عالمنا في حاجة إلى التفكير بعقلية الألمان
عالمنا في حاجة إلى التفكير بعقلية الألمان
"دي تسايت"، صحيفة أسبوعية ألمانية رفيعة الثقافة، نشرت أخيرا ملحقا خاصا بشأن اللاجئين. أنا مشترك جديد فيها، وقرأته فاغر الفم. "دي تسايت" صورت اللاجئين ليس بوصفهم ضحايا عاجزين في قوارب تغرق ولكن باعتبارهم بشرا ناضجين يعرفون البلد الذي اختاروه. بنوع من التعجب الشديد تقول امرأة أفغانية مصابة بصدمة نفسية "ألمانيا لديها علماء نفس". ويلاحظ تلميذ سوري أن المدارس الثانوية الألمانية تدرّس حل النزاعات. بل إن الألمان يخططون لعطلة نهاية الأسبوع لديهم! أعصاب اللاجئين كانت تتوتر إلى حد الجنون بسبب البيروقراطية الألمانية، لكنهم بالدرجة الأولى كانوا يشعرون بالامتنان. قالت امرأة من كوسوفو ببساطة "المجيء إلى هنا كان الخلاص لعائلتي".
ولكوني قرأت "دي تسايت" قبل قمة المجلس الأوروبي حول الهجرة يوم الجمعة المقبل، خطر على بالي ما يلي: النقاش العالمي يحتاج إلى مزيد من الألمان (والبولنديين والإندونيسيين والبرازيليين، وغيرهم). الناطقون بالإنجليزية لديهم حظ يفوق الحد من المشاركات الذهنية في العالم.
عندما كنت في المدرسة في الثمانينيات، خطرت لي خاطرة مذهلة: سوف تطيح اللغة الألمانية باللغة الإنجليزية بوصفها لغة مهيمنة في أوروبا. لذلك حصلت على شهادة في التاريخ واللغة الألمانية. أيام الدراسة كنت أقضي عدة أيام سعيدا في السرير وأنا أقرأ كافكا. لكني راهنتُ على اللغة الخطأ. اليوم، بالكاد توجد الألمانية خارج الفضاء الألماني المكون من 100 مليون شخص في أوروبا. إنها تقريبا لا تشكل لغة ثانية لأي شخص. في الواقع، الألمان المتعلمون في المحافل الدولية يصرون الآن في كثير من الأحيان على التحدث باللغة الإنجليزية. جنحتُ بعيدا عن الألمانية. والواقع أنه في محاولة مني لتصحيح هذا الوضع بدأت في قراءة "دي تسايت".
بشكل معاكس، في حين كانت اللغة الألمانية تتخلص من المكانة العالمية، كانت ألمانيا تكتسبها. ألمانيا الآن هي رائدة صنع القرار في الغرب بشأن مسائل مثل روسيا والاقتصاد الأوروبي والهجرة إلى أوروبا. ومع ذلك، يجري النقاش العالمي بأغلبية ساحقة باللغة الإنجليزية، في كثير من الأحيان على منصات مملوكة لبريطانيا. ولا يهم أنه لم يعد هناك تقريبا أي شخص في الخارج يستمع لحكومة المملكة المتحدة. "بي بي سي" و"الجارديان" و"الميل" تدير بعض المواقع الإخبارية الأكثر زيارة في العالم. ونسبة 1 في المائة العالمية تفضل قراءة مجلة "الإيكونومست". ألمانيا وروسيا والصين وربما حتى في الولايات المتحدة ينظرون إليها بحسد.
ولأن الألمان نادرا ما يُسمع إليهم خارج ألمانيا، فإن الرأي الألماني في الأحداث في كثير من الأحيان يتعرض للتبسيط والمحاكاة الساخرة. يعتقد عديد من المثقفين الناطقين بالإنجليزية، مثلا، أن الألمان يفرضون سياسات مكافحة التضخم المتطرفة على البنك المركزي الأوروبي بدافع الخوف من العودة إلى النازية. في الخلاف بشأن اليونان، غالبا ما تصور ألمانيا وكأنها تفرض سياسات مجنونة مدمرة دون داع. النخبة الألمانية ليست غبية. ومع ذلك لا تحصل على فرصة كبيرة لتوضيح موقفها في الخارج. قلة من الأجانب يعرفون أي شيء عما يفكر فيه الألمان أو يقولونه منذ عام 1945.
استبعاد الألمان يحرمنا من رؤى ألمانية فريدة من نوعها. لنأخذ موضوع الهجرة: الشعور بالمسؤولية عن النازية يجعل الألمان مترددين في تشويه صورة المهاجرين. وعلاوة على ذلك، فإن كثيرا من الألمان لديهم ذكريات عائلية لهجراتهم الجماعية في عام 1945. لذلك، كثير من المتطوعين في جميع أنحاء ألمانيا يساعدون الآن المهاجرين على الاستقرار. وهذا ينتج في بعض الأحيان اشتباكات ثقافية. رجل سوري لطيف، وُضِع في غرفة العلية لأم وحيدة ألمانية، في نهاية المطاف وجد في نفسه الشجاعة لانتقادها على العيش وحدها. لكن في كثير من الأحيان، البشر هم بشر. "دي تسايت" تخبرنا عن لاجئة غينية توثقت علاقتها بامرأة ألمانية كبيرة في السن عندما كانت الغينية على وشك الولادة إلى درجة أنها طلبت أن تكون الألمانية موجودة.
كيف نعيد التوازن إلى النقاش العالمي بشأن الألمان؟ الرد السليم هو أنه يجب على الناطقين بالإنجليزية على وجه الخصوص أن يتعلموا اللغات الأجنبية. ومع ذلك، هذا لن يحدث إلى حد كبير لأن نصف سكان العالم يتعلمون الإنجليزية الآن. بريطانيون أقل من أي وقت مضى يدرسون اللغات في الجامعة - فقط 615 شخصا بدأوا في الدراسة الجامعية للحصول على شهادة في اللغة الألمانية في أنحاء البلاد عام 2013. لكن إهمال اللغة الألمانية يتجاوز أحادية اللغة بريطانيا. قررت فرنسا لتوها تعليم الألمانية بصورة أقل في المدارس. حتى كثير من الهولنديين - الذين تعتبر لغتهم من أصول جرمانية - الآن يتحدثون إلى الألمان بالإنجليزية. وما يعقد الأمر هو أن الألمانية لديها ثلاثة ضمائر للجنس وأربع حالات إعرابية مثل الرفع والنصب والجر.
لذا يحتاج الألمان إلى دخول النقاش العالمي باللغة الإنجليزية. مجلة "دير شبيجل" تفعل ذلك مسبقا: لها موقع كبير باللغة الإنجليزية. ينبغي أن تحذو "دي تسايت" حذوها - وكذلك أي مجلة أو صحيفة جادة من تشيلي إلى اليابان. هذا أمر ممكن حتى بالنسبة للصحف المفلسة. يستطيع موقع الترجمة على "جوجل" أن يترجم مقالة إلى لغة إنجليزية لا بأس بها خلال ثانية، ثم تعطى إلى مترجم من البشر ليتولى تنقيحها. ملحق "دي تسايت" عن اللاجئين ظهر باللغتين الألمانية والعربية. وهذه بداية. النخبة العالمية التي تستطيع قراءة "دي تسايت" إلى جانب "الإكونومست" ربما تتصرف بطريقة مختلفة.
الألمان غالبا ما يكونون على خطأ. لكن إذا كنا نحن الناطقين بالإنجليزية نستمع إليهم، كان بإمكاننا أن نتجنب الجهود الكبيرة قبل عام 2008 لبناء المساكن، وإنشاء مشتقات جديدة مثيرة، وتباين حاد في المستويات الاجتماعية، وحرب العراق. نحن بحاجة إلى التفكير الألماني.