العناية بالإنسان .. أساس التنمية

مهما تنوعت صور الحضارة والتطور والصناعة والتقنية وغيرها من الأدوات، يبقى الإنسان هو الأساس الذي يُرتكز عليه من أجل ارتقاء الأمم. فالإنسان هو من يمكن أن يكون صانع الحضارة، كما أنه في المقابل يمكن أن يكون أداة لهدم الحضارة، فمهما تطورت أدوات الصناعة في بلد ما فرهان استدامة هذه التقنية والصناعة هو بناء الإنسان، وقد تنوعت مواقف الدول تجاه الفرص التي يتيحها العالم لها، فبعض الدول جعلت من تدفق الأموال فرصة مهمة لبناء الإنسان، ليكون أداة منتجة مع محدودية الموارد، ودول أخرى تكاسلت عن هذه الفرص لينتهي بها المطاف بأن تتذيل العالم في إمكاناتها وإنتاجها، في ظل وجود سباق محموم بين الأمم.
هنا نجد أن المملكة منذ نشأتها اتخذت منهجا بدأه المؤسس عندما جعل التعليم أولوية لأبناء بلده، كانت المملكة حينها تستقطب أئمة الأعلام في هذا الزمن، الذي فضلوا الإقامة فيها على بلدانهم التي نشأوا فيها، رغم صعوبة العيش في بلد صحراوي لم تكتمل فيه أبسط الخدمات، لتكون المملكة حاضنة للعلم وأهله، وتبدأ في تشجيع أبناء القرى والبوادي على طلب العلم وتقدير أهله.
هذا المنهج تسلسل قادة هذه البلاد على العناية به، فتوسعت المملكة في إنشاء المدارس للبنين والبنات وأنشئت الجامعات، وتنوعت التخصصات، وجعلت للعلم قيمة يتفاضل بها الناس في الفرص والوظائف، وهذا ما جعل للمعرفة قيمة بين أبناء المجتمع يتنافسون فيها.
كلمة خادم الحرمين الشريفين تحت قبة مجلس الشورى أكدت استمرار النهج الحكومي في العناية بالإنسان، بدءا من التعليم سواء في مراحله الأولى أو العليا، ثم الصحة والإنفاق الحكومي عليها، إضافة إلى العناية بالخدمات الأخرى التي تسهل حياة الإنسان مثل النقل سواء في المدن أو الربط بين المدن، وتنوعت وسائل النقل التي تحظى بالاهتمام الحكومي، ليتشمل الطرق وشبكات القطار داخل المدن وفيما بينها والنقل الجوي.
اليوم ونحن على عتبة مرحلة جديدة تستكمل مراحل التنمية السابقة يركز فيها الاهتمام الحكومي على الكفاءة في الإنفاق، والعناية بالتنوع في مصادر الدخل، إضافة إلى توفير الفرص الوظيفية المناسبة لأبناء الوطن، هذه الأهداف تعتمد على العناية بقضايا مهمة تبدأ بالعناية بالأمن والاستقرار السياسي سواء الداخلي أو في المنطقة، حيث حظيت العناية بالأمن الداخلي في المملكة بعناية كبيرة، إذ إن أي بلد دون أمن لا يمكن أن يحقق تنمية، بل ستكون الفوضى أكبر مشجع على التخلف والتفكك والتنازع بين أبناء الوطن الواحد، وأن يكون العبث والعنف سلوكا عاما، وتكون البيئة العامة منفرة للكفاءات مهما كان حجم الموارد، الركيزة الثانية للتنمية هي العناية بالمعرفة والعلم، حيث توسعت المملكة بصورة كبيرة في إنشاء الجامعات ودعم إنشاء المؤسسات التعليمية الأهلية، إضافة إلى العناية بتطوير مناهج التعليم العام وتوفير بنية تحتية جيدة للتعليم بصورة عامة.
من الجوانب المهمة التي حظيت بالعناية الحكومية قطاع الصحة، والمؤشرات تدل على تحسن واضح في الصحة العامة وزيادة في متوسط أعمار المواطنين، إضافة إلى نمو سنوي واضح في عدد السكان، ورغم استمرار الحاجة إلى مزيد من الدعم لهذا القطاع نجد أن هناك مشاريع كبيرة في مرحلة الإنشاء أو شارفت على الانتهاء، تشتمل على مجموعة من المدن الطبية، إضافة إلى وجود وعي في القطاع الصحي بأهمية العناية بالرعاية الأولية، والتوعية الصحية في المجتمع، وقد تشهد الرعاية الأولية للمراكز الصحية اهتماما أكبر في الفترة المقبلة.
العناية بالإنسان في هذا الوطن من المهم أن تأخذ في الاعتبار هدف القيادة والمواطن في أن تكون مهارات وإمكانات المواطن عالية، تنافس إمكانات ومهارات المواطن في الدول المتقدمة، باعتبار أن الإنفاق الكبير على المؤسسات التعليمية والخدمات ينبغي ألا ينتهي إلى إعداد كوادر تقليدية، ولكن إلى قيادات يمكن أن تجعل من المملكة بيئة حاضنة وجاذبة للصناعات المتقدمة والتقليدية باعتبار أن الاعتماد على النفط في الدخل أمر تجاوزته حسابات القيادة العليا في المملكة، والاعتماد على الدخل من خلال الصناعات التقليدية أو الأولية لا يمكن أن يوفر فرصا مميزة للمواطن، ولا يمكن أن تكون المملكة بيئة جاذبة باعتبار أن هناك دولا كثيرة في العالم توفر قوى عاملة تقليدية رخيصة، وهنا تأتي أهمية العناية بتوفير البيئة الجاذبة للصناعات المتقدمة وتهيئة القوى العاملة الوطنية للتفوق في هذه المجالات التقنية، على غرار عدد من دول العالم التي أصبحت حاليا متفوقة على كثير من دول العالم المتقدمة في أوروبا، مثل كوريا الجنوبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي