Author

رسوم الأراضي .. إشكالات يمكن حلها

|
يثار بعض الإشكالات حول الرسوم بشكل عام. وينتج عن الرسوم آثار اقتصادية واسعة على الاستقرار الاقتصادي والمالية العامة وتوزيع الدخل. وتتوقف قوة تأثير أي رسوم على مدى شموليتها وعلى حجمها. ونظرا لتأثيرها الواسع على الشرائح السكانية والقطاعات الاقتصادية تنشط قوى الضغط المختلفة للتأثير على صياغة وتفعيل وإقرار الرسوم. وأحال مجلس الوزراء أخيرا مشروع فرض رسوم على الأراضي البيضاء إلى مجلس الشورى، وحددت فترة ثلاثين يوما لدراسته. وهذا يشير إلى قرب صدور هذا النظام، وأن مسألة فرض رسوم على الأراضي البيضاء أصبحت أمرا منتهيا وستفعل قريبا. ولا تتوافر تفاصيل رسمية عن مشروع القرار ولكن توجد بعض التسريبات حولها. وورد في بعض المصادر أنها ستفرض على قطع الأراضي الكبيرة التي تتجاوز مساحتها عشرة آلاف متر، وأن قيمتها لن تتجاوز 100 ريال للمتر. وهذا يوحي بوجود شرائح لهذه الرسوم، وأنها ليست مفروضة على أساس القيمة. وسيتسبب قرار فرض الرسوم على الأراضي في توليد تكاليف جديدة على شراء أو بيع أو تملك الأراضي، التي تدخل في تكاليف إنتاج جميع السلع والخدمات. وتؤثر الرسوم على الدخول والأسعار والإنتاج والاستثمار. وقد يظهر عديد من الإشكالات عند صياغة وتطبيق آليات وبنود قرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء. وستعمل جماعات الضغط المؤيدة والمعارضة للرسوم على استخدام نفوذها للتأثير على صياغة بنود القرار وآليات تنفيذ وتفاصيل المشروع. وكما يقول الغربيون فإن الشيطان يختفي في التفاصيل. وسيأتي تحديد مساحات، وتوقيت، وأسلوب جمع الرسوم، وتعريف معنى عبارة الأراضي البيضاء الخاضعة للرسوم على رأس أبرز الإشكالات المحتمل ظهورها عند صياغة قرار فرض الرسوم. فتحديد مساحات الأراضي البيضاء الخاضعة للرسوم بعشرة آلاف متر مثلا سيفرغ القرار من معظم تأثيره، حيث سيعمد ملاك الأراضي الكبيرة إلى تقسيمها إلى قطع تقل مساحتها عن عشرة آلاف متر، كما أن جمعها على أساس القطعة سيكون أقل فاعلية من جمعها على أساس الملكية. وإضافة إلى ذلك، فإن تعريف الأراضي البيضاء سيلعب دورا حاسما في حجم الأراضي الخاضعة للرسوم. فهل سيقتصر التعريف على الأراضي التي داخل النطاق العمراني أو التي وصلتها الخدمات فقط؟ وهل سيقتصر على الأراضي التي ليست عليها أي إنشاءات؟ أم هل سيشمل التعريف الأراضي المحاطة بأسوار فقط ومن دون أي إضافات أخرى؟ وهل سيشمل التعريف الأراضي المستعملة كاستراحات التي تحتل مساحات كبيرة في النطاق العمراني؟ وسيشجع إعفاء الأراضي المسورة والاستراحات من الرسوم على تحويل الأراضي البيضاء غير المستغلة إلى استراحات أو بناء أسوار حولها، وبهذا ستفقد الرسوم معظم فاعليتها. وتتعدد استعمالات الأراضي لكنها تتركز في المجالات السكنية والزراعية والصناعية والتجارية. ففي مدينة مثل الرياض مثلت الأراضي السكنية 30 في المائة فقط من استخدامات الأراضي المطورة في عام 1433هـ. فهل سيقتصر تطبيق الرسوم على الأراضي السكنية أم سيشمل كل الأراضي بغض النظر عن استخداماتها؟ وسيبرز إشكال حول الأراضي التي تملكها الكيانات الاقتصادية، حيث تملك الأعمال ورجالاتها مساحات كبيرة على هيئة أحواش أو أحيانا مساحات مفتوحة ومسورة، فهل ستستثنى تلك المساحات من رسوم الأراضي أم لا؟ فاستثناء تلك المساحات سيقلل من الأراضي التي تفرض عليها الرسوم ويقلل من فاعلية الرسوم، كما سيشجع على تحويل مساحات كبيرة من الأراضي إلى أحواش للاستعمالات التجارية أو الصناعية. وسيبرز إشكال حول تعريف مصطلح النطاق العمراني الذي ستطبق فيه الرسوم. فهل سيقتصر مفهوم النطاق العمراني على المناطق المطورة حاليا في المدن، أم هل ستفرض على كل الأراضي التي يشملها النطاق العمراني أو سيشملها مستقبلا، أم هل سيمتد تطبيقها إلى حدود تنمية المدن؟ وسيتسبب الهدف من الرسوم في تحديد مستوى ونوع الرسوم وتوقيت وكيفية جمعها. وحسب القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء فإن الهدف منه الحد من تكاليف السكن على الشرائح السكانية محدودة الموارد، ولهذا فلن تجمع مبالغ خرافية من فرضها كما يتوقعه بعض المحللين. ولا تسعى الدولة - حتى في هذه الأوقات التي تتراجع فيها إيراداتها النفطية - إلى جعلها رافدا رئيسا من روافد الإيرادات العامة للميزانية. ولو كانت الدولة تريد توفير مصادر إضافية للإيرادات لفرضت رسوما على كل العقارات سواء كانت مبنية أو أراضٍي غير مستعملة. ومن هذا المنطلق سيستخدم ملاك الأراضي نفوذهم القوي لخفض الرسوم لنسب متدنية وغير مؤثرة أو تأخير تفعيلها، بينما سيسعى مؤيدو فرض الرسوم إلى رفع مستوياتها. وسيسعى البيروقراطيون إلى خفض تكاليف جمعها وتسهيل تفعيلها، ولهذا سيؤيدون فكرة فرضها عند البيع وهو ما سيتسبب في نقل تكاليف الرسوم أو الجزء الأكبر منها إلى المشترين، مما سينتج عنه رفع تكاليف شراء الأراضي وهو عكس المراد من وراء فرض الرسوم. ولتحميل الملاك تكاليف الرسوم ودفعهم لتطويرها وخفض تكاليف السكن ينبغي جمع الرسوم من الملاك مباشرة وبشكل دوري. وستترتب على جمع الرسوم من الملاك مباشرة وبشكل سنوي مصاعب وتكاليف إدارية وتنظيمية وتهرب كبير من دفعها، ولكن بالإمكان التغلب عليها.
إنشرها