المسحراتي .. «عراب» المساء في رمضان يتحول إلى «فلكلور»
من أزقة أحياء جدة القديمة وبين المنازل وفي الممرات تسمع صوتا لا تكاد تسمعه إلا في الشهر الفضيل ينادي وسط الظلام قبيل السحر "إصحى يا نايم .. وحد الدايم" ، إنه المسحراتي، الرجل الذي يطوف ليلاً بالبيوت ليوقظ الناس لتناول وجبة السحور قبيل آذان الفجر.
يعتبره كثيرون عراب المساء في شهر رمضان وكان الاعتماد عليه كليا قبل أن تتغير اﻷوضاع وتتطور عجلة الحياة ويخفت نور قنديل العادات الحجازية القديمة لم يعد للمسحراتي أي أهمية ولم تعد تراه إلا نادرا بعد أن كان هو الرجل المميز في شهر رمضان المبارك.
كان "المسحراتي" صاحب مهنة الشهر الواحد من العام وينحصر عمله فقط في هذا الشهر الفضيل، ومن المعروف أن لكل حي "مسحراتي" أو أكثر حسب مساحة الحي وعدد سكانه، ويبدأ المسحراتي عمله قبل موعد الإمساك بساعتين تقريباً، ويبدأ رحلته في إيقاظ سكان الحي والحارة استعدادا للسحور.
ويستخدم "المسحراتي" في عمله طبلة تعرف بـ "البازة"، إذ يُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى سير من الجلد أو خشبة يُطبل بها، و"البازة" عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبتة بمسامير وظهرها أجوف من النحاس وفيه مكان يمكن أن تعلق منه، وقد تسمى طبلة المسحر، أما الكبير من هذا الصنف فيطلق عليه "طبلة جمال"، ويردد المسحراتي بعض الجمل التراثية مثل "قم يا نائم وحد الدائم" و"السحور يا عباد الله".
وارتبطت أجرة المسحراتي ببعض التغييرات على مر العقود، ففي منتصف القرن الـ 19 كانت الأجرة مرتبطة بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، فمنزل الشخص من الطبقة المتوسطة على سبيل المثال عادة ما يعطى المسحراتي قديما مبلغاً زهيداً من المال كل ليلة، ولم يكن للمسحراتي أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس صباح يوم العيد، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء كانت ذرة أو قمحاً ولم يكن أجراً بالمعنى المفهوم ولكنه هبة يجود بها كل حسب قدرته.
ومن جهته أوضح لـ"الاقتصادية" وليد الجهني أحد سكان مدينة جدة "كان عمل المسحراتي من أهم المهن في رمضان وكنا نعتمد عليه كثيرا قبل أكثر من 30 عاما مضيفا تغيرات الحياة واندثرت هذه العادة الحجازية ولم تعد كسالف عهدها.وأضاف الجهني كنا نعطي المسحراتي كل ما تجود به الأنفس فمنهم من يعطيه قبل الإفطار ومنهم من يعطيه يوم العيد وتسمى عيدية "المسحراتي" .
وعلى الرغم من اختفاء كثير من الفنون المرتبطة بالمسحراتي سواء في القرية أو المدينة إلا أنه ما زال محتفظا بزيه التقليدي أثناء التسحير وهو الجلباب ممسكا بالطبلة أو الصفيحة ويطرق عليها بالعصا مناديا على كل سكان الحي كل باسمه داعياً إياهم للاستيقاظ للسحور.