إنقاذ الحيد المرجاني العظيم من لوثة صناعة الفحم الأسترالية
يعتبر فندق جراند فيو في البلدة الأسترالية الصغيرة بوين الواقعة في منطقة كوينزلاند الشمالية، بقعة من غير المحتمل أن تبدأ فيها ثورة، لكن اجتماع الاحتجاج هنا في أواخر عام 2012، الذي ضم عددا قليلا من السكان المحليين، قد تحول منذ ذلك الحين لينتشر على شكل معركة عالمية لإنقاذ الحاجز المرجاني العظيم، من شركات الفحم الكبيرة.
تجمع المحتجون لمناقشة خطة عمل من أجل منع إلقاء ملايين الأطنان من النفايات الجرفية في الحديقة البحرية للحاجز المرجاني العظيم، بحسب ما تقول ماريا ماكدونالد، القابلة التي تحولت إلى ناشطة.
وتضيف: "لا يمكننا أن ندع هذا يحدث، وأن نخاطر بتدمير منظومة الشعاب المرجانية الأكثر جمالا في العالم، وصناعاتنا في مجال الصيد والزراعة والسياحة".
الجماعات البيئية بما فيها جماعة السلام الأخضر والصندوق العالمي للطبيعة تتكفل بتمويل حملة بملايين الدولارات لإنقاذ الشعب المرجانية، أكبر الكائنات الحية على الأرض، التي تمتد لمسافة 2300 كم على طول ساحل ولاية كوينزلاند.
تهدد المعركة بإحراج الحكومة الأسترالية، التي يدعي المطالبون بأنها أخلت بواجبها في رعاية الشعاب المرجانية.
الشهر المقبل، ستقرر لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، التي أثارت مخاوف للمرة الأولى في عام 2011، فيما إذا كانت تريد إدراج الشعاب المرجانية في قائمتها التي تحتوي على "الأماكن المعرضة للخطر"، وهي خطوة تم تصميمها للضغط على الحكومات، للتحرك نحو بذل المزيد من جهود المحافظة القوية على الطبيعة.
تبين الدراسات العلمية حدوث تراجع حاد في صحة الشعاب المرجانية. توصل تقرير عام 2012 أن نصف الشعاب المرجانية كانت قد ماتت خلال السنوات الـ27 الماضية بسبب الأعاصير، والتقصير وسمك النجم ذي الأشواك والآكل للشعاب.
في الوقت نفسه، ظهرت أنواع الأسمدة الزراعية، وتطوير منافذ جديدة للغاز والفحم على طول ساحل ولاية كوينزلاند، وظاهرة الاحترار العالمي، كتهديدات للنظام البيئي الهش الخاص بالشعاب المرجانية.
يقول بول مارشال، أستاذ مشارك في مركز علوم التنوع البيولوجي والمحافظة على البيئة في جامعة كوينزلاند: "اعتقد الناس أن الشعاب المرجانية كانت منيعة بسبب حجمها وكونها تعد واحدة من أفضل الأنظمة المدارة في العالم، لكن الأمر لا يزال يذهب هباء، وهذا هو السبب في أن المعركة من أجل الشعاب المرجانية تستحوذ على اهتمام الرأي العام".
الكنز البحري
هنالك أكثر من 2500 نظام للشعاب المرجانية و900 جزيرة موجودة في المتنزه البحري للحاجز المرجاني العظيم، وهي منطقة مساحتها تعادل نحو حجم إيطاليا.
وهي تعد موطنا لبعض أنواع الحياة البرية الأكثر تنوعا على كوكب الأرض، بما في ذلك عديد من الأنواع المهددة بالانقراض، بدءا من "الآطوم" إلى أسماك القرش الرمادية.
ترفد الشعاب المرجانية قطاع صناعة السياحة بمبالغ قيمتها تراوح بين خمسة مليارات دولار أسترالي وستة مليارات دولار أسترالي (4-5 مليارات دولار أمريكي) في السنة، التي يعتمد عليها عديد من المجتمعات المحلية في ولاية كوينزلاند.
مع ذلك، تعمل المعركة على تقسيم المجتمعات والصناعات حتى الهيئات التنظيمية. إنها تعمل على تحريض صناعة الموارد القوية- أحد كبار أصحاب العمل- ضد تحالف يضم نشطاء الحياة الخضراء والمزارعين وشركات السياحة.
كما أنها تصبح مريرة بشكل متزايد، مع وصف السياسيين المحليين الناشطين بأنهم "شبه إرهابيين" لمعارضتهم للتنمية. في الوقت نفسه، تواجه شركات الفحم قضايا متعددة في المحاكم، التي تعمل على تأخير المشاريع وزيادة التكاليف.
لعبت الحملة دورا في هزيمة حكومة ولاية كوينزلاند السابقة. يركز النشطاء الآن على السياسات التي تركز على الفحم والمتبعة من قبل توني آبوت، رئيس الوزراء، ملقية ظلالا من الشك على مدى التزام حكومته للتصدي لمسألة تغير المناخ والحد من اعتماد الاقتصاد على الوقود الأحفوري.
شحنت أستراليا، ثاني أكبر مصدر للفحم في العالم بعد إندونيسيا، نحو 40 مليار دولار من الوقود في عام 2014. يوظف القطاع 50 ألف شخص مباشرة و150 ألفا آخرين في صناعات ذات صلة، لكن الانخفاض في قيمة السلع يدفع السلطات إلى التطلع إلى قطاعات الخدمات، كقطاع السياحة من أجل دفع النمو الاقتصادي.
تعمل ثلث مناجم الفحم في أستراليا بخسارة، وفقا لشركة جلينكور، المنتج الأكبر في البلاد. ويقول البعض إن الصناعة تمر في حالة تدهور هيكلي، بسبب صرامة تعليمات التقيد بمستويات الانبعاثات والطاقة المتجددة الرخيصة.
يقول تيم باكلي، المحلل لدى معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي: "إن استثمار عشرات المليارات من الدولارات في صناعة تصدير الفحم التي تحتضر، يعد أمرا غير منطقي من الناحية المالية".
مكافحة أنواع الوقود الأحفوري
قدمت المعركة المتعلقة بالشعاب المرجانية دفعة لحركة تنويع الاستثمارات العالمية، التي تهدف إلى إقناع المستثمرين بالتخلص من الوقود الأحفوري. لغاية الآن، تعهد 11 مصرفا من أكبر المصارف في العالم، بما في ذلك بنك إتش إس بي سي وبنك دويتشه، بعدم تمويل مشروع تنمية وتطوير الموانئ في "أبوت بوينت" أو منجم كارمايكل في أداني.
يقول مايكل روش، الرئيس التنفيذي لمجلس موارد ولاية كوينزلاند: "من المؤكد أنها سلمت سلاح دعاية قوي للمنظمات غير الحكومية، فهي جعلت المؤسسات المالية حذرة إزاء ارتباطها بمثل تلك المشاريع".
يكمن تطوير واحد من أكبر رواسب الفحم في العالم في حوض جاليلي القريب في جوهر النزاع، التي يدعي النشاط أنه يمكن أن يضخ 700 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي سنويا، على مدى ما يزيد على نصف قرن.
وهم يقولون إنه فيما تم تطويره، فإن هذا قد يسبب احترارا عالميا يتعذر إصلاحه، بحيث يمكن أن يؤدي إلى مقتل المرجان في تلك الشعاب، التي تعتبر حساسة جدا لتغيرات درجات حرارة المياه.
إن عمليات التجريف وإلقاء المواد الفاسدة- النفايات الفائضة المحفورة من قاع البحر- من أجل توسيع المنافذ المطلوبة لشحن الفحم تعمل بالفعل على تقويض قدرة النظام البيئي الهشة على التكيف.
يقول مارشال: "إنها الآثار التراكمية التي تعد مدمرة بشكل كبير جدا".
يرى الناشطون أن تنمية وتطوير حوض جاليلي، جنبا إلى جنب مع رمال القطران في كندا، يمثلان نموذجين لأكبر الرواسب المتبقية من مكامن النفط في العالم، من منطلق أنهما معارك رئيسية في الكفاح من أجل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. بيد أن المؤيدين للمشاريع يقولون إن مناجم الفحم التسعة المقترحة في حوض جاليلي قد تخلق فرصا أولية للعمل في مجال البناء تقدر بنحو 15 ألف وظيفة لاقتصاد ولاية كوينزلاند، وقد توفر طاقة رخيصة لمئات الملايين من الناس عبر قارة آسيا.
ويضيفون أيضا أنهم يمتثلون لجميع الظروف البيئية والتنظيمية في أستراليا، التي تعد من بين الظروف الأصعب في العالم.
يقول جياكومار جاناكاراج، رئيس صناعة التعدين في أداني أستراليا التي تسعى لبناء منجم كارمايكل، الذي تقدر تكلفته في حدود عشرة مليارات دولار أسترالي في حوض جاليلي: "ينبغي ألا يفرض الناس مشكلة ما دون إظهار حل لها".
هل في إمكانهم (النشطاء) تقديم الكهرباء للناس البالغ عددهم 300 مليون شخص في الهند؟ هل لديهم حل اقتصادي لانتشال 300 مليون شخص من الفقر؟.
لقد أصبحت شركة أداني، وهي مجموعة شركات هندية، نقطة محورية للحملة ذلك لأنها تمتلك ميناء آبوت بوينت، الذي تريد توسعته لتصدير أكثر من 100 مليون طن من الفحم سنويا.
العام الماضي، وافقت السلطات، بما في ذلك سلطة المتنزه البحري للحاجز المرجاني العظيم، الهيئة المستقلة والممولة من قبل الحكومة في الوقت نفسه، التي تدير الشعاب المرجانية، على خطط لجرف منطقة الميناء، وإلقاء أو تفريغ ثلاثة ملايين طن من المواد الفاسدة داخل الحديقة البحرية.
ذلك القرار أثار غضب الدعاة الذين أثاروا المخاوف إزاء أثر التصنيع على الشعاب المرجانية خلال عشر سنوات، الذي يعد طفرة استثمارات في التعدين تقدر في حدود 400 مليار دولار أسترالي.
ويقول النشطاء إن التجريف يمكن أن يدمر مواطن الأعشاب البحرية، التي تغذي المساحات التي توجد فيها أسماك الآطوم وغيرها من الحيوانات البحرية. وهنالك أدلة علمية متزايدة على أن الرواسب الملقاة في البحر يمكنها الانتقال إلى مسافات طويلة وبعيدة، وإتلاف نوعية الماء، التي تعد أمرا حاسما بالنسبة لنمو المرجان.
تظهر الوثائق، التي حصلت عليها جماعة السلام الأخضر بأن العلماء في المتنزه البحري، كانوا قد حذروا من أن رمي النفايات في البحر يشكل "خطرا غير مقبول" على الشعاب المرجانية. ويدعي النشطاء بأن السلطة انهارت بسبب الضغوط السياسية من قبل حكومة تعد قريبة جدا من صناعة الموارد.
قدمت شركة أداني تبرعا بقيمة 4.950 ألف دولار أسترالي للحزب الليبرالي الحاكم بين عامي 2013-2014 وتبرعا بقيمة 11 ألف دولار لحزب العمل.
على الأقل تم التبرع بمبلغ 2.3 مليون دولار للأحزاب السياسية من قبل صناعات مختلفة في التعدين والطاقة. ويقول شاني تاجر، الناشط في جماعة السلام الأخضر: "يعتبر تأثير شركات الفحم كبيرا، وجزءا من هذا التأثير هو في التبرعات المباشرة التي يتم منحها لأحزابنا السياسية".
ينفي راسل ريتشيلت، رئيس المتنزه البحري والرئيس التنفيذي، أي تدخل سياسي. ويقول: "لم يحصل هذا معنا أبدا من قبل. لقد عملت مع 18 وزيرا مختلفا خلال حياتي المهنية، ولم يحدث مثل هذا في نظامنا".على أن جون داي، الموظف السابق في المتنزه البحري يقول: "إن الحكومة وضعت مصالح التعدين ومصالح الميناء أولا قبل مصالح البيئة" وذلك في بعض الأماكن على طول الساحل.
يقول داي، الذي يعمل الآن في مركز التميز لبحوث ودراسات الشعاب المرجانية في جامعة جيمز كوك: "لقد كانت آبوت بوينت مثالا واضحا على ذلك".
أرغم احتجاج الجمهور، جنبا إلى جنب مع التهديد بقائمة اليونسكو، على إعادة التفكير في الشأن. هذا الأسبوع، وقع جريج هانت، وزير البيئة الأسترالي، على تعليمات ولوائح تحظر إلقاء المواد في البحر داخل الحديقة البحرية.
وقد نشر أخيرا خطة استدامة طويلة الأجل تسمى الشعاب المرجانية لعام 2050، وهي توصية رئيسية قدمتها لجنة اليونسكو العام الماضي. ولا يزال التجريف أمرا مقترحا في آبوت بوينت، لكن قد يتم إلقاء المواد الفاسدة الآن على اليابسة، ما يشكل خطرا أقل على الشعاب.
يقول هانت: "اتبعنا الإجراءات العلمية للنظر في كل من نقاط القوة والتحديات التي تواجه الشعاب المرجانية، وأعددنا خطة طويلة الأجل لغاية عام 2050، ويتم دعمها من قبل أكثر من ملياري دولار أسترالي خلال السنوات العشر المقبلة".
"أملي وإيماني وتوقعاتي هي أنها ستحذف من القائمة هذا العام" حسب قوله.
الإنذار المبكر بالخطر
يقول العلماء إن خطة الشعاب المرجانية لعام 2050 فيها كثير من العناصر الإيجابية، بما في ذلك مبلغ 100 مليون دولار أسترالي لحماية الشعاب، وأهداف لخفض كميات الرواسب والنيتروجين وكميات المبيدات.
الفجوة الكبيرة في الخطة هي الإجراء المتعلق بالتصدي لقضية التغير المناخي، كما يقولون.
يقول إيان ماك كالمان، مؤلف كتاب (الشعاب المرجانية: تاريخ جميل): "إن الشعاب المرجانية تعتبر الإنذار المبكر بالخطر المقبل من التغيير المناخي، والحاجز المرجاني العظيم يواجه الخطر الحقيقي بالانقراض بسبب احترار المياه في المستقبل".
تعتبر اللافقاريات البحرية الصغيرة جدا، أو مثيرات الأرجل، التي تفرز كربونات الكالسيوم لتكوين الشعاب المرجانية، حساسة بشكل غير عادي للتغيرات في درجات حرارة الماء.
عندما ترتفع درجة الحرارة فوق 31 درجة مئوية، يكون المرجان مضطرا لطرد الطحالب متعددة الألوان، التي تعيش داخل أنسجته، وهو تأثير يعرف باسم "التبييض". والهياكل العظمية المتبقية يمكن أن تتجدد إذا انخفضت درجات الحرارة وكانت ظروف نوعية الماء جيدة، لكن في كثير من الحالات، يتم تدمير نظم الشعاب المرجانية بأكملها.
ليست هناك دلائل تذكر على أن أستراليا مستعدة لاتخاذ إجراء من أجل التصدي لقضية الاحترار العالمي. إنها واحدة من أكبر البواعث في العالم لغاز ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد، وفي العام الماضي أصبحت أول دولة تلغي ضريبة الكربون.
تبدو احتمالات الحكومة بحدوث تباطؤ في عملية تطوير صناعة تعدين الفحم ضئيلة، أيضا. قال آبوت العام الماضي خلال افتتاح المنجم: "الفحم جيد للإنسانية، والفحم جيد للرخاء، وهو جزء أساسي من مستقبلنا الاقتصادي".
هذا الشهر، وصف مستشاره الرئيس للأعمال، موريس نيومان، ظاهرة التغير المناخي، بأنها مؤامرة من قبل الأمم المتحدة للاستيلاء على "السلطة السياسية المتركزة".
قالت جولي بيشوب، وزيرة الخارجية التي ستتفاوض حول هدف أستراليا في تقليل الانبعاثات في قمة باريس للتغير المناخي هذا العام، عندما سئلت حول إبقاء الفحم في باطن الأرض: "نحن لا نعتزم تدمير اقتصادنا على مذبح التغير المناخي".
بالنسبة للشركات السياحية مثل جان كلاكستون، مالكة (أوشين رافتينج) في جزر إيستر، يعتبر إدمان أستراليا على الفحم أمرا مثيرا للغضب. وتقول: "نحن نستثمر حياتنا في أعمالنا التجارية. نحن لا نتحدث حول 100 عام من الآن. نحن نتحدث حول 10-20 عاما من الآن. إذا كانت الشعاب المرجانية الخاصة بك تصارع الآن بالفعل للنجاة بسبب الترسيب وسوء نوعية الماء، فإنه لن يكون لديها أي فرصة في المستقبل".