قطر تدفع ثمنا باهظا لمغامراتها الإقليمية
نثرت قطر ثروتها التي يغذيها الغاز عبر العالم، وراكمت أصولها في صورة محفظة استثمارية بلغت مليارات الدولارات، ونشرت نفوذها في عالم عربي مضطرب، ونصبت نفسها داعماً للقوى الإسلامية الصاعدة. بلغت ثقة أميرها بموقفه درجة جعلته يتنازل عن منصبه لمصلحة ابنه في عام 2013، في محاولة لإظهار أن قطر أكثر تماسكاً.
مدة سنة تعتبر فترة طويلة في عمر الشرق الأوسط. وبدلاً من أن يتمتع بمزايا قدرة دولته على التأثير، أجبر الشيخ الشاب، تميم بن حمد آل ثاني، على إدارة ردود الأفعال على سياسة إمارته.
بدأ نجم قطر يخبو بسبب التحول الجيوسياسي في الشرق الأوسط ضده، إذ بعد تولي الشيخ تميم السلطة مباشرة، عُزلت حكومة الإسلاميين في مصر- وهي الحكومة التي ساندتها قطر مالياً وسياسياً - الأمر الذي حطم استراتيجية قطر الإقليمية. كما أصبحت العوائد المتدنية من استثمار قطر في حركة الثورة السورية واضحة بشكل متزايد، بسبب فشل المعارضة في تغيير ديناميكيات الحرب فيها.
هذا الأسبوع انجرفت الدوحة إلى خلاف بارز شغل اهتمام الناس، بعد ادعاءات بأن كأس العالم لكرة القدم في عام 2022 – وهي الحدث الذي قصد منه تثبيت وضعها الدولي الجديد - تم شراؤها من خلال الرشوة.
ليس من المؤكد حتى الآن ما إذا ستتم مراجعة عرض قطر باستضافة هذه الكأس، ولكن لجنة العرض القطري لتنظيم الألعاب في عام 2022 أنكرت قيامها بأي أفعال خاطئة. خسارة الحق باستضافة كأس العالم لكرة القدم ستكون هزيمة مهينة لدولة استقبل انتصارها من مناصريها، وحتى من الجهات المنتقصة من قيمتها في المنطقة، على أنه إنجاز لكل العرب.
يصر حلفاء قطر على أنها ستخرج بريئة بعد انتهاء التحقيقات الجارية الآن، ويدعون أنهم يرون في ذلك مؤامرة حول كأس العالم. ويقول أحد هؤلاء الحلفاء "استُهدفت قطر من دون غيرها، وعليها أن تقاوم هذا بأسنانها وأظافرها".
من نواح عديدة، ربما تواجه قطر عواقب تماديها في استغلال نفوذها، فالنفوذ الأكبر عادة ما يجلب معه تفحصاً أقرب لهذا النفوذ، وهو الذي يبدو أن قطر لم تكن مستعدة له.
انتقلت قطر من خلاف لآخر منذ أن فازت بتنظيم كأس العالم. الأول كان حول أسئلة تتعلق بافتقارها للبنية التحتية لكرة القدم، والثاني حول حرارتها اللافحة في الصيف. (كان على الفيفا أن تعلن عن خطط لإعادة جدولة مواعيد المباريات، بحيث تتم في فصل الشتاء). ثم انفجر الغضب حول معاملة قطر للعمال المهاجرين، وسط تقارير عن حوادث وفاة في مواقع الإنشاءات.
تسببت الادعاءات الأخيرة في تقديم مجموعة من الرشا، التي جاءت في أوراق تسربت إلى صحيفة الصنداي تايمز، في تراكم الضغوط على الشيخ تميم، في وقت يحاول فيه احتواء التفكك الذي أخذ يصيب سياسة قطر الخارجية.
أما بشار الأسد، الذي حاولت قطر إقصاءه عن منصبه، فقد رتب انتخابات لتأكيد بقائه في السلطة، وإظهار ضعف معارضيه. جاء الاستفتاء السوري بعد تصويت آخر في مصر توج عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، وهو القائد العسكري السابق الذي أطاح بالرئيس المعزول مرسي، في العام الماضي.
تورط الشيخ تميم، أثناء التحولات الجارية في سياسة المنطقة، في خلاف علني على غير العادة، مع السعودية والإمارات. كما شن منافسو قطر انتقادات حادة حتى تضع نهاية لانتشار سياسات الإسلاميين عبر المنطقة، وهو ما يعني من الناحية الأساسية مطالبة حاكم الدوحة باتباع النهج المتفق عليه بين أكثر دول المنطقة.
الأمر المثير للانزعاج بالنسبة لقطر أيضاً هو تحولها، بعد ارتفاع مكانتها في المنطقة، إلى كبش فداء مناسب لكل شيء يحدث خطأ في الشرق الأوسط. في الأسبوع الماضي، كان من المفترض أن تحتفل قطر بنجاحها في التوسط بتبادل السجناء بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، وهي المبادرة التي أثنى عليها الرئيس باراك أوباما، ولكن أفغانستان احتجت لأنها لم تُحَط علماً بذلك، كما اشتكى الجمهوريون من أن الإدارة الأمريكية تفاوضت عملياً مع إرهابيين.
وعلى كل حال، لقد اختفى بريق عملية تبادل السجناء، في ظل دخان ادعاءات رشا كأس العالم.