الحوثيون يخنقون الصحافة اليمنية
تتجول ميليشيا الحوثي في شوارع صنعاء، ومن هواتفهم ومسجلات مركباتهم، يتعالى صوت زعيمهم عبدالملك الحوثي مهدداً بالحرب على الداخل والخارج، ومن سيارات النقل العادية تتسرب أناشيدهم المشحونة بحب الحرب والجهاد، تبعاً لهيمنة الخطاب الذي فرض نفسه بقوة السلاح على المشهد العام.
ومثلما اختفت نخبة الصحف من الأكشاك، تقلصت موجات الراديو أيضاً، وصار على المستمعين فقط السماع لإذاعة "سام" التابعة للجماعة أو إذاعة "يمن إف إم" التابعة للرئيس المخلوع، كذلك صارت مساحة البث التلفزيوني من اليمن متاحة فقط للقنوات التابعة والمؤيدة للحوثي وصالح.
جميع الوسائل المسموحة بالبث والنشر، تعكس خطابا واحدا، هو نفسه خطاب الكراهية وفقاً لمتابعين، إذ يعكس وجهة نظر الجماعة التي ابتلعت الدولة وذهبت لتوزيع العنف على الفضاء العام.
وفي حين يتداعى غضب الداخل والخارج ضد هيمنة الجماعة وتطرفها وحربها على اليمن واليمنيين، إلا أنها مصرة على ألا تحيد عن مسارها، وذلك يعني محاربة الحقيقة وإسكات التغطية الإخبارية الناقدة.
منذ انطلاق عملية عاصفة الحزم في الـ26 من آذار (مارس) الماضي، قامت الجماعة باقتحام عدد من مكاتب القنوات اليمنية والعربية المعارضة لها في صنعاء، إضافة إلى حجب أكثر من 20 موقعا إلكترونيا يمنيا ومواقع إخبارية عربية عن الجمهور، وشمل الحجب موقع تويتر للتواصل الاجتماعي.
وكان مسلحو الجماعة قد دهموا مقار أربع قنوات تلفزيونية محلية، هي السعيدة، وسهيل، ومعين، ويمن شباب, وأوقفوا بثها من صنعاء، كما اقتحموا مكتب قناة الجزيرة وعبثوا بآلاتها الإعلامية، وأجهزتها.
كما شملت عمليات الاقتحام والإغلاق والنهب صحفا يومية أبرزها صحيفة "المصدر". وسبق ذلك السيطرة على مؤسسة الشموع الإعلامية، وأوقفت صحيفة "أخبار اليوم" اليومية، الصادرة عنها، كما جرى نهب مطبعتها ومحتويات مقرها في صنعاء.
في المقابل، جرى إغلاق القنوات اليمنية الرسمية الأربع، وهي اليمن، وسبأ، وعدن، والإيمان" بطلب من الرئاسة اليمنية الخاضعة للحوثيين.
بداية الحرب
الحرب ضد الحريات، لم تصل في فترة من التاريخ اليمني المعاصر إلى هذا المستوى من الشراسة والهمجية بحسب صحافيين. حتى في ذروة توحش النظام السابق، يقول مراقبون: كان هامش الحريات متاحاً إلى حدِ ما، على الرغم من التغطيات الإعلامية المناهضة والناقدة بشراسة.
وعقب سيطرة الحوثيين على صنعاء, واستيلائهم على الإعلام الرسمي، برزت موجة الحرب على الحريات بدءاً بإغلاق فضائية "عدن" الرسمية التي تبث من مدينة عدن، والتي كان الرئيس عبد ربه منصور هادي قد اتخذها عاصمة مؤقتة لليمن في شباط (فبراير) الماضي.
وعند استكمال سيطرتهم على كل مؤسسات الدولة، شرعوا في تضييق هامش الحريات المتبقي في البلد، وشنت ميليشياتهم موجة انتهاكات متنوعة بصورة شبه يومية وغير مسبوقة، ضد العاملين في المجال الصحافي والإعلامي خلال فترة وجيزة، إلى درجة أن نقابة الصحافيين اليمنيين قالت إن الحريات الصحافية في اليمن تشهد أسوأ مراحلها منذ إقرار التعددية السياسية عام 1990!
لم تكتفِ جماعة الحوثي بهذه الانتهاكات، فذهبت لارتكاب مذبحة إعلامية بغطاء قانوني، من خلال إيكال المهمة لوزارة الإعلام التي خرجت ببيان رسمي تؤكد فيه أنها ستتخذ الإجراءات القانونية الرادعة والصارمة التي قد تصل إلى حد الإغلاق لأي وسيلة إعلامية تعمل على إثارة الفتن والقلاقل، "والتعرض بالقدح والسب لثورة شعبنا الأبي ولدرع الثورة المتمثل في الثوار.."، على حد قولها!
ومع ذلك لم تنتظر الجماعة إجراءات الوزارة، وقامت بهجمة شرسة توجت بخطاب زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي الأخير بالتزامن مع انطلاقة عملية عاصفة الحزم، الذي أعلن تشكيل جبهة إعلامية "للتصدي لكل الحملات الخائنة" ليثير المخاوف لدى الوسط الصحافي!
عقب ذلك أصدرت اللجنة الأمنية العليا التابعة للجماعة تعميماً حذرت فيه من أي تداول أو تخابر بأي معلومات سواء كان عبر الاتصالات السلكية أو اللاسلكية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي what’s app أو facebook أو Twitter أو غيرها من وسائل التجسس الأمريكية والصهيونية. كما جاء في بلاغها.
ونص التعميم على عقوبات تصل إلى حد الإعدام، بحق من ثبت تورطه في كل ما سبق، إضافة إلى منع استخدام كاميرات الهواتف والكاميرات الذكية الرقمية لتصوير أي مواقع أو ثكنات أو مكاتب حكومية.
دليل همجية وإفلاس
الكاتب والباحث اليمني فيصل علي اعتبر تعامل الحوثيين مع الإعلام المناهض لهم، كتعاملهم مع الدكاكين التي لا تدفع لهم الخمس". لافتاً إلى جهلهم بالحقوق والحريات. فهم كما يقول: "مجرد بدو قرويين قادمين من كهوف صعدة ومعدومي الثقافة، واعتقادهم يتركز على شخص سيدهم، وهذا كل ما يفهمونه في الدنيا".
وأشار الدكتور فيصل علي إلى أن "إغلاق المواقع والصحف والقنوات دليل على تلك البداوة، ودليل عدم فهم الجماعة معنى إعلام، إضافة إلى إفلاسهم وضعفهم". منوهاً إلى أن الحرية قوة، ومحاربتها جبن وهمجية.
ويذكر أن سكرتير لجنة الحريات في نقابة الصحافيين اليمنيين أشرف الريفي وصف في وقت سابق ما قام به الحوثيون بحق وسائل الإعلام والصحافيين، بأنه "توجه ممنهج" لقمع الحريات والأصوات المخالفة لهم.
125حالة انتهاك خلال الربع الأول
وطبقاً لمنظمة "صحفيات بلا قيود"، فإن 125حالة انتهاك تعرض لها الصحافيون والإعلاميون خلال الربع الأول من العام الحالي، بينها أربع حالات قتل. وبين التقرير أن 40 حالة انتهاك حدثت في يناير، فيما بلغت في فبراير 45 حالة و40 حالة انتهاك في مارس.
ووثقت المنظمة 40 حالة انتهاك تعرض لها الصحافيون والإعلاميون خلال مارس من العام الحالي، توزعت ما بين قتل واعتقال واختطاف واعتداء وإغلاق صحف واحتلال مقرات قنوات فضائية وحجب مواقع وتهديد بالتصفية، فيما تواصل ميليشيات جماعة الحوثي وقوات الأمن الموالية لها تصدرها قائمة المنتهكين.
وقالت المنظمة إن ما حدث من انتهاكات جسيمة للصحافيين والإعلاميين خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي يضاعف القلق المتزايد الذي أصبح يهدد ما تبقى من هامش حرية الرأي والتعبير في بلادنا. معتبرة استمرار الاستهداف للصحافيين انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان ومحاولة لإسكات الحقيقة التي يعمل الصحافيون لنقلها للجمهور.