الكتب الجيدة .. هل تصنع أفلاما جيدة؟

الكتب الجيدة .. هل تصنع أفلاما جيدة؟

الكتب الجيدة .. هل تصنع أفلاما جيدة؟
الكتب الجيدة .. هل تصنع أفلاما جيدة؟
الكتب الجيدة .. هل تصنع أفلاما جيدة؟

إذا حاولنا إيجاد عامل مشترك بين الأفلام الأكثر رواجا في السنوات الأخيرة مثل ''هاري بوتر'' ''دافنشي كود'' ''لورد أوف ثي رينجز'' ''هانجر جامس'' أو'' جاتسبي الرائع '' فالجواب سيكون حتما أنها كلها مقتبسة من كتب وروايات ناجحة .أكثر من موضة عابرة، الاقتباس من الأدب أصبح النزعة الغالبة في السينما العالمية بل وورقته الرابحة.

هذا ما جاءت لتؤكده أيضا دراسة أخيرة نشرت أخيرا في صحيفة ''لوفيجارو'' من إنجاز المؤسسة المدنية للناشرين باللغة الفرنسية (سيلف) امتدت على فترة ثماني سنوات وتناولت بالدراسة 957 فيلما كشفت نتائجها بأن فيلما واحدا من بين خمسة مقتبس من كتاب وبأن أكثر من 40 من المائة من الأفلام التي سجلت نسب مشاهدة عالية (أي نجحت في بيع أكثر من 500 ألف تذكرة دخول) مستوحاة من كتب وروايات. نفس الدراسة تكشف أنه من بين الـ 15 فيلما الأكثر مشاهدة في فرنسا (تلك التي تخطت عتبة مليوني تذكرة دخول) أكثر من نصفها مُقتبس من كتب والجديد أن الاقتباس أصبح يتم أيضاً من القصص المصورة (كوميكس) فرنسية وأمريكية مثل ''سبيدرمان أمازينج'' أو '' لو بوتي نيكولا''.

الناشرون والمنتجون علاقات جديدة
كان جيروم لندن مؤسس دار النشر المعروفة '' إديسيان دو منيوي'' يقول : " الوضع المثالي بالنسبة لأي كاتب هي أن يشتري المنتج حقوق الإقتباس وألا يتمكن أبداً من إنجاز الفيلم" هذه المقولة المأثورة تعبر عن تخوف الكتاب من مصير إبداعاتهم إن هي آلت لأيدي السينمائيين واقتبست كأفلام أو مسلسلات تلفزيونية. حتى أن كثيرا منهم كان قد عبر في الماضي عن استيائه من القراءة الثانية التي تقترحها السينما لإبداعاتهم الأدبية. قيل مثلاً إن الكاتب الأمريكي المعروف ''فرانسيس سكوت فيتز جيراد'' الذي لم يشاهد في حياته سوى الاقتباس الأول لـ'' جاتسبي الرائع'' عام 1926 غادر قاعة السينما قبل نهاية الفيلم وتقاسيم وجهه تعبر عن الغضب وإن كان قليل الكلام إلا أن زوجته زيلدا صرحت فيما بعد : " شاهدنا الفيلم ووجدناه مقرفا وسيئا ..". نفس الاستياء عبر عنه الكاتب ''وينستون جروم'' بعد اقتباس سيرته الذاتية '' فورست جامب'' لفيلم سنيمائي معروف من بطولة الممثل توم هانكس (إنتاج 1994) وينستون جرون اتهم المخرج بالإساءة لروح الكتاب إرضاء لمنتجي هوليوود قائلاً : "لا تدعو أحداً يخرج فيلماً عن حياتكم فقد تندمون بشدة".

ستيفان كينج كاتب علم الخيال المعروف لم يرتح هو الآخر لرؤية المخرج ستانلي كوبريك لكتابه ''شاينينج'' رغم نجاح فيلم الرعب الذي يحمل نفس العنوان (إنتاج 1980). كينج أعلن أنه أحب الفيلم كمتفرج وليس ككاتب لأن كتُّاب السيناريو غيروا الكثير من تفاصيل قصته.
على أن الأوضاع تغيرت كثيراً في الآونة الأخيرة ولا سيما من جانب الكتاب و الناشرين الذين أصبحوا لا يمانعون من التعامل مع السينمائيين بل ويبذلون قصارى جهودهم من أجل الوصول إليهم. آخر معرض للكتاب في باريس كان قد سجل حضورا قويا للمنتجين كسابقة أولى من نوعها : 220 منتجا سينمائيا التقوا في المعرض الفرنسي بـ 75 مسؤولا من كبريات دور النشر وتحادثوا معهم حول آخر إصدارتهم وإمكانيات اقتباسها للسينما وهو ما لم يكن مألوفاً من قبل.

#3#

بعض المنتجين يذهبون لغاية توظيف أشخاص يسمونهم ''المكتشفون'' (لي دينيشور) مهمتهم إيجاد الجوهرة النادرة أي الرواية التي تكون مناسبة لفيلم سينمائي أو تلفزيوني. الوضع نفسه بالنسبة لدور النشر التي تطلع المنتجين على آخر إصدارتها بانتظام. صحيفة ''لي زيكو'' الفرنسية نشرت شهادة ''لور ساجي'' المسؤولة عن القسم السمعي البصري في دار نشر الفرنسية ''فلاماريون'' و التي اعترفت على صفحات الجريدة بما يلي :" كل بضعة أشهر أرسل عبر البريد الإلكتروني لنحو 500 منتج سينمائي معلومات عن جديد إصداراتنا في شكل مذكرة صغيرة أضع فيها كل ما يمكن أن يشد اهتمامهم: كالفترة الزمنية والأماكن التي تدور فيها أحداث الرواية إضافة إلى عدد الشخصيات الذين يكونون الرواية. هذه المعلومات تساعدهم على تقييم تكاليف أي إنتاج سينمائي قد يقتبس انطلاقا من هذه الكتب".

السينما والأدب منفعة متبادلة

الكُّتاب وخاصة المغمورين منهم يرون في اهتمام السينما بأعمالهم فرصة ذهبية للحصول على مزيد من الاعتراف والتقدير. الكاتبة الفرنسية إليات أبيكاسيس صاحبة رواية ''حدث سعيد'' ( دار نشر البان ميشال) عن مشاكل الأمومة لم تخف فرحتها لسماع خبر اقتباس روايتها على صفحات جريدة هوفيجتون بوست : " الاقتباس ليس بالحاجة الملحة بالنسبة لأي كاتب لكنه أمنية جميلة، كلنا يريد لشخصياته أن تعيش، كلنا يتمنى أن تقتبس أعماله لأنه نوع من التتويج. إحساس رائع ومربك في نفس الوقت أن ترى الحياة الثانية التي تعيشك روايتك في السينما". الكُتاب الذين يبتسم لهم الحظ يشهدون بعد اقتباس أعمالهم ارتفاع نسبة مبيعات كتبهم بشكل ملحوظ.

#2#

''جريك دافيدسون'' صاحب رواية من''صدأ ومن عظام ''دو جوي إي دوس'' باع روايته بنحو 5 آلاف نسخة و بمجرد أن حولها المخرج جان كلود أوديار لفيلم سينمائي ناجح قفزت مبيعات هذه الرواية بنحو 10 آلاف نسخة في ظرف أسبوعين فقط. مجلة ''لي زيكو'' كشفت أيضاً أن رواية ''الرقة'' أو لاديليكاتيس لدافيد فونكينوس ضاعفت مبيعاتها بنسبة 30 في المائة منذ أن تم اقتباسها لفيلم سينمائي وكذا مبيعات رواية ''هوجو كابري'' لبراين سيلزنيك بنسبة 17 بالمائة منذ أن حولها المخرج الأمريكي مارتن سكورسيز لفيلم سينمائي، ولعل أحسن مثال يبقى سلسلة أفلام على الخيال '' ثي لورد أوف ثي رينج'' التي ساهمت في انفجار مبيعات الرواية في المكتبات حيث بيع منها عام 2002 أكثر من مليون و800 ألف نسخة محُطمة كل الأرقام القياسية آنذاك. لكن الوضع يمكن أن ينعكس حيث إن رواج الرواية هو الذي يصنع شهرة الفيلم كما حدث مع سلسلة روايات ''هاري بوتر'' التي كانت من أكثر الروايات مبيعاً في العالم قبل أن تقتبس للسينما.

تقول ماري دورنان المسؤولة عن قسم حقوق الاقتباس لدى دار نشر ''البان ميشال'' : "قد يحدث أن يعجب أي مخرج أو منتج بقصة لم تلق إقبالاً شديداً و يصر على اقتباسها لاعتقاده بأنها قد تكون إنتاجاً سينمائيا رائعاً، وأحياناً يقصدوننا وفي أذهانهم طلبات معينة ولكن لنكن واقعيين هم كذالك يخضعون لمنطق السوق ولن يهتموا برواية إلا إذا كانت توافرت لهم ضمانات كأن تكون قد حازت من قبل على إعجاب القراء".

وهي الفكرة التي يؤكدها أيضاً الباحث أنريك سكناج من جامعة فنسان، قسم السنيما والفنون الدرامية الذي يكتب في مؤلفه '' السنيما والكتاب : العلاقات الخطيرة'' ( دار نشر سي إن آر إس):
" الرهانات المادية مهمة لدرجة أن الرواج التجاري لقصة ما قد يصبح الميزة الأساسية، هناك فكرة أن الروائي قد أتقن جيداً لغته وحبكته الدرامية، مما يجعل المخرج واثقاً من أنه سيركز على الجانب السينمائي فقط دون تضييع الوقت في أشياء أخرى".

الرواية أم الفيلم؟

هناك تقليد سائد بأن يتبع ظهور أي فيلم سينمائي مقتبس عن رواية أو كتاب بسلسلة طويلة من المقارنات والتساؤلات: من الأحسن الكتاب أم الفيلم؟ وهل كان الفيلم وفياً لروح الكتاب؟ وهل سلط الضوء على الجانب المهم من الكتاب أم لا؟ وفي الواقع يقول الباحث أنريك سكناج من جامعة فنسان، قسم السينما والفنون الدرامية : " كل هذه الأسئلة غير شرعية إذ إننا نقارن وسيطين مختلفين تماما ومستقلين عن بعضهما البعض، كل من هما له لغته الخاصة به". يواصل الباحث : "كيف لنا أن نقارن بين رؤية الكاتب الذي يعبر عنها في 300 صفحة والرؤية الفنية للمخرج الذي يلخصها في أقل من ساعتين، في كل الأحوال هو لن يتمكن من نقل كل الأحداث وسيكون مضطراً للاختيار، لا ننسى أن المخرج حين يقتبس رواية للسينما فهو يقترح للجمهور وجهة نظره الخاصة وإدراكه الشخصي للمفهوم الرواية ومغزاها، لكننا حين نقرأ الرواية فذلك إدراكنا ونظرتنا الخاصة بنا وهذا في حد ذاته اختلاف كبير".

أما صحيفة سلات فتنشر مقالا للناقد و الصحفي ويلينج دافيدسون بعنوان : ''كيف تفسد هوليوود الروايات'' يقول فيه ما يلي: " للأسف لا أجد أمثلة كثيرة لمخرجين اقتبسوا بنجاح قد يكون ذلك سببه أن هوليوود غير واثقة من نفسها، لكن انبهار المخرجين بمكانة الكتُّاب تجعلهم لا يجرؤون على حذف مقاطع من الرواية كما أن كثرة الأحداث التي تستلزم تلخيصها في ساعتين لا تترك مجالاً للتعمق في القصة". و لمن يعتقد كويلينج دافيدسون بأن زواج الأدب والسينما مستحيل فإن كتابا كُثرا كانوا قد عبروا عن رضاهم لما آلت إليه إبداعاتهم على الشاشة الكبيرة. الكاتب فيليب ك. ديك كان أحد هؤلاء حيث بعث برسالة شكر لمنتج فيلم ''بلاد رونر'' الذي كان من وحي كتابه :" أثر هذا الفيلم سيكون ساحقاً، ليس فقط على الجمهور بل على المبدعين أيضاً، ما من شيء أنجزناه فردياً أو جماعياً قد يصل لمستوى ''بلاد رونر''، وعملي الإبداعي وحياتي وجدا مغزى مع هذا الفيلم".

الأكثر قراءة