عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته

عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته

عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته
عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته
عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته
عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته
عزيز ضياء.. اختار لنفسه اسما أدبيا تكريما لزوج والدته

أن تكون في حضرة "مكان" شهد الكثير من الأحداث المهمة، فكرا وحضورا، فهذا يجعلك تستحضر روح صاحب المكان وتفاصيله الصغيرة بالقدر ذاته الذي تستحضر فيه تفانيه ومجهوداته الكبيرة على مستوى المعرفة والوطن.

ففي الثمانينيات المعروفة بطابعها المعرفي المتميز على مستوى الثقافة والإعلام، استقطع الراحل عزيز ضياء لنفسه جزءا من مساحة الفناء الخارجي، ليصنع في منزل العائلة في جدة مكانا لمكتبته الخاصة والأثيرة على قلبه، بما تحويه من كتب. حدَث أن باع مثلها في زمن مضى، تحت ضيق العوز والحاجة. وهذه المكتبة هي المكان ذاته الذي شرفه خادم الحرمين الملك عبد الله، في لفتة معبرة وحانية، حين قدّم واجب العزاء لأبناء الفقيد وبناته وأحفاده قائلا لهم: "هو رجل لا تأخذه في الحق لومة لائم".

بكاء الرجولة

لوحة جميلة مشغولة بخيوط ذهبية لفاتحة القرآن الكريم "الحمد الله رب العالمين.." هي أول ما يواجهك عند دخولك المكتبة. نالها عزيز ضياء في الحفل الذي أحيته إثنينية عبد المقصود خوجة الشهيرة تكريما له في 29- 5- 1403، ثم تواصل الدخول لتجد عن يمينك مجموعة من الكتب الموضوعة في خزائنها بكل عناية وترتيب تتوسطها جلسة مختصرة وأنيقة كان يستقبل فيها الفقيد ضيوفه. وعلى اليسار مباشرة تجد مكتبه الذي كان محلا لإنجاز الكثير من الأعمال الإذاعية والأدبية التي لا تزال تذكَر ليومنا هذا.

#2#

عبد العزيز ضياء الدين زاهد مراد (1914-1997م)، أديب ومترجم وإذاعي سعودي. ولد في المدينة المنورة في 22 يناير 1914، وهو العام الذي شهد اندلاع الحرب العالمية الأولى. فقد أباه في سن مبكرة. اشتهر باسم عزيز ضياء وهو اسم أدبي اختاره تكريماً لزوج والدته الدكتور ضياء كبير صيادلة الجيش التركي في المدينة المنورة إبان العهد العثماني، الذي تعهده بتربيته والاهتمام به فترة طفولته. وعن الحادثة التي جعلته يختار هذا الاسم يكتب عزيز في إحدى مقالاته، أن زوج أمه حين رآه ذات يوم يكتب خطابا لأحد أصدقائه ممهورا باسم "عزيز زاهد" بكى. وأضاف "بكى بكاء الرجولة التي لم تعرف قط كيف تسيل الدموع.. بكى وقال: ظننت أن اسمي لن يفارق اسمك.. إنك ابن زاهد حقا ولكنك ابني الروحي.. وأبنائي كلهم إخوتك وما أظن حقي عليك أقل من حق أبيك عليك". ويتابع عزيز، "فبكيت أنا أياما وشهورا، بل ما زلت أبكي كلما تذكرت أني في هذه المرة وحدها، قد جرحت مشاعر الرجل الذي لم يجرح مشاعري قط بكيت وما زلت أعتبر هفوتي تلك جحودا لئيما ليس بعده جحود، وآليت منذ ذلك اليوم البعيد أن يظل اسمي مضافا إلى اسمه إلى الأبد".

شرف المهنة

مكتبة الفقيد عزيز ضياء لا تذكر عند أهله إلا وتذكر معها زيارة من نوع خاص ومميز، شهدها هذا المكان بعد وفاة الأديب عزيز ضياء. زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي كان حينها وليا للعهد. وكانت الزيارة، بحسب حفيده المهندس عاصم صالح، تحمل الكثير من المشاعر الودية والعفوية حيث اجتمع الملك بأفراد العائلة من رجال وسيدات، وقدم لهم واجب العزاء بكثير من الحب والتقدير لشخص الأديب وما بذله من أجل الوطن في كثير من المواقع التي عمل فيها، مثنيا ومؤكدا لأفراد عائلته أن ما يميز الفقيد ـ يرحمه الله ـ أنه "لم تكن تأخذه في الحق لومة لائم".

هذه الشهادة الغالية والقيمة، من قبل الملك تؤكدها حياة حافلة بالعمل الحكومي والإعلامي الصحافي الذي لم يخل من مواجهات وتقاطعات نتج عنها إيقافه عن الكتابة الصحافية بسبب سلسلة من المقالات "الصادمة" في ذلك الوقت، وإن كانت في حقيقتها ليست سوى تفعيل إعلامي لطلب الملك فيصل في بيان وزراي يحث على "الشفافية وحرية التعبير". ولكنها تبقى "صادمة" لما فيها من تساؤلات مباشرة، وغير معتادة في ذلك الوقت، حول مناقصات وأخطاء وزارية. ورغم إثبات بعض الوقائع، وشكره من قبل بعض المسؤولين على إلقاء الضوء عليها، إلا أن هناك من وجد فيها مبررا لإيقافه بدعوى أنه كان من الأجدى أن يتواصل مع الوزارت المعنية قبل نشر المواضيع صحفيا.

فما كان منه إلا أن أخذ هذا المبرر بصدر رحب كعادته ليناقشه مع المعترضين قائلا: "لقد وُجد من قال لي بعد صدور الأمر بمنعي من الكتابة في الصحف والإذاعة منذ ثمانية أشهر: "إن حرية التعبير أو ما في معناها مما جاء في البيان الوزاري وفي غيره من كلمات جلالة الملك في لقائه بأبناء شعبه ممكن أن تتحقق بأن نكتب إلى المختصين مما نرى أو نسمع من خلل أو خطأ أو فساد أو انحراف". وهذا يبدو صحيحاً في منطق الكثيرين ولعله خطر لي في بعض الظروف التي كنت أقع فيها على حقائق عن بعض الدوائر الحكومية كدوائر وزارة الصحة مثلاً. ولكنني وجدت نفسي أمام عقدة من أعجب العقد في منطق الأشياء… وجدت نفسي أمام الفرق الكبير بين أن أكتب إلى المسؤولين والمختصين عما أرى وأسمع وبين أن أكتب هذا الذي أراه وأسمعه في الجريدة بأنه فرق ربما يتعذر أن يراه الكثيرون ولكنني رأيته واقفاً لي بالمرصاد. رأيته في ضميري كإنسان وفي ضميري ككاتب. رأيت أن الكتابة عن خطأ من أخطاء دائرة أو وزارة إلى رئيس هذه الدائرة أو وزيرها ينتزع مني شرف مهنتي ككاتب (…) واسمحوا لي أن أقول أنه يعزّ عليّ ككاتب وكمتصد لمعالجة الشؤون العامة أن ألبس ثوبا ليس لي، وأن أخرج بمهنتي أو بالصحافة التي أشتغل بها من طبيعتها كوسيلة للإعلام النزيه المجرد عن الغرض المجند لخدمة الدولة حكومة وشعبا، إلى وسيلة للطعن من الخلف".

كُتب وغليون

#3#

وبالعودة لكتب الفقيد فقد كانت لافتة في تنوعها لغةً وتوجها فكرا وثقافة، فهناك الكتب الإنجليزية وهناك العربية، هناك الدينية والسياسية إضافة للأدبية والشعرية بمختلف مدارسها. وتكاد لا تخلو كثير من الكتب من إهداء ممهور بخط مؤلفه أو الشخص الذي حرص على أن يُشارك الفقيد قراءته. كما أن عناية عزيز ضياء الخاصة بتجليد الكتب تحمل بعدا خاصا لا يمكن تجاهله فهو لا يكتفي بترك الكتاب كما هو بعد اقتنائه بل كان يوكله لأحد المختصين ليعيد تجليده بسماكة أعلى وأجود مع إضافة اسم "عزيز ضياء" بشكل بارز على كل نسخة، ما ساعد على بقاء هذه الكتب لهذا اليوم بحالة متماسكة وممتازة، رغم انقضاء عقود من الزمن على طباعتها، على عكس كثير من كتب بعض المكتبات العامة التي تعاني كتبها القديمة التلف والإهمال.

أما المكتب فقد كان عبارة عن كرسي قديم، نوعا ما، كان الراحل يفضله بشكل خاص فآثر عدم تغييره، إضافة لطاولتين؛ الأولى جانبية عليها آلته الكاتبة التي استمر في استخدامها لفترات متأخرة في حياته، وطاولة أخرى أمامية وضع عليها نموذجا للكرة الأرضية إضافة لكل متعلقاته وأقلامه. وفي مواجهة المكتب على الجهة اليسرى رفوف أخرى استكمل فيها الراحل باقي عشقه وشغفه للقراءة والكتاب.

وهو العشق الذي يماثله بحسب بعض مجايليه شغف آخر بتدخين "الغليون" وجمعه من مختلف أنحاء العالم. حتى أن صديقه الأديب القدير الأستاذ عبد الله مناع ذكر ذات مرة أن من أراد تدخين الغليون باحترافية فلا بد أن يمر بمدرسة عزيز ضياء أولا ليتجنب الكثير من الأخطاء. وعبد الله مناع هو أيضًا الصديق الذي لم يكن ضياء ليشتري لنفسه غليونا دون أن يتذكر شراء آخر لمناع رفيق دربه وشغفه الأدبي والثقافي.

ضمير الإنجاز

الضمير المهني الذي دافع عنه طوال حياته، وإيمانه العميق بأهمية الثقافة والإعلام التنويري والنزيه، هو ما دعاه، ليكون عضوا في المجلس الأعلى للثقافة والفنون والأدب السعودي عند تأسيسه منتصف السبعينيات كما كان ممن اقترحوا فكرة إنشاء الأندية الأدبية، وهو عضو مؤسس لنادي جدة الأدبي إذ ساهم مع الأستاذ محمد حسن عواد في تأسيسه العام 1975، وشارك في انتخابات أول مجلس إدارة للنادي حيث انتخب لمنصب نائب رئيس النادي. وشارك في إلقاء الكثير من المحاضرات الثقافية والإعلامية والاجتماعية في النادي وخارج النادي.

#4#

وتعتبر أسرة عزيز ضياء، من الأسر السعودية الفاعلة، حيث كان وزوجته أسماء زعزوع "ماما أسما" اسمين معروفين إعلاميا وتربويا، وسافرا معا للعمل الإعلامي في إذاعات عربية خارج المملكة في النصف الأول من القرن الماضي، ثم عادا إلى إذاعة المملكة، حيث برزت "ماما أسما"، كما كان لابنتهما الإعلامية دلال عزيز ضياء مديرة إذاعة البرنامج الثاني في إذاعة جدة، قبل أن تتقاعد رسميا، دور تنويري مهم وفعال حتى هذا اليوم كمتعاونة وداعمة للملتقيات المهمة، إضافة للفنان التشكيلي ضياء عزيز ضياء الذي كانت له مشاركات عالمية على المستوى الفني. كما يذكر أنه قبل وفاة الأديب عزيز ضياء بثلاثة أعوام (عام 1994)، وبعد أن قامت المملكة باعتقال مجموعة من المتهمين بالتحريض والدعوة إلى التطرف إلى كتابة مقال مهم لم ير طريقه للنشر بعد أن اعتذرت عن نشره إحدى الصحف. أما أهمية المقال فكونه من أوائل المقالات التي تساءلت عن خطورة التساهل مع الخطاب المتطرف ومع الدعاة المتطرفين. كما أنه تحدث عن ظاهرة أشرطة الكاسيت التحريضية التي كانت تباع علنا في المكتبات. وتساءل ضياء حينها، عن الجهة المستفيدة من مبيعات هذه الأشرطة. يذكر أنه بعد ما يقارب سنة من كتابة هذه المقالة وبالتحديد في نوفمبر 1995 وقع أول تفجير إرهابي في الرياض مستهدفا مركزا للتدريب العسكري.

يبقى الأكيد أن هذا الإنجاز وهذا الضمير يحملان من الوفاء للمعرفة والتنوير والوطن، القدر ذاته الذي يحمله للإنسان؛ ابنا كان أو صديقا أو قريبا. حيث الوفاء والحق لا يقاسان بالقرب أوالبعد، طالما كانا طبعاً متأصلاً فيه رحمه الله رحمة واسعة.

#5#

مؤلفاته وترجماته

"الاقتصادية" من جدة

(حمزة شحاتة قمة عرفت ولم تكتشف) 1977م.
(عهد الصبا في البادية) ترجمة 1980م.
قصص من (سومرست موم) تعريب 1981م.
(النجم الفريد) - قصص مترجمة.
(جسور إلى القمة) - تراجم 1981م.
(تورتة الفراولة) قصص أطفال تعريب 1983م.
(سعادة لا تعرف الساعة) 1983م.
(قصص من تاغور) ترجمة 1983م.
(العالم عام 1984م لجورج أورويل) - رواية مترجمة 1984م.
(ماما زبيدة) قصص 1984م.
(حياتي مع الجوع والحب والحرب) سيرة ذاتية 1995م.
(عناقيد الحقد) رواية نشرت على أجزاء في مجلة اقرأ.
(آراء في الفن والجمال) مجموعة نثرية
(كان القلب يقول) مجموعة نثرية

الأكثر قراءة