جولات الملك سلمان الخارجية .. تمرّس سياسي وبُعد نظر استراتيجي

جولات الملك سلمان الخارجية .. تمرّس سياسي وبُعد نظر استراتيجي
جولات الملك سلمان الخارجية .. تمرّس سياسي وبُعد نظر استراتيجي
جولات الملك سلمان الخارجية .. تمرّس سياسي وبُعد نظر استراتيجي
جولات الملك سلمان الخارجية .. تمرّس سياسي وبُعد نظر استراتيجي

اليوم وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يعتلي سدة الحكم بينما التحديات السياسية في المنطقة تتزايد، يستذكر كثير من المحللين السياسيين الجولة الدولية التي قام بها الملك حين كان وليا للعهد إلى كل من آسيا وأوروبا وما أثمرته من نتائج ومفاهمات مع مختلف زعماء وقادة الدول الشرقية والغربية، مؤكدين أن التمرس السياسي والتفكير الاستراتيجي للملك سلمان منذ أن كان وليا للعهد إضافة إلى ما ضخه بقراراته الأخيرة من دماء جديدة في الحكم كفيلان بأن يضمنا سياسة سعودية أكثر نشاطا وفاعلية.

###جولة آسيوية

من قلب السعودية الرياض، اختار الملك سلمان بن عبدالعزيز أن تنطلق جولته باتجاه الشرق في رسالة قوية، بحسب كثير من المراقبين، تدلل على استقلالية الدولة السعودية وبعدها عن حسابات المحاور أو التكتلات التي تجعلها دائما في صف دول بعينها. لتؤكد أن سياستها تقوم على ثوابت رئيسة، أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج والجزيرة العربية والدول العربية والإسلامية، بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول ويدافع عن قضاياها. فكان هذا الاستهلال باتجاه الشرق بادرة ثقة وتواصل رحبت به الأوساط السياسية في القارة الصفراء وقابلته بكثير من الود والترحيب.
#2#
وعلى مدى شهر كامل، كانت هذه الجولة التاريخية التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز، محط اهتمام السياسيين الغربيين قبل الشرقيين قارئين ومحللين لما يمكن أن تقدمه هذه الجولة من مكاسب على القارة الصفراء مقابل ما يمكن أن تجلبه من خسائر على اقتصادات الغرب وسياساته. منطلقين من حقيقة سياسية واضحة للمجتمع الدولي. ألا وهي الثقل السياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية. وبالتالي فإن أي خيارات شراكة مستقبلية ستكون مكسبا لا يستغني عنه كثير من الدول وفي مقدمتها الدول الغربية العظمى.

###باكستان

ومع ذلك كانت الرسالة الأقوى والأكثر سطوعا لجميع الدول بما فيها دول الشرق الأقصى هو اختيار باكستان البلد المسلم، ذي العلاقات المميزة تاريخيا وعسكريا مع المملكة لتكون هي المحطة الأولى لزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز.

العلاقات بين باكستان وبين السعودية علاقات تاريخية تتسم بطبيعتها الأخوية منذ استقلال باكستان وانفصالها عن شبه القارة الهندية وتمتد لأكثر من 67 عاماً، ولطالما شكلت الدولتان لبعضهما عمقا استراتيجيا. فالسعودية تمثل دعما قويا لاقتصاد باكستان من خلال كثير من التعاملات منها حوالات العمالة الباكستانية التي يقدر عددها بأكثر من 1.5 مليون. إضافة إلى التعاون العسكري بين البلدين، من خلال إمكانية إنشاء صناعات عسكرية متقدمة ومشتركة، تصب في خدمة البلدان وفي وضعهما الإقليمي.

###اليابان

أما فيما يتعلق بزيارة اليابان، يقول المحلل والكاتب علي العنزي، العلاقات السعودية - اليابانية تمتد إلى أكثر من 58 عاماً، وهي راسخة ومتطورة في المجالات كافة، خصوصاً الجانب الاقتصادي، فقد وصلت صادرات المملكة لليابان إلى أكثر من 60 مليار دولار، وهي تتصدر صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، متفوقة على صادرات المملكة إلى كل من الهند وكوريا الجنوبية.
#3#
كما أن الواردات اليابانية إلى المملكة وفي جميع المجالات تملأ الأسواق السعودية، فالعلاقات السعودية - اليابانية بدأت منذ اكتشاف النفط في المنطقة المحايدة (الخفجي)، وبدأت شركة الزيت العربية اليابانية باستخراجه، واستمرت حتى خروج الشركة في بداية عام 2002، لكن اليابان عادت واستثمرت في قطاع البتروكيماويات في شركة بترورابغ، ما يؤكد أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين.

ومن هذا المنطلق، وإيماناً من المملكة بأهمية تنويع الخبرات العلمية والاستفادة من كل ما هو جديد ومتطور، يضيف العنزي، قامت بابتعاث عديد من الطلاب، سواء من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين الابتعاث الخارجي أم من خلال الابتعاث المباشر من مختلف القطاعات الحكومية، وذلك لإكمال دراستهم في اليابان والاستفادة من التقدم العلمي الذي وصلت إليه.

###الهند

أما زيارة الهند كمحطة ثالثة في الجولة فقد نتج عنها تحريك متقدم في عدد من الملفات الاقتصادية والتجارية والسياسية والثقافية، من أجل تعزيز الروابط وعلاقات التعاون بين الجانبين. كما وقع الطرفان عدداً من الاتفاقيات في مجالات مختلفة كالتجارة والاستثمار وقطاع الطاقة، وسبق أن وقعا كثيرا منها مثال: مذكرة تفاهم حول مكافحة الجريمة، إضافة إلى مواقف الهند من أحداث الشرق الأوسط،
ومكافحة الإرهاب، والملف النووي الإيراني.

###جزر المالديف

بالنسبة إلى زيارة جزر المالديف، التي استغرب بعض المحللين جدولتها في هذه الجولة دون كثير من الدول الأكثر أهمية من حيث الثقل السياسي والاقتصادي شرقا، تلفت إلى حكمة الملك سلمان وثقافته التاريخية التي اشتهر بها. لتأتي هذه الزيارة تقديرا للعمق الثقافي والديني لجزر المالديف. فكانت الزيارة في رمزيتها تحمل الكثير من تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية والدينية بين البلدين، فالذي لا يعرفه كثير من الناس عن هذا البلد أنه بلد مسلم، بنسبة 100 في المائة. حيث كانت جزر المالديف مستعمرة بريطانية لمدة 78 عاماً، حتى استقلت في عام 1965، وتتكون من 1199 جزيرة، منها 202 جزيرة مأهولة، وعدد سكانها قرابة النصف مليون نسمة، وذات موقع استراتيجي في آسيا من الحكمة بمكان استغلاله ودعمه بعلاقات جيدة وبناءة تخدم الطرفين.

###الصين

كانت الصين هي آخر محطات جولة الملك سلمان الآسيوية التي شملت باكستان واليابان والهند وجزر المالديف، وشهدت الزيارة الرسمية التي امتدت ثلاثة أيام مباحثات اقتصادية وسياسية وعسكرية. وهي الزيارة التي وصفها المراقبون بالأهم والأكثر تأثيرا. فالصين هي الدولة المرشحة لقيادة العالم اقتصادياً عام 2019.

وفي هذه الزيارة التي توقعها كثير من المراقبين زيارة اقتصادية بالدرجة الأولى، فاجأ الملك سلمان كثيرين بطرحه للأزمة السورية كقضية محورية للنقاش، إذ أبلغ الرئيس الصيني، شي جين بينج، تطلع المملكة إلى تعاون مع الصين لإنهاء الأزمة السورية. مقدرا في الوقت ذاته دور الصيني الإيجابي تجاه القضية الفلسطينية.
#4#
وقال الملك سلمان في كلمة له خلال حفل الاستقبال الذي أقامه بينج في بكين: "نتطلع إلى التعاون مع حكومة جمهورية الصين الشعبية لتحقيق الحل السلمي العاجل للمسألة السورية، وفقاً لبيان جنيف الصادر عام 2012، بما يكفل حقن دماء الأبرياء وإنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة". وأكد أن "المملكة العربية السعودية تقدر مواقف جمهورية الصين الشعبية الإيجابية تجاه القضية الفلسطينية، ونتطلع إلى الصين بصفتها قطباً دولياً ذا ثقل سياسي واقتصادي كبير بأن تقوم بدور بارز لتحقيق السلام والأمن في المنطقة".

وأضاف أن الهدف من الزيارة هو "الحرص على توثيق أواصر التعاون، وتعميق الحوار والتواصل، وتنمية علاقاتنا الثنائية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية والاستثمار والطاقة والتعاون الأمني". وأشار الملك سلمان إلى أن "من شأن ترسيخ هذه العلاقة الاستراتيجية بين بلدينا على هذه المبادئ الخيرة، أن يسهم على نحو كبير في معالجة المشكلات والاضطرابات الإقليمية والدولية".

في المقابل أكد الرئيس الصيني متانة العلاقات الوثيقة بين المملكة والصين، واهتمام الصين بتطوير العلاقات مع المملكة، مستذكرا ومقدرا المساعدة التي قدمتها المملكة للصين إبان تعرّض إحدى مدنها للزلزال. ونوّه بتبادل الزيارات بين البلدين على أعلى المستويات وسعي حكومة البلدين إلى تعزيز التعاون القائم بينهما، مؤكداً أن الملك سلمان يعتبر صديقاً قديماً للصين، حيث قدم مساهمات كبيرة من أجل تطور التعاون بين المملكة العربية السعودية والصين، ما أضفى الكثير إلى العلاقات بين البلدين الصديقين.

###جولة أوروبية

وبعد هذه الجولة وما حملته من فوائد إيجابية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية للمملكة، بشهادة كثير من المراقبين، كانت العودة لأرض الوطن ما هي إلا وقت مستقطع واستراحة محارب لجولة أخرى تقصد الغرب هذه المرة.

توجّه الملك إلى أوروبا حيث حطّ رحاله في مملكة النرويج ومن ثم ألمانيا الاتحادية حيث كانت له محطات مهمة خلال الجولتين، وصولا إلى إسبانيا التي كانت رحلته إليها غاية في الأهمية، خصوصا أنّ المملكة العربية السعودية تحتل مركزا متقدما بين دول العالم في المجالات الرسمية والشعبية .. على المستوى السياسي، والاقتصادي .. وهما الركيزتان الأساسيتان في علاقات الدول بين بعضها، وفي مكانة أي دولة في العالم.

وكان أن ناقش الملك سلمان مع زعماء هذه الدول كثير من الملفات التي تهم العالمين العربي والإسلامي. إذ عرف عن المملكة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بأنها دائما ما تهتم بكافة القضايا التي تشغل بال المواطن العربي والمسلم وأمنه واستقراره حتى لو لم تكن ذات علاقة مباشرة بالمملكة. وهو ما يدركه الملك سلمان جيدا وما أخذه على عاتقه لطرحه ومناقشته في هذه الزيارات.

###مفكر استراتيجي

كثير من التقارير نقلت إثر هذه الجولات عن كثير من المختصين قولهم إن الأمير سلمان "مفكر استراتيجي، ويتمتع بكاريزما خاصة، ويملك مهارات سياسية"، مؤكدين أن جولته "شهدت عديدا من الاتفاقيات الأمنية والدفاعية والاقتصادية والثقافية، واتفاقات في مجال مكافحة غسل الأموال، إلى جانب مشاركة المعلومات الاستخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب واتفاقيات للتعاون في المجال العسكري".

فيما قال المحلل السياسي عبدالله بن عبدالرحمن الحمد أن توجّه السعودية ودول خليجية أخرى نحو تفعيل العمق الاستراتيجي لعلاقاتها الخارجية لا ينفصل عن بوادر الفتور التي اعترت أخيرا العلاقات الأمريكية ـــ الخليجية على خلفية موقف واشنطن من القضية السورية، وضبابية السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وتوجهها إلى تطبيع العلاقات مع إيران من دون أن تقدم طهران ضمانات حقيقية بشأن سلمية برنامجها النووي. يبقى أن السياسة السعودية في مجملها مبنية على أسس ثابتة من أهمها على الإطلاق، حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير، وهذا ما تؤكده القيادات السعودية دائما وأبدا.

الأكثر قراءة