القصة السعودية القصيرة .. رتابة التكرار وفقر المخيلة
القصة القصيرة لها متذوقوها الذين ميزوا الجيد والرديء منها، بل استطاعوا تجميد بعض الإصدارات على أرفف المكتبات، والمعارض، كونها لم ترق لمستوى القراءة أو الاهتمام. وعلى الرغم من أن البعض قد يسارع إلى اقتناء بعضها تبجيلا للقاص نفسه، إلا أن البعض قد يكون حذرا بالبحث عن مضمونها مسبقا، كما أن القصة في المملكة قد تتخذ الصبغة نفسها بالالتزام بموضوعات مكررة، لم تتجاوز الدراما المحلية أو تختلف عنها، في التزامها بقضايا الطلاق، أو الموضوعات التربوية. واستطاعت القصة أن تبلغ مرحلة الذروة مع ظهور المنتديات، والتخلص من مقص الرقيب باللجوء للنشر الإلكتروني الذي أفقدها قيمتها بالخلط بينها وبين البوح الخالي من الفكرة أو المضمون، ماجعل بريقها يخفت نوعا ما مع تغير التقنية، وتغير الاهتمامات البشرية.
###مشكلة الناقد
الأديب والقاص محمد منصور الشقحاء يرى أن هنالك توازنا فيما يتم طرحه، ولا يمكن لجنس أدبي أن يتفوق على الآخر، فلكل مريدوه، كما أن القصة تأتي في المقدمة بـ 150 إصدارا على مستوى المملكة، مضيفا أن الدراسات العلمية في الجامعة تثبت أن القصة محط اهتمام بالكيف أو الكم، مضيفا أن وضع كاتب القصة أيضا يعد طبيعيا، ولكن الإشكالية تكمن في الناقد المحلي الذي يُفضل المذهب النقدي، على معانقة النص الأدبي، والاهتمام بمضمون النص، وهدفه، وقضيته، كما أن البعض لجأ لمواقع التواصل الاجتماعي متنفسا للتخلص من رقابة الصحفي. وأضاف الشقحاء أن الفنون النثرية باختلافها لها قيودها، وتقاليدها، كما أن هنالك تقارب مهني بين كل هذه المجموعة.
ما يميز القصة أنها تحمل أو تسلط الضوء على قضية وليست رسالة، كما أن هنالك ترابطا بينها وبين الرواية في الحدث والمضمون، وبالإمكان أن تتحول القصة إلى رواية أو العكس، حسب قدرة الكاتب.
###كلنا نجامل
محمد الدليمي – رئيس تحرير مجلة نقطة فوق الهاء – المدينة المنورة – يقول "لاتكتب لمجرد الكتابة، إن لم تضف جديدا فيما ستكتب" وينصح بالابتعاد عن المجاملات من أجل إيجاد تصنيف، أو تقييم للمطروح في الساحة القصصية بالدرجات، وذلك لأن ما توفره الساحة القصصية مملوء بالأخطاء الأدبية والروائية، قائلا "مع الأسف نحن نجامل بعضنا البعض، الوزارة تجامل، دور النشر تجامل، القاريء يجامل، معارض الكتاب تجامل، والمجاملات لن تُخرج الكفاءات يوما، وهناك قلة من صنعت نفسها بنفسها بالخيال الخاص، واللغة الخاصة، وهناك أسماء كبيرة لا ترقى لمستوى القراءة حتى، وذلك لأن أدبهم ضعيف، لغتهم ضعيفة، لم يأتوا بجديد، لفقدان التشويق، وغياب التسلسل، وكأننا نقرأ مذكرات فتاة مراهقة تكتب يومياتها.
ويشير الدليمي إلى أن القصة إن كانت ظُلمت فهي ظلمت من مُعلمي من يكتبون، بعدم تزويدهم وتعريفهم بأدوات القصة في الأدب، الأمر الذي تسبب في فقدان الأفكار واللون الخاص، فمن يكتب لا بد أن يكون لديه مخزون ثقافي، ولا بد أن يقرأ في المجال الذي سيكتب فيه، مع الأسف الشديد كتاب القصة اليوم بالإمكان عدهم على الأصابع، فقلة من تفاجئك بفكر هادف، وفكرة جديدة، كما أن المطروح اليوم لا يضاهي القصة العالمية، فنحن ندور في فلك لا يكتب فيه إلا الأديب أو الهاوي، فلا نجد قصة للفيزيائي، أو الطيار، أو السباك، وما نحن بحاجة إليه هو الولوج إلى تخصص التخصص في القصة، والمطروح اليوم لا يتعدى الاجتماعي، والإشكاليات العامة المكررة، كما نحن ملتزمون بالمادة الممنهجة، فمثلا نجد الفيزيائي يكتب قصة تدور حول فايروس دقيق، وخصائصه، وكل مايدور حوله، لافتا إلى أننا لا نرغب في التقليد ولكننا في الوقت نفسه نريد ما لدينا، فلم لا نخرج بقصة خيالية من المدينة المنورة،
نستشفها من الواقع وتدور في المدينة، بدلا عن اللجوء للغة التقليدية والموضوعات المكررة التي تدور في خانة الاجتماعي، والتربوي، وقضايا الطلاق، والتلقين، والإشكالات العامة. وأشار إلى أن البعض قد يلجأ للترميز مع فقدان التراكيب البلاغية والمعاني، لافتا إلى أن 80 في المائة من الكتابات السعودية تميل إلى الترميز بسبب عدم القدرة على البوح خوفا من المجتمع، أو المسؤول، ولكن في رأيه أن "الجبان هو من يلجأ للترميز".
وأكد الدليمي ضرورة زرع ثقافة تقبل الناس للخيال، فلو كتبت قصة بتلميح بسيط سيكتشف القارئ أنها خيال، وما نحتاج إليه هو هذا الخيال البعيد عن القصص الاعتيادية، كما يتوجب توظيف الثقافة في النص، قائلا لا أحد يمكن أن يُحسب أديبا دون أن يدرس علوم البلاغة الثلاثة البيان، والمعاني والبديع ليصنع له اسما ولغة خاصة كنزار قباني وجبران خليل جبران اللذين خلقا لغتهما وأسلوبهما الخاص.
###محرّض ثقافي
القاصة عقيلة آل حريز عدت القصة القصيرة محرضا ثقافيا يسهم في إثراء ثقافة القارئ وقراءته للواقع والبحث، باعتبارها عملا أدبيا يصور حدثا أو عدة حوادث مترابطة، منوهة إلى أن مهمة القاص تقصيها من عدة جوانب لإكسابها قيمة إنسانية رفيعة مع الارتباط بالزمان والمكان والتسلسل وإظهار ما يتخللها من صراع مادي أو نفسي وما فيها من مصاعب وعقبات بطريقة مشوقة تنتهي إلى غاية معينة.
وأشارت آل حريز إلى أن النص الجيد، يبقى جيدا بغض النظر عن طوله أو قصره ونوعه وإنما قيمته الأدبية هي التي تفرض نفسها على الساحة الأدبية والفكرية وعلى ذائقة القارئ، فوحدة الفكر والموضوع معيار يتوافر في جميع الأجناس الأدبية، ورغم التباينات والالتباسات في تعريف الأجناس الحديثة وإدراجها فيه. من هنا يجيء تقدير كل جنس أدبي عن غيره حسب ما هيته ولونه، لافتة إلى أن المطروح اليوم يحتمل الوجهين، فيه الجيد كما فيه الرديء وهذا أمر طبيعي نتيجة التضارب والتسارع والتداخل والعجلة ما بين المتاح والمكبوت مسبقا.
ومع ذلك فالكتب كثيرة، ورقية أو إلكترونية لكن مهما كانت الضجة الإعلامية فالكاتب الجيد هو من يفرض حضوره برأيي، قائلة "قرأنا لكتَّاب أثيرت حولهم ضجة إعلامية كبيرة، ووجدنا الأمر مخيبا للآمال فبعضهم حصل على ترشح وفوز لجوائز عن إصداره، واكتشفنا أن هذا كله فرقعة تسويقية، بدليل أن كتابات قديمة لم يعد يعتنى بها اليوم ولم تحصل لا هي ولا كاتبها على ترشح واهتمام وفوز أو تقدير ما ولو بشكر صغير، لكننا لا يمكن أن نستثنيها من تصنيفات الأدب الرفيع أو الجيد حتى حين نتحدث عن هذا الأدب وطرازه الإبداعي".
#2#
وذكرت آل حريز أن الأجناس الأدبية لكل منها خواصه ومميزاته وحضوره ولا يمكن لأحد أن يشغل مكان الآخر فلكل عشاقه، لكن الناس تتباين في ذائقتها فيهم وإعجابها بفن أو آخر، فالشعر له عشاقه، وللرواية مهتمون، وللقصة منتخبون، كما للأجناس الأدبية الأخرى مريدون ومدافعون، مضيفة أن القصة إن كانت قد ظُلمت، فلأن دور النشر والناشرين ابتدعوا الاهتمام بجنس دون آخر للترويج له لإرضاء اهتمامات القراء وإغرائهم به، بدليل الأسعار الخرافية التي تباع بها الروايات في معارض الكتب ودور النشر فهي لا تخلو من موضة كاهتمام بها أيضا.
###قصة إلكترونية
وترى آل حريز أن النشر الإلكتروني والتطور الذي حصل في التنمية حظيت به الجوانب الفكرية والثقافية بصورة أو أخرى من دعم لحركة الفكر والإبداع والنشر، فأصبح النشر متاحا ولم يعد كالسابق صعبا أو حكرا على فئة معينة، فمثلا كجوانب إيجابية صار هناك اتصال وتواصل مباشر بين الكاتب والقراء وتبادل ثقافي بينه وبين الكتَّاب، إضافة للسرعة في اختصار الوقت وحصول القراء على متابعاتهم لإنتاج كتابهم المفضلين، لافتة إلى أن ميزة هذا الاحتكاك هو تبادل الفكر والثقافة وتقوية أدوات الكتابة، فكلما تعرفت إلى تجربة كاتب ما واطلعت على مصادره في المعرفة، أضفت تجربته لتجربتك واختزلتها بتجاربك الخاصة واعتصرتها لتنتج ما يميزك وهذا بالضبط ما يحصل اليوم، وإن لم يخل الأمر أيضا من سلبيات فليس كل كاتب ماهر ومؤهل للكتابة بصورة جيدة، لذا فنحن نجد الغث والسمين في اقتحام ساحة الذائقة الأدبية للقراء.
ولكنها ترى في الوقت نفسه أن الكتاب الورقي رغم هذا الانفتاح الهائل يبقى ذي مكانة رفيعة رغم لجوء البعض للنشر الإلكتروني أو الاقتناء الإلكتروني لسهولة الحصول عليه وقلة التكلفة وخفة الوزن وغيرها، لكن لأن ثقافتنا محدودة في مسألة النشر الإلكتروني وحقوقه ولأن مستخدمي الإلكترونيات أقل في هذا المجال منهم في الوزن والمنافسة الشديدة بينهما، على الرغم من أن التطور الإلكتروني ساهم بسرعة النشر والترويج للكتب والتعريف بالكتَّاب ومؤلفاتهم وسرعة التداول، لكن هذا ليس إلغاء للنشر الورقي بدليل معارض الكتاب ودور النشر واكتساحها للساحة الثقافية كتظاهرة أدبية ثقافية وإقبال مهول من القراء على معارض الكتاب رغم المبالغة في أسعارها، فالنشر الإلكتروني افتتح آفاقا جديدة للنشر الورقي وساهم في مواكبته فكثير من دور النشر تنشر كتبها وتضيف لها أقراصا مدمجة أيضا كنوع من التمازج والمواكبة.
###جدارة النشر
القاصة "عصية الدمع" لُبانة إبراهيم آل بزرون التي تحضِّر لإصدارها الأول اعترفت بأن الكتابة الإلكترونية صقلتها وأوجدت لها طريقة اكتسبت من خلالها بصيرة إلى حد ما، خاصة فيما يتعلق بما يريده الجمهور، والنهاية التي يُفضلها، وفي الوقت ذاته فيما يتعلق بالأسلوب، قائلة بأن المشكلة التي يعانيها الكتاب المبتدئون هي فقدان التوجيه، وخاصة أن طباعة المنتج القصصي تتطلب دراية بالخطوات التي يتطلبها هذا الأمر، مشيرة إلى أنها حتى وصلت للدار المتبنية لإصدارها، كانت جاهلة تماما بالوجهة التي تتوجه إليها، ولمن تلجأ، عدا عن أنها لم تكن تفقه شيئا في الخيارات المادية التي أمامها، لجهلها بإمكانية تكفل الدار بكل تلك الأمور، قائلة بأنها لجأت لأحد الكُتَّاب الذي وجهها بدوره لإحدى دور النشر التي رحبت بما قدمته، كاشفة بأن التفاصيل أخذت منها سنة كاملة لتغيير بعض التفاصيل، وإعادة الصياغة لغويا، إلى جانب تغيير بعض الأحداث.
وعزت آل بزرون سبب الركود الذي يصيب بعض الكتَّاب، الانشغال ما يسبب لهم الابتعاد قسرا، وأحيانا كثيرة يكون فقرا في المخيلة، ما يدفعهم للابتعاد إن لم يكن هنالك شيئ يستحق تقديمه.
وترفض لُبانة النشر الإلكتروني لمادة تستحق النشر الورقي، مؤيدة للفكرة التي تقول "لا تكتب لمجرد الكتابة" ذلك أن الكتابات ليست في مجملها جديرة بالنشر حتى وإن كانت القصة متنفسا رائعا وراقيا للتعبير عن الذات، فأحلام مستغانمي مثلا في ثلاثياتها فوضى الحواس وعابر سرير وذاكرة الجسد، كانت رائعة ولغتها فريدة من نوعها لكن بعد عدة سنوات غياب كتبت الأسود يليق بك، التي كانت استنساخا لما قبلها.