والمرافق الخارجية التي تساند تشغيل المصفاة، إضافة الى ما يرتبط بها من مرافق تخزين لقيم الغاز والمواد الوسيطة والمنتجات. وينقل الخام العربي الثقيل من حقل منيفة العائد لأرامكو السعودية عبر خط أنابيب شرق - غرب.
وواحد من الإنجازات التقنية التي تُروى عن تنفيذ هذا المشروع، هو في ربط المصفاة بأنبوب مياه التبريد الرئيس، دون إقفال هذا الأنبوب ولو مؤقتا لأن ذلك كان سيصنع متاعب كبيرة لباقي المصانع. فتم ذلك عبر ابتكار طريقة جديدة تطلبت نحو 3000 ساعة من العمل الهندسي. وهذا الابتكار حاليا قيد التسجيل للحصول على براءة اختراع له في المملكة وفي الولايات المتحدة.
وبنيت هذه المصفاة على أرض تبلغ مساحتها 5-2 ملايين متر مربع في مدينة ينبع الصناعية على ساحل البحر الأحمر، قرب مصفاة ينبع المملوكة بالكامل لأرامكو السعودية . وبفضل موقعها المتميز هذا، يمكن لمنتجاتها الوصول بسهولة إلى الأسواق المستهدفة في قارتي إفريقيا وأوروبا اللتين تشهدان نموا متزايدا في الطلب على أنواع الوقود فائق النظافة.
تكلفتها أقل من التقديرات بكثير
#4#
وتنفيذ مشروع بناء هذه المصفاة يثير الدهشة على صعيد تكلفته. فهو أتى معاكسا للاتجاه الذي تسلكه تكاليف تنفيذ المشاريع في العالم، التي غالبا ما تفوق التقديرات الأولية كلما تقدم المشروع. فالتقدير الأولي لتكلفة إنشاء هذه المصفاة كان نحو 12.9 مليار دولار عند وضع تصورها الأولي عام 2006. ولكن إنجازها تم بما لا يتجاوز إلا قليلا سبعة مليارات دولار (لم تحتسب فيه كلفة مبنى الإدارة فقط). وفي تفسير كيفية تحقيق مثل هذا الوفر الضخم، تقول مصادر الشركة إن ذلك تحقق من خلال قيام الإدارة باستدراج العروض عام 2009، خلال الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم آنذاك، وذلك للاستفادة من انخفاض تكلفة الخدمات وأسعار المواد في تلك الفترة. ثم الاستفادة من ازدياد التأزم لاحقا، الذي قاد الى إعادة مناقشة بعض العروض لصالح الشركة قبل بدء أعمال الإنشاء عام 2011.
6 آلاف فرصة عمل ..
و %73 من موظفيها سعوديون
واجه مشروع إنشاء هذه المصفاة تحديات جمة على صعيد توفير الكفاءات البشرية اللازمة للإنشاء والتشغيل لاحقا، وحتى على صعيد توفير الأيدي العاملة القادرة على التعامل مع أعمال إنشائية على هذا المستوى من التطور (بلغ عدد العاملين على الإنشاء في فترات الذروة نحو 40.000 شخص). فاعتمدت ياسرف على التدريب والتأهيل، وببدء تشغيلها، كانت قد وفرت نحو 1200 فرصة عمل مباشرة، وأكثر من 5200 فرصة عمل غير مباشرة للمواطنين. والتزاما منها بتوطين الوظائف فيها وبسياسة السعودة، فقد تم حتى الآن إدراج 700 موظف سعودي في برنامج التدرج الخاص بهذا المشروع المشترك، وجرى إعدادهم وتدريبهم من قبل "أرامكو السعودية" لتولي الوظائف بدوام كامل في التشغيل والصيانة والعلاقات الصناعية والهندسية. وبلغت نسبة السعوديين عند بدء تشغيلها 73 في المائة.
جائزة بلاتس لأفضل مشروع
وبفضل ما تقدم، وكثير من المزايا في هذا المشروع خلال أعمال الإنشاء وفي محصلته النهائية، تمكنت ياسرف من الفوز بجائزة بلاتس العالمية لأفضل مشروع لعام 2015 خلال شهر ديسمبر من العام الماضي. وقد تنافست 200 شركة عالمية من 26 دولة على 18 جائزة. وكانت ياسرف في منافسة مع سبع شركات عالمية كبرى في مجال الطاقة على جائزة "أفضل مشروع لعام 2015"، وتمكنت من انتزاعها بجدارة.
برنامج خاص لسلامة البيئة
والتزام المعايير المحلية والعالمية
أنشئت ياسرف بحرص شديد على حماية محيطها البيئي على ساحل البحر الأحمر ووضعت برنامجا خاصا بهذا الشأن. فالشركة تقول إن نجاحها واستمرارها مرتبطان بسلامة محيطها. ولذا، توخت خلال إنشائها وتشغيلها، الالتزام بالقوانين المحلية والعالمية، ومعايير حماية البيئة، وتخفيض النواتج الجانبية والملوثات حتى أدنى حد ممكن. ورضيت بملء إرادتها، على سبيل المثال، أن تتحمل تكاليف إضافية في الوقت والمال والجهد خلال مد الأنابيب لكي لا تؤثر على الحياة النباتية في جوارها.