كل شيء ممكن

استهل أحد رؤساء الدوائر الحكومية المعينين حديثا تصريحه الصحافي بكلمة "لا يمكن"، حين سئل عن عمل يتم في كل دول العالم. يا له من مستقبل ينتظر القطاع الذي يرأسه سعادته.
لم نتصور في سنين مضت أن يسمح بالهاتف اللاسلكي فجاء الهاتف الذكي. كنا نعتقد أن التوقيع هو الضامن الوحيد لصحة المعاملة والتزام الناس بما فيها، لنكتشف أن وسائل الإلزام أصبحت ضمن شاشة صغيرة لا يتجاوز حجمها حجم كف اليد. ظننا في السابق أن الذي لا يعرف معالم الصحراء سيموت عطشا وجوعا، ليتبين لنا أن أبناء المدينة المرفهين يجوبون الصحارى دون خوف أو وجل.
تعلمنا أن المواطن الذي يعيش في قرية حدودية، لا بد أن يسافر مئات الأميال للحصول على بطاقة الهوية أو رخصة القيادة، أو ينجز أي قضية أو يترافع أمام المحكمة. وإذا بنا نشاهد الطائرات الصغيرة توصل البطاقات والرسائل، فيتقدم الأبناء على الجامعات دون أن يعرفوا مكانها بعد أن كان القبول على نظام من "سبق لبق".
اكتشفنا أن القاضي وهيئة المحكمة يمكن أن يأتوا إلى البدو في أماكنهم ليتداولوا قضاياهم ويحكموا فيها دون حاجة إلى السفر والبحث والانتظار بالأشهر لموعد جديد، أو بحث عن الخصم في شوارع المدينة.
كان الجهل ورفض التغيير مسيطرين على المشهد العام، بل كان الأشخاص الذين يحفظون نصوص النظام هم المشاهير، لم نكن نعلم أن القوانين تتغير والعلم يتسارع ونحن من فرط ثباتنا في المكان نتراجع بسرعة كبرى.
حضرت إيجازا عن تطبيق نظام إلكتروني في إحدى الشركات، وبعد انتهاء الإيجاز، سأل أحدهم: أين الورقة التي سيوقع عليها الموظف. كاد مقدم الإيجاز أن يفقد أعصابه، لكنه كان يجسد واقع الحال.
لو كان لي من الأمر شيء لقلت لمن يرفض أي شيء اذهب إلى بيتك فنحن لا نحتاج إليك. نعم يمكن أن نتخلص من كل الأوراق، نعم يمكن أن تستخرج جواز سفرك من المطار، وفي هذا الشأن تأشيرتك، نعم يمكن أن تنتقل من خلال الطيف البصري من دولة إلى أخرى، نعم ذلك ممكن. هذا ما كان يقوله مجانين زمان الذين تحولوا إلى عباقرة تدرس الجامعات نظرياتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي