وطن يصنع المستقبل بالتضحية والإخاء

وطن يصنع المستقبل بالتضحية والإخاء

عيد الوطن والأضحى تجتمع أفراحهما هذا العام في دورة فلكية قد لا تتكرر كثيرا بحساب النجوم والكواكب. لكنها تتكرر كل يوم بحساب المحبة والالتزام تجاه أرض حباها الله بمخلصين يتشرفون بخدمة ضيوف الرحمن، وبأبطال يذودون عن حماها على مدار الساعات والأعوام.
في مثل هذا اليوم من عام 1932 أصدر المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن مرسوما ملكيا يقضي بتحويل اسم الدولة من "مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها" إلى المملكة العربية السعودية، إيذانا باكتمال عقد المناطق وتوحيدها. وكما هي عادة قادة هذه البلاد قبل اتخاذ أي قرار فقد عقد بتاريخ 10 أغسطس من العام نفسه في مدينة الطائف اجتماعا للعلماء والأعيان وممثلي رعايا المملكة وجمع من المواطنين رأوا بموجبه ضرورة تغيير مسمى الدولة إلى مسمى يظهرها كوحدة واحدة، فكان أن تم الاتفاق على هذا الاسم بمباركة الجميع.
وحدة جمعت فيما بينها أكثر من 20 لهجة محلية، لثقافات مختلفة ومتنوعة. حيث الأراضي السعودية موطن لعديد من الحضارات القديمة من فترة ما قبل الإسلام. منها ما يعود للعصر الحجري ومنها ما يعود لممالك وإمبراطوريات لا تزال آثارها شاهدة على القيمة الحضارية والعمق الثقافي لهذه البلاد. ثقافات ومشارب غنية ومتنوعة، توجت بمرجعية عربية إسلامية جامعة، وهوية وطنية واحدة، اجتمع الكبير والصغير على حبها والتضحية من أجلها، امتدادا لذاكرة مشتركة أسس لها الآباء والأجداد، منذ توحيد البلاد، وجمعها على كلمة سواء.
حب الأوطان لا يقاس بكثرة المديح والعواطف، بل بالعمل والجد والاجتهاد. وهذا ما يفعله متطوعون لطالما استقطعوا من أعيادهم ومن فرحة أسرهم كثيرا من الوقت لخدمة حجيج بيت الله. وهو أيضا ما يفعله اليوم مرابطون على الحدود دفاعا عن هذا الوطن، ونصرة لأشقاء طالتهم يد الغدر والتآمر والخيانة. فالعيد في عرف المواطن السعودي كان ولم يزل لا يعني بحال من الأحوال التهاون في إكرام الضيف أو التخاذل عن نصرة الجار. بل إشعاع خير وتراحم يستذكر طيب المعاني وحق الآخر البعيد في الفرح قبل القريب.
أطفال يقدمون الورد والأزهار على مداخل هذا الوطن لضيوف البيت الحرام. في الوقت ذاته الذي يرابط على حدود الوطن وبين جنباته أبطال أشداء يقفون بالمرصاد للمتربصين بأمن البلاد والعباد في الداخل أو الخارج. وبين هذا وذاك حياة كاملة تسير بهدوء وانسياب. أعمال يومية وأسر تزور بعضها بعضا لتمارس حقها الكامل في التواصل والفرح.
الوطن الذي يقاتل أبناؤه على كل الجبهات، مدنيا وعسكريا. وفي كل الأوقات، سلما وحربا، هو فقط الذي يستحق الحياة. فهو وطن لا يعادي الفرح إذا ما أقدم على الخطر والموت. ولكنه يصنع الفرح والمستقبل بالتضحية والفداء، أملا في المثوبة، وفي الحياة الكريمة على أرضه وبين أهله وجيرانه.
نعايد اليوم بَعضُنَا بعضا. وفينا من فقد أبا أو أخا أو عزيزا دفاعا عن هذه الأرض. وفينا أيضا من ينتظر عودة أحبابه المرابطين على أحر من الجمر، ليعودوا سالمين غانمين، مؤيدين بالعزة والنصر، لهم ولهذه البلاد التي لطالما جمعتهم وجمعتنا، مع أحبائنا وأحبائهم، على الخير والأمن والرفاه.

الأكثر قراءة