الطاقة الشمسية .. مصدر متجدد للطاقة والتنمية المستدامة
تعتبر الطاقة الشمسية الحصان الأسود في حلبة السباق الدائر بين الدول في مجال البحث عن مصادر جديدة للطاقة، وفي الأسبوع الماضي نشرت وكالة الطاقة الدولية تقريراً على درجة كبيرة من الأهمية عن الطاقة الشمسية قالت فيه: إن الطاقة الشمسية ستكون أكبر مصدر للكهرباء بحلول عام 2050 بسبب انخفاض تكاليف معدات توليد الطاقة الكهربائية، وأضاف التقرير: إن الأنظمة الضوئية الشمسية (الكهروضوئية) سوف تولد ما نسبته 16 في المائة من الكهرباء في العالم، كما أن أنظمة الطاقة الحرارية الشمسية سوف تولد نحو 11 في المائة أخرى.
وبالنسبة للأسعار، فإن الأسعار التنافسية لسعر الكيلو واط / ساعة من محطات الطاقة الشمسية تراوح بين 8 و 15 سنت دولار أمريكي، وهو ما يعادل نصف سعر الكهرباء المستمدة من الوقود الأحفوري، إلى جانب أنها لن تكون ملوثة للبيئة، بل ستكون صديقة للبيئة وستسهم في خفض غازات الاحتباس الحراري الذي أصبح من أخطر الأضرار التي تهدد استمرار الحياة فوق كوكب الأرض، وأشار التقرير إلى أن الانخفاض السريع في تكلفة المعدات والأنظمة الكهروضوئية في السنوات القليلة الماضية فتح آفاقا جديدة للتوسع في استخدام الطاقة الشمسية كمصدر رئيس للكهرباء، ولذلك فإن اللوحات الكهروضوئية أسرع تقنيات الطاقة المتجددة نمواً في العالم رغم أن الطاقة الشمسية ما زالت تشكل أقل من 1 في المائة من السعة الإنتاجية للطاقة في العالم، وأكد التقرير أن العالم استطاع في السنوات القليلة الماضية أن يحقق سلسلة إنجازات رائعة في تطوير التقنيات وتحديد الأفضل منها والأنسب للاستخدام.
والجميل أن المملكة العربية السعودية كانت تدرك منذ وقت مبكر أهمية البحث عن الموارد البديلة للنفط، ولذلك قررت الحكومة السعودية منذ نصف قرن تقريبا تأسيس مؤسسة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ثم أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في عام 2010 بتأسيس مؤسسة الملك عبد الله للطاقة البديلة والمتجددة.
إن الطاقة الشمسية والطاقة النووية تظلان في مقدمة موارد الطاقة البديلة التي يمكن تحويلهما إلى موارد مهمة للطاقة، ولكن جنبا إلى جنب مع مورد البترول الذي لا يمكن الاستغناء عنه ــ على الأقل ــ في الأمد المنظور.
وأزعم أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قامت ببناء ما كان يعرف بالمجمع الشمسي لإنتاج الطاقة الكهربائية في القرية الشمسية التي أقيمت في محيط ثلاث قرى هي العيينة والجبيلة والهجرة التي كانت تقع في شمال العاصمة الرياض، ولكنها الآن أصبحت جزءا لا يتجزأ من العاصمة الكبرى الرياض، كذلك فقد نظمت مدينة الملك عبد العزيز نظمت ندوة عالمية في قرية العيينة إحدى القرى الثلاث التي يتكون منها المجمع الشمسي، وكان الهدف من الندوة العالمية هو تقييم نتائج التجربة السعودية في مجال استخدامات الطاقة الشمسية، وحضر الندوة كبار العلماء من كل أنحاء العالم، ولقد أجمع العلماء الذين حضروا من أوروبا وأمريكا على أن النظام الذي توصلت إليه المملكة في القرية الشمسية يعد من أوائل الأنظمة الشمسية على مستوى العالم، وأكدوا خلال الندوة أنه لم يتم إنشاء مشروع يماثل هذه القرية من حيث الحجم والنوعية التي ترقى إلى مستوى ما وصل إليه الغرب من تقدم في مجال الطاقة الشمسية.
وإذا كانت خلايا الطاقة الشمسية في الماضي باهظة الثمن وكان من الصعب الحصول عليها .. إلا أنه الآن كثر إنتاج الخلايا وحدثت ابتكارات جديدة وحديثة مما أدى إلى انخفاض أسعارها وأدى إلى التوسع في استخدامها سواء في الاتصالات اللاسلكية أو في إنتاج الطاقة الكهربائية لتزويد القرى النائية، كما استخدمت الطاقة الشمسية في الساعات وفى الآلات الحاسبة، وهناك في حياتنا العادية توسع كبير في استخدام الطاقة الشمسية، وبالذات في إنتاج الماء والكهرباء.
ولقد ثبت من البحوث التي أجرتها الجامعات السعودية أخيراً أن الطاقة الشمسية من أفضل أنواع الطاقة على وجه الأرض لعدة اعتبارات فهي طاقة صديقة للبيئة نظيفة لا تحدث تلويثا عند استخدامها، وهي طاقة مستمرة وباقية ما دامت الحياة، وهي طاقة مجانية ومتوافرة في جميع الأراضي التي تسقط عليها أشعة الشمس، كما أنها طاقة عالية الحرارة.
ومن نعم الله علينا أن مخزون المملكة العربية السعودية من الطاقة الشمسية يفوق مخزون أي دولة أخرى في العالم، ولهذا يمكننا التأكيد أن الطاقة الشمسية هي إحدى الثروات الطبيعية التي أغنى بها الله سبحانه وتعالى هذه البلاد الخيرة.
وهذا يعني أن المملكة كانت تتحسس ــ منذ زمن بعيد ــ التهديدات التي كانت تتهدد البترول، وأنها اتخذت الخطوات الإيجابية باتجاه البحث عن بدائل للطاقة.
صحيح أننا في ذلك الوقت لم نكن متعجلين ونشطين بالقدر الكافي إزاء البحث عن موارد متجددة للطاقة .. إلا أن الوقت ما زال بين أيدينا، وقد اتخذت أخيرا مؤسسة الملك عبد الله للطاقة البديلة والمتجددة خطوات إيجابية متقدمة سوف تعوضنا عما فاتنا من وقت.
إن المملكة العربية السعودية أعدت خطة مفصلة لتوليد الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية ستضع البلاد في عام 2032 في مصاف أكبر خمس دول منتجة للطاقة الشمسية في العالم.
ومقارنة بألمانيا التي تعتبر إحدى الدول المتقدمة في استخدام الطاقة الشمسية، فإن معدل الإشعاع العادي المباشر يوميا يصل إلى 3,39 كيلو واط / ساعة لكل متر مربع، بينما معدل الإشعاع العادي المباشر في الرياض يبلغ 6,68 كيلو واط / ساعة، ويصل إلى 8,60 كيلو واط / ساعة في جدة على ساحل البحر الأحمر.
وأتصور أن الظروف الآن لاستغلال الطاقة الشمسية وتطويرها أفضل مما كانت عليه قبل أكثر من 30 عاما، إذ إن العلم حقق تقدما مذهلا في مجالات الحاسبات وتوصل إلى معجزة الاتصالات عبر الإنترنت والفضائيات بكل أشكالها وألوانها، وهذا من شأنه أن يثري أبحاث الطاقة الشمسية ويكسبها المزيد من الفائدة والانتشار لمصلحة برامج التنمية المستدامة ومشاريعها.