الإعلام الحديث بين قوة البيع وأسطورة الشراء

في ظل تلك الدول التي أطلقت على نفسها (الربيع العربي) وانتهاء فترة الاستبداد والضرب بالحديد والسياط، تلك الدول التي أصبح في بعضها الموت من الأمور العادية وأحاديث المجالس والأندية؛ فليس للإنسان مكانة وأضحى الفرد بدون حماية يصبح وقد لا يمسي، وقد يمسي ولكن بدون صباح، أصبحت قيمة الإنسان في تلك الدول لا تتعدى عشرة دولارات.
تلك الدول التي أصبح فيها الموت حقيقيا، وليس ضمن الألعاب الإلكترونية، لذا فإن مواطن تلك الدول إن لم يكن قد أدركه الموت فقد غادر وطنه حبا للحياة وخوفا من المجهول الذي أصبح معلوما.
أما الحكومات فهي إما أنها عاجزة عن فعل أي تحرك يحول دون هذه المجازر اليومية، أو أن مصلحتها تكمن في ألعاب الموت ضمانا لبقائها وامتدادا لنفوذها، وتقسمت دول كانت آمنة مطمئنة وتقسم أبناؤها، وفرضت عليهم ديانات ومذاهب هم بعيدون كل البعد عنها أو الإيمان بها، ولكن لا حول لهم ولا قوة، إما الاعتراف أو الهلاك.
وبدلا من أن يكون ربيعا عربيا أصبح خريفا مجهولا ينذر بالويلات والدمار، ومع هذه الكوارث اتسعت رقعة الإعلام الحديث وأصبح الإعلام سلعة تباع وتشترى وتسخر لأغراض ومصالح الحكومات الاستنزافية، وأصبح الحصول على شريط "سي دي" لعمليات التعذيب والتفجير والقتل والإرهاب سلعة يتداولها كبار العسكريين في هذه الأنظمة وبيعها على القنوات الفضائية التي تتسابق لنشر خبر تفجير أو عمليات تعذيب، وبدأ الإعلام الحديث ينزف والقائمون عليه يتمتعون بالثراء الفاحش من خلال عرض محطات فضائية لمشاهد مثيرة سموها الحرية وانتهاء العبودية.
في العاشر من شهر محرم الماضي أضحت المحطات الفضائية تنقل شعائر تحللت بالآلات الموسيقية وأضحت تلك المشاهد مطلبا للسخرية والرقص والضحك على اللحى، وهذا هو الإعلام الحديث لدى دول الربيع العربي.
أما الإعلام من منظور الغرب فأصبح مجالا للسخرية بين المتناقضات التي أصبح ساسة الدول الكبرى يلعبون بها على عقول أبنائهم، فمن بين مؤيد وممتنع عن مجمل قضايا أصبح الإعلام أضحوكة وسخرية ومجالا لصناع الألعاب الإلكترونية.
فهل سيأتي اليوم الذي ينشأ فيه إعلام صادق وخال من المساومات آمل ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي