جماعة «الدكاترة»

كافح زيد بعد أن دخل الوظيفة بالثانوية العامة، فحصل على درجة البكالوريوس. أربعة من زملائه وصلوا المرتبة الخامسة عشرة، بعد أن حصل أولهم على الدكتوراه في وقت قياسي، بينما لم يتجاوز هو التاسعة.
كان الزملاء يطلبون إجازات أو يستأذنون من رئيسهم، الذي ساعدهم في النهاية لاعتماد شهاداتهم من الملحقية. تبع الثلاثة زميلهم الذي ساعدهم على تحقيق الدرجة العلمية التي أوصلتهم إلى مراكز القرار.
لم يقتنع زيد بذلك الأسلوب، وبقي يكافح بقِيَمِهِ البسيطة وأفكاره التي طالما عاتبه على التمسك بها زملاؤه، وكان عتاب زوجته له أكبر كلما سمعت عن ترقية واحد من زملائه الذين كانوا يقبعون في ذلك المكتب الكئيب، لينتقلوا إلى مساحات فسيحة.
بلغ الأمر مداه بالزوجة عندما عُين أحد زملاء زيد مديراً للجامعة. فانتهت العلاقة بينها وبين زوجة زميل زوجها، الذي شاركه المكتب أكثر من خمس سنين. تركت الزوجة بيت زوجها، في محاولة للضغط عليه ليعدل عن "فكره المتحجر".
لم يكن زيد وحيداً في تلك الأزمة الأخلاقية، فعندما عادت زوجته أدراجها، حكت له قصصاً سمعتها عن أشخاص كانوا يعملون في غرف الأرشيف، حصلوا على شهادات عليا نقلتهم إلى الأدوار والمناصب العليا. أحدهم كان مراسلاً، وكان يقدم خدمات لمهندس من جنسية عربية، تتلخص في تسهيل معاملاته وتسريع طلباته.
جاء المهندس من دولته ذات إجازة وقد حمل هدية معه لزميله المعقب، عبارة عن شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة من أكبر الجامعات "تحت الشمس". استغرب صديقنا المراسل أن الشهادة صادرة من الجامعة نفسها، التي تزين شهادتها مكتب رئيسه. سأل المراسل صاحبه المهندس عن العلاقة بين الشهادتين، قال المهندس: دول تقدير مني لخدمات "الباشاوات".
لكن الجامعة عالمية المستوى ومعروفة للناس كلهم، أضاف المراسل. أكد له المهندس أنه لو أراد شهادات في الطب من الجامعة نفسها لحصل عليها، لكن الدور عليك يا حبيبي عشان تخرج من هنا قبل "ما تفضحنا".
استدعى رئيس البلدية المراسل وقال له: لقد توسطت لك عند زميلي الدكتور "هادي"، وسيوفر لك وظيفة في إحدى سفاراتنا في الخارج، تناسب الشهادة التي تحملها، ونتوقع منك خدمة أعضاء "الجماعة" مستقبلاً!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي