من أجل ما لم يُقرأ بعد

تعتبر مبادرة "اقرأ" واحدة من أجمل المبادرات التي قدمتها "أرامكو السعودية" للمجتمع والتي تهدف لإلهام وإثراء مليوني شاب وفتاة بحلول عام 2020. اقتصرت المسابقة في نسختها الأولى عام 2013 على مشتركين من المنطقة الشرقية، وفي نسختها الثانية شملت مشاركين من جميع مناطق المملكة، أما في نسختها الثالثة لهذا العام 2015، فقد ضمت لأول مرة مشاركين غير سعوديين. وتلك المرونة والتدرج في النمو مع التطوير المستمر والمتجدد منح تلك المبادرة القوة على الانتشار وجذب فئة كبيرة من الشباب من الجنسين في فترة زمنية قصيرة. وبعد ثلاث سنوات من انطلاقها أثبتت مسابقة اقرأ، أن شبابنا لم يتفوق فقط في العلوم والرياضيات حين رفع علم المملكة في المحافل الدولية، بل استطاع أن يساهم في دفع عجلة التنمية الفكرية بشكل أسرع مما نتوقع.
وكعادة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي في كل فعالية، سهّل لكل من يرغب في حضور الحفل الحجز والتسجيل عن طريق الموقع. وقبل أن تبدأ المسابقة، أدركت الجماهير وإدارة البرنامج أنهم على موعد مع أمسية مميزة، بعد نفاد جميع التذاكر في أقل من 20 دقيقة من بدء التسجيل.
الحقيقة في كل سنة أزور فيها نقاط التوزيع أو أحضر الحفل يثلج صدري ويسعدني مستوى مهنية المتطوعين والمتطوعات وتعاملهم الراقي أثناء التوزيع والتنظيم.
في مساء الخميس الماضي، تلألأ مسرح اقرأ بخيرة شباب وبنات الوطن في عروض ثقافية تتركك في حيرة لا تستطيع من جمالها أن تفضل إحداها على الأخرى. بدأت المسابقة التي تأهل لها عشرة قراء من بين 600 قارئ، بعد رحلة طويلة استمرت أكثر من سبعة أشهر، و تخلل تلك الرحلة ملتقى ثقافي حط فيه المشتركون رحالهم، ومثل لهم إضافة نوعية ساهمت في حد ذاتها في رفع مستوى المهارة الكتابية والخطابية لكل مشترك، يتم أثنائها تدريبهم وإعدادهم جيدا للعرض الختامي، الذي يدور حول فكرة كتاب يختاره كل مشارك ويبحث حولها من عدة مصادر حتى يتم عرضها بطريقة إبداعية. ويتم تقييم ومناقشة تلك العروض في الحفل بواسطة لجنة تحكيم تختار على أساسها قارئ العام. وفي المسابقة نفسها تعرض الصور الفائزة بالمراكز الثلاثة الأولى الخاصة بمسابقة "قارئ الجمال" والموازية لمسابقة قارئ العام، والتي تشجع و تدعم الثقافة البصرية وتحتفي بالمصورين الشغوفين بالقراءة و الكتب.
اشتعل الحماس والمنافسة على المسرح وحظي الجمهور بأمسية فاخرة، التقت فيها الذائقة السمعية بالبصرية بفنية عالية، تماهت في لوحات ساحرة متجددة لتعبر عن كل فكرة، وتضفي مزيدا من السحر على جمال الأداء. لا يتوقف الشعور بالبهجة هنا، بل تشعر من أعماق قلبك أن كل من يقف على المسرح فرد من أفراد أسرتك، فيرتفع صوتك صاخبا بالتشجيع. لتفوز بلقب قارئ العام "شروق شخشير" من (التعليم العام) و"عبد الله المشوح" من (التعليم الجامعي) و"علي السليس" الذي فاز بتصويت الجمهور.
وكعادته كل سنة، قدم لنا المخرج المبدع بدر الحمود فيلم "المكتبة في الليل" الذي تستطيع أثناء عرضه لمس مستوى الاحترافية التي وصل إليها، حيث شد انتباه الجمهور من اللقطة الأولى التي تصور بابا خشبيا عتيقا فُتح قفله ليأخذنا في جولة داخل المكتبة المتمددة للكاتب الكبير ألبرتو مانجويل. أشعرتني بالرضى والاطمئنان على مستقبل نمو مكتبتي الشخصية التي بدأت تثير القلق لبقية الغرف في المنزل. وكم أسعدني حديث "مانجويل حين ترجم فلسفته الشخصية لمبدأ إعارة الكتاب والتي اعتبرها تحريضا على السرقة، لتتحرر نفسي من عدد المرات التي شعرت فيها بتأنيب الضمير حين تملصت من إعارة كتبي للآخرين، وضحكت على المرات التي كان ينتابني فيها ذعر وتوتر، حين أشعر بأن أحدهم يلمح بالإعجاب على أحد كتبي ويوشك أن يستعيره، حيث كنت أستميت في المناورات لأنني لا أجد وقتها تعبيرا يشرح ما يختلج في صدري وكيف لا أحب أن أعير كتبي لأحد. سأظل ممتنة لألبرتو ومانجويل وبدر الحمود لأن ذلك الفيلم حررني من عبودية الشعور بالحرج وتأنيب الضمير.
ومن يتابع الأفلام الأخيرة التي قدمها المخرج الشاب بدر الحمود، سيجد على الرغم من أنها قصيرة، إلا أن الرسالة التي تحملها كبيرة من حيث الهدف والمضمون، بداية بفيلم مونوبلي، كروة وسكراب إلى فيلم "كتاب الرمال" الذي عرض في النسخة الأولى لمسابقة اقرأ المستلهم من كتاب يحمل الاسم ذاته للأديب الأرجنتيني خورخي بورخيس، و"قلم المرايا" الذي عرض العام الماضي، وسيظل فيلم "المكتبة في الليل" المميز في الذاكرة إلى أن يظهر آخر.
ومفاجآت القراءة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتمدد مثل مكتبة مانجويل، حيث أعلنت أرامكو السعودية عن تدشين"أسبوع وطني للقراءة" يستهدف 50 ألف مشارك يستضيفهم مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي العام القادم.
يقول ألبرتو مانجويل "طالما نحن قادرون على العيش في هذه الحياة وهذا الكوكب، سوف نقرأ، ونكتب لنقرأ".. لذلك سننتظر السنة القادمة بشغف "من أجل ما لم يقرأ بعد".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي