بورصة شيكاغو «صومعة» عصية على الاختراق
تيري دافي يرتدي حلة داكنة، بأزرار من الذهب على شكل شعار مجموعة بورصة شيكاغو التجارية ثماني الزوايا. يجلس في مكتبه بجوار نهر شيكاغو، ويلمح لقطات فوتوغرافية مؤطرة على بعض الرفوف: صورة لابنيه التوأم، وصورة للممثل مارك والبيرج، وصور ثلاثة من رؤساء الولايات المتحدة السابقين، وصورة تجمعه مع هيلاري كلينتون التي تظهر وهي تبتسم ابتسامة عريضة.
يقول: "حظيت بمعرفة كثير من الناس المشوقين وأصبحوا أصدقاء لي. أعتقد أنهم يحبون موقفي البسيط والمباشر. أنا لا أخدع الناس بالكلام الفارغ".
أسلوب دافي الخشن وفهمه العميق للسياسة في واشنطن ساعدا بورصة شيكاغو التجارية على الخروج من الأزمة المالية واحدة من الشركات الأمريكية الأكثر ربحا. في الوقت الذي كانت فيه مصارف وول ستريت تقلص أعمالها، كانت أكبر مجموعة بورصة في العالم تحقق هوامش تشغيلية بنسبة 60 في المائة. هذا يصنف بورصة شيكاغو التجارية بين الأعضاء الثلاثة الأكثر ربحية في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، جنبا إلى جنب مع فيزا، شبكة البطاقات، وشركة جلياد للعلوم التي تنتج حبوب علاج التهاب الكبد، التي يبلغ سعر الحبة منها ألف دولار في اليوم.
لكن هذه الشركة العملاقة في شيكاغو تواجه أيضا تحديات لأنموذج أعمالها. ففي الوقت الذي تنمو فيه ثروتها، الوسطاء والمتداولون الذين تعتمد عليهم البورصة في الحصول على السيولة يئنون تحت ضغوط التكلفة. إدارة أوباما تريد اقتطاع جزء من إيرادات صفقاتها لتعزيز ميزانية الجهاز التنظيمي الرئيسي، المتمثل في لجنة تداول العقود الآجلة للسلع. نفوذ دافي، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي ورئيس بورصة شيكاغو التجارية البالغ من العمر 57 عاما، الذي كشفت وزارة الخارجية أخيرا عن رسائل البريد الإلكتروني المتملقة التي كان يرسلها إلى هيلاري كلينتون، هو الآن على المحك.
بورصة شيكاغو التجارية التي كانت في الماضي ناديا مملوكا للأعضاء، أصبحت شركة ربحية في عام 2000 وتحولت إلى شركة عامة بعد ذلك بعامين ونصف. وفي عام 2007 شرعت في فورة استحواذ اشترت خلالها "مجلس شيكاغو للتجارة" وفيما بعد بورصة نيويورك التجارية، و"مجلس كانساس سيتي للتجارة". ومعظم العقود الأمريكية الآجلة والخيارات في العقود الآجلة للتداول الآن تحت راية بورصة شيكاغو التجارية. في المقابل، أصبح تداول الأسهم في الولايات المتحدة مجزأ أكثر من أي وقت مضى، وتقسمت الأعمال التي كانت تهيمن عليها في السابق بورصتا نيويورك وناسداك بين أكثر من 40 بورصة، وبورصات معتمة، ومنصات مصارف.
بورصات العقود الآجلة التابعة لبورصة شيكاغو التجارية هي أحياء مسورة تجمع الرسوم من العملاء وتفرض حسن السير والسلوك في آن معا. المصارف وصناديق التحوط والمزارعون وغيرهم ممن يتاجرون ليل نهار، حددوا الأسعار المرجعية لمعدلات الفائدة الأمريكية والعملات ومؤشرات الأسهم والسلع في صفقات بقيمة 1100 تريليون دولار العام الماضي. تحديات مثل محاولة بورصة إنتركونتيننتال إدراج العقود الآجلة للحبوب ذابت بعيدا.
وجود الأسوار أمر أساسي لربحيتها. ولأن البورصة تمتلك بيت المقاصة الخاص بها، فإن العقود المتداولة في بورصة شيكاغو التجارية لا يمكن نقلها إلى بورصة أخرى. وبما أن التجار يتجمعون حيث يوجد النشاط، فإن هذا يمنع المشاركين من التسوق في الأنحاء بحثا عن السوق الأرخص. المشرعون في بروكسل يريدون أن يفتحوا هذا الهيكل، المعروف باسم "الصومعة الرأسية". لكن في الولايات المتحدة التي تضم أربعا من البورصات الخمس التابعة لبورصة شيكاغو التجارية، تعتبر إعادة تشكيل الصومعة أمرا ميؤوس منه سياسيا.
السيطرة على المقاصة
تبينت قوة هذا الترتيب بعدما سمحت وزارة العدل الأمريكية لبورصة شيكاغو التجارية بالسيطرة على مجلس شيكاغو للتجارة. ومنذ إبرام الصفقة التي بلغت قيمتها 12 مليار دولار، استحوذت بورصة شيكاغو التجارية على 99.97 في المائة من أحجام العقود الآجلة لسعر الفائدة الأمريكية والخيارات، بحسب ما أوضحت "إف آي آيه"، المجموعة الخاصة بالصناعة. في كانون الثاني (يناير) 2008، اتخذ قسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل وجهة نظر مختلفة، محذرا من أن غرف المقاصة التي تسيطر عليها البورصة "تثبط المنافسة بين بورصات العقود الآجلة المالية". وحثت وزارة الخزانة على مراجعة هذه التركيبة.
لكن التوصية لم تحقق أي شيء. بعد ثمانية أشهر من تقديمها انهار بنك ليمان براذرز، والتصفية السلسة لتعاملات ذلك البنك الاستثماري في بورصة شيكاغو التجارية جعلت من غرف المقاصة لديها أنموذجا وليس مشكلة. وقال دافي أمام الكونجرس إن أسواق العقود الآجلة "عملت بشكل لا تشوبه شائبة" خلال الأزمة، محذرا النواب من تجريد البورصة من السيطرة على بيوت المقاصة. ورضخوا لذلك.
تقدم أسعار الفائدة ثلث إيرادات رسوم المقاصة والمعاملات في بورصة شيكاغو التجارية. وفي الوقت الذي يبدو من المرجح للاحتياطي الفيدرالي أن يرفع أسعار الفائدة المرجعية في الشهر المقبل – وضعت العقود الآجلة في بورصة شيكاغو التجارية الأسبوع الماضي هذا الاحتمال بنسبة 68 في المائة - تقلبات السوق التي تتبع ينبغي أن تولد مزيدا من الرسوم. وشددت البورصة قبضتها على أعمال العقود الآجلة لأسعار الفائدة بعد أن تخلصت من بورصة ناشئة هي ELX. بدعم من جولدمان ساكس ومورجان ستانلي ومصارف أخرى، حاولت ELX إجبار بورصة شيكاغو التجارية على قبول المعاملات من أماكن أخرى، مثل التي لديها، والسماح للصفقات التي تمت في شيكاغو أن تجري معاملات المقاصة في أماكن أخرى. ضغطت بورصة شيكاغو التجارية، وفي عام 2011 أيدت واشنطن موقفها، ما أدى إلى نهاية ELX.
المديرون التنفيذيون في بورصة شيكاغو التجارية فخورون بمركزها المهيمن. في الربع الثالث، أبلغت عن هامش تشغيلي يبلغ 62.7 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2011.
لكن الحصة الدسمة التي يحصل عليها مشغل البورصات من الغنائم تثير قلق الناس أنفسهم الذين تجعل مشاركتهم من أسواقها أسواقا عميقة وسائلة. ومن بين الذين يشعرون بالغبن هناك سماسرة المقاصة، المسؤولون عن تسيير طلبات الزبائن وتحصيل دفعات الهامش لضمان سلامة بيوت المقاصة في البورصة. وقد انخفضت أعدادهم إلى النصف، ليصبح عددهم 73 منذ عام 2008.
يقول تنفيذيون إن معدلات الفائدة المنخفضة مسؤولة جزئيا عن هذا الانخفاض، إلا أن الوسطاء يتعرضون للضغط بسبب تكلفة تحصيل الرسوم نيابة عن البورصات. في كانون الثاني (يناير) المقبل سترفع بورصة شيكاغو التجارية رسوم المعاملات للمرة الثالثة خلال ثلاث سنوات. وبدأت أيضا بفرض رسوم على بعض بيانات السوق.
يقول أحد التنفيذيين في شركة للوساطة: "نحن في بيئة تنافسية للغاية. والبورصة ليست موجودة في بيئة تنافسية للغاية. هل تستطيع أن تعثر على وسيط يحقق هوامش ربح بنسبة 60 في المائة؟ أنا لا أعرف أحدا على هذا المستوى. أود أن أكون أحدهم". وبعض عملاء بورصة شيكاغو التجارية، أيضا، يشعرون بالضغط. ففي الوقت الذي تعمل فيه التكنولوجيا عالية السرعة على تحفيز أحجام التداول - شكل التداول الآلي 62 في المائة من العقود الآجلة لأسعار الفائدة في البورصة، وفقا لبحث من هيئة تداول السلع الآجلة في آذار (مارس) - مجموعات التداول لحسابها الخاص في سباق تسلح للحصول على خوارزميات وعلى اتصالات الميكروويف. وانتشار هذه الجماعات فكك فرص الربح. يقول إيزاك تشانج، الرئيس العالمي للدخل الثابت في مجموعة التداول KCG: "هذه قد لا تكون وجهة نظر منتشرة في شيكاغو، لكن قناعتي الشخصية هي أن التكامل الرأسي في أسواق العقود الآجلة الذي يسبب الاحتكارات هو أمر خطير. غياب المنافسة يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المجتمع التداولي".
وجمعت بورصة شيكاغو التجارية إيرادات بلغت 3.4 مليار دولار على مدى الـ 12 شهرا الماضية، أي بنسبة تزيد على 13 في المائة عن الفترة المقابلة من العام الماضي.
تمويل جهاز الرقابة
الجهاز المنظم الرئيسي لبورصة شيكاغو التجارية، وهو هيئة تداول السلع الآجلة، يشكو من نقص التمويل. وسعى هذا العام للحصول على 322 مليون دولار من الكونجرس، لكنه حصل فقط على 250 مليون دولار. وحذر المفتش العام للجهاز من أن الوكالة يجب أن "تؤدي مهامها التشغيلية بشكل فعال من أجل الوفاء بمهمتها الاستراتيجية مع موارد ميزانية محدودة".
البيت الأبيض يريد فرض رسم على مستخدم العقود الآجلة بهدف تمويل هيئة تداول السلع الآجلة. ويقول تيم ماساد، رئيس مجلس إدارة هيئة تداول السلع الآجلة: "تم اقتراح نظام معين من الرسوم لتمويل الهيئة من قبل كل رئيس منذ رونالد ريجان، بما في ذلك رونالد ريجان. ويوجد لدى وكالات أخرى هذا النظام. لذلك أعتقد أنه يمكن تحقيق ذلك بطريقة لا تؤذي السيولة".
لكن بورصة شيكاغو التجارية هزمت هذه المقترحات. وأحدث التشريعات لصفقة الرسوم لا تزال عالقة في لجنة تابعة لمجلس النواب.
بورصة شيكاغو التجارية لا تخفي نفوذها السياسي. دافي يدير مكتب واشنطن، الذي يوظف ضمن البورصة ثلاثة أفراد للضغط، ولديه 15 شخصا آخر بموجب عقد، وفقا لمركز السياسة المستجيبة. وتنفق البورصة أكثر من مليوني دولار سنويا على مجموعات الضغط، كما تشير بيانات في CRP.
ويتباهى مجلس الإدارة في بورصة شيكاغو التجارية بالشخصيات الواصلة، مثل دان جليكمان، وهو مسؤول سابق في إدارة كلينتون، ورئيس مجلس النواب السابق، دينيس هاسترت، الذي استقال من منصبه بناء على لائحة اتهام ضده أخيرا بتهمة الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي حول عمليات سحب من المصارف. وقبل أن يصبح عمدة لشيكاغو، كان رام إيمانويل عضوا في مجلس إدارة البورصة. وتشمل الصور في مكتب دافي صور الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش ووالده جورج بوش الأب.
طريقة دافي
يقول نيل وولكوف، الرئيس التنفيذي السابق لـ ELX: "إنهم يعمقون العلاقات السياسية. لدى الشركات عموما قسم خاص للتعامل مع واشنطن، لكنها ليست واحدة من الوظائف الأساسية المركزية لأعمالك. بالنسبة لعالم العقود الآجلة، في كثير من الحالات أعمالك هي علاقتك مع واشنطن".
دافي - حفيد عضو مجلس محلي من جناح الـ 19 الإيرلندي في شيكاغو - يقول إنه أدلى بشهادته أمام الحكومة "على الأرجح 80 مرة" في السنوات الـ 15 الماضية. في تموز (يوليو) الماضي جادل بأن على الولايات المتحدة إلغاء الحظر على صادرات النفط الخام، وهي خطوة يقول مختصون إنها قد تفيد أيضا عقد النفط الرئيسي لدى بورصة شيكاغو التجارية. ويقول روبرت هوليفيلد، وهو مسؤول سابق في مجلس الشيوخ ومسؤول هيئة تداول السلع الآجلة الآن لدى "لينكولن بوليسي جروب"، وهي شركة ضغط: "لديه أسلوب دبلوماسي عندما يحتاج إليه، وفي الوقت نفسه يستطيع استخدام المطرقة". كذلك تتمتع بورصة شيكاغو التجارية بتأثير ناعم: أعطت مؤسستها الخيرية منحا لعلماء خلصوا إلى أن الضرائب على المعاملات لديها آثار سيئة، كما تظهر السجلات. وعلى النحو الذي تدفع فيه الإصلاحات المزيد من المشتقات خارج البورصات لتكون مدعومة من قبل غرف المقاصة، فإن سلامة النظام المالي ستعتمد بصورة أقوى من قبل على أكتاف شيكاغو. عندما حددت الأجهزة المنظمة غرفة المقاصة في بورصة شيكاغو التجارية باعتبارها أداة مالية ذات أهمية نظامية في عام 2012، جادلت بورصة شيكاغو التجارية بنجاح بأنها في حاجة إلى الوصول إلى سيولة من الاحتياطي الفيدرالي في حالات الطوارئ.
صناعة المشتقات التي يتم تداولها خارج البورصات في وول ستريت وبورصة شيكاغو التجارية هما شركيان حذران. في عام 2012 وصف كريس جيانكارلو، الذي كان في ذلك الحين رئيس مجلس إدارة اتحاد وسطاء أسواق الجملة، وهي مجموعة المشتقات خارج البورصات، والآن المفوض الجمهوري لهيئة تداول السلع الآجلة، ما سماه "الهيكل المناهض للمنافسة، الصومعة الواحدة لسوق العقود الآجلة". دافي، الوسيط السابق في تجارة الخنازير الذي كان مجموع تعويضاته 6.7 مليون دولار العام الماضي، يعترض تماما على هذه الفكرة ويقول: "إن المنافسة شرسة ووحشية. ولو كنا نشكل احتكارا، سيكون لدينا هوامش التشغيل 60 في المائة، ولكن سيكون لدينا أيضا متوسط سعر عقد أعلى بكثير من 80 سنتا لكل عملية تداول. لذلك أنا لم أر قط شركة احتكارية تفرض رسما مقداره 80 سنتا على كل تداول". ومتوسط معدل بورصة شيكاغو التجارية لكل عقد هو في الواقع أقل مما كان عليه قبل خمس سنوات.وهي بالتأكيد تواجه منافسة جادة في سوق واحدة: العقود الآجلة للنفط والغاز. بورصة ICE القائمة على الشاشات داهمت منطقة نفوذ نايمكس المتزمتة، التي قاوم أعضاؤها التعاملات الإلكترونية قبل استيلاء بورصة شيكاغو التجارية عليها. وأطلقت ناسداك الآن عقود طاقة يتم تخليصها في شركة خيارات المقاصة، وهي أداة تتقاسمها عدة بورصات. بوب جريفيلد، الرئيس التنفيذي لبورصة ناسداك، قال في وقت سابق من هذا العام: "الاحتكارات لا تحقق نتائج جيدة مع مرور الوقت". دافي لا يبدو خائفا للغاية. ويلاحظ أن ناسداك تفتقر إلى غرفة المقاصة الأمريكية التابعة لها ويقول عن عقود الطاقة الآجلة لجريفيلد: "كان عليه أن يذهب إلى مكان. كان يمكن أن يأتي إلى هنا. كنت سأنفذ له أعمال المقاصة".