«كروس ـ فيت» .. تمارين اللياقة البدنية في أجواء عائلية
في مستودع مهجور بالقرب من نهر ماين في فرانكفورت، يقوم الرجال والنساء بقذف كرات التدريب الثقيلة تجاه الحائط، وممارسة الانخفاض على حلقات الجمناز، ورفع الأثقال والأوزان فوق رؤوسهم، والتسلّق والقفز فوق الحبال، كل ذلك وهم يهتفون ويتعرّقون بشكل غزير.
هذه ليست صالة رياضية عادية، لكنها "حجرة" بسيطة لشركة كروس ـ فيت CrossFit. هنا لا توجد مرايا حتى يطالع الرجال عضلاتهم بإعجاب، ولا يوجد منتجع صحي للاسترخاء بعد تمارينك، فقط حجرة مغطاة بستارة تكفي لأن تكون غرفة تغيير الملابس.
للوهلة الأولى قد يبدو هذا مكاناً غير متوقع لمسعى اسم كبير في مجال الرياضة يحاول تنشيط علامته التجارية، لكن بالنسبة لريبوك، شركة كروس ـ فيت يمكن أن تقدم خلاصاً تمس حاجتها إليه.
العلامة التجارية للملابس الرياضية، المملوكة منذ عام 2006 لشركة أديداس الألمانية، تصنع ملابس تحمل شارة كروس ـ فيت كجزء من تحالف أوسع مع حركة اللياقة البدنية العصرية.
وتعتبر الشراكة التي أبرمت في وقت كانت فيه ريبوك تحاول بصعوبة تبرير السعر الذي دفعته أديداس مقابل الاستحواذ عليها، وهو 3.8 مليار دولار، بمثابة لعبة شد حبل. فقد كان على ريبوك تجنّب إثارة استياء محبّي اللياقة البدنية المنجذبين لصورة كروس ـ فيت البسيطة والمنفعلة، والتعايش مع شبكة من أصحاب المشاريع الذين قادوا توسّع كروس ـ فيت السريع.
ويبدو أنها ناجحة حتى الآن. يقول كريس فرويو، نائب الرئيس للياقة البدنية والتدريب في ريبوك: "لقد شهدنا هذه العلامة التجارية تصل لمرحلة إنجاز مهم".
بالتأكيد ريبوك كانت بحاجة إلى عملية مساعدة. لقد كانت بمثابة صُداع شبه دائم بالنسبة لأديداس. فقد تخلّفت مبيعات أحذية ريبوك عن مبيعات نايك، التي حلّت محلها مزود ملابس رسمي لدوري كرة القدم الأمريكية NFL في عام 2012. وفي وقت لاحق اكتشفت أديداس مخالفات مالية في أعمال ريبوك في الهند، ثم كان عليها شطب 265 مليون يورو قبل عام، إلى حد كبير بسبب توقعات نمو مبيعات ريبوك المخيبة للآمال.
وسط خيبات الأمل هذه، قررت ريبوك إعادة مكانتها كعلامة تجارية "للياقة البدنية"، بدلاً من ربط اسمها بالرياضة الاحترافية التقليدية. وعلِم مديروها مصادفة عن كروس ـ فيت في عام 2009، عندما كانت لا تزال تُقدم نشاط اللياقة البدنية في بيئة ملائمة نسبياً وغير معروفة كثيراً خارج الولايات المتحدة.
ويُركّز نظام التدريب في كروس ـ فيت على سلسلة من التمارين التي تتغير كل يوم وتُعرف باسم "تدريب اليوم". ويغلب على التمارين الاستمرار لدقائق معدودة فقط لكنها مكثفة جداً، عادة ما تشتمل على مزيج من الحركات، مثل وضعية القرفصاء، والرفع والضغط، إضافة إلى أنشطة الإيروبيكس والتجديف والوثب بالحبل. قام أنصار هذا التدريب بإنشاء حجرات لكروس ـ فيت في جميع أنواع المواقع، من الكراجات إلى مواقف السيارات، ويشتهرون بأنهم مهووسون بتدريباتهم والعديد منهم يتبع حمية باليو التي تشبه ما كان يأكله إنسان الكهف. مع ذلك، تنبُع شعبية كروس ـ فيت ليس فقط من شدة تمريناتها، بل أيضاً من الشعور بالانتماء للمجتمع الذي تحاول كل حجرة تعزيزه. وتقول جيمي أندروز، إحدى مؤسسي موقع كروس ـ فيت بالقرب من النهر في فرانكفورت، إن الصالات الرياضية التقليدية غير اجتماعية أبداً بالمقارنة مع مواقع كروس ـ فيت.
وتقول: "يذهب الأشخاص إلى نادٍ رياضي ثلاث مرات في الأسبوع، ويستخدمون الآلات نفسها (...) إنه الشيء نفسه في كل مرة يذهبون فيها. ثم تقوم بوضع السماعات، ولا أحد يتحدث إلى أحد، وهذا - خاصة إذا كنت امرأة - مُخيف جداً".
وتقول: إن كروس ـ فيت تُعزز أكثر شعور العائلة "إذا لم نشاهد شخصاً معيناً لمدة أسبوع أو أكثر نُرسل رسالة، نسأله: أين أنت؟".
ولأنها تشتمل على رفع الأثقال المحمّلة بالأوزان الثقيلة، ربما يكون من المستغرب أن تحظى كروس ـ فيت بشعبية كبيرة بين النساء، كما أنها ليست حكراً على الشباب. وهذا التنوع مناسب وجذّاب لريبوك. يقول فرويو: "إنها المرة الأولى التي تقوم فيها النساء برفع الأثقال فوق رأسهن، أو برفعه عن الأرض فقط، هذا يمنح الكثير من السيطرة".
وفي عام 2010 وافقت ريبوك على شراكة مدتها عشرة أعوام مع كروس ـ فيت تساوي مبلغاً غير محدد. وتشمل رعاية ألعاب كروس ـ فيت، وهي سلسلة سنوية من الأحداث المرهِقة تُعرض على قناة التلفزيون ESPN، ما عزز من مكانة ريبوك في الولايات المتحدة. وتتميز الألعاب بجائزة كبرى تبلغ 275 ألف دولار يتم منحها للرجل والمرأة "الأكثر لياقة في العالم". ويُعتبر ريتش فرونينج، الفائز بلقب الرجال للأعوام الثلاثة الماضية، بالنسبة لكروس ـ فيت مثلما يعتبر تايجر وودز بالنسبة للعبة الجولف.
وإضافة إلى صنع أحذية وملابس كروس ـ فيت، تضع ريبوك علامتها التجارية في نحو 110 حجرات لكروس ـ فيت. وفي الوقت نفسه، يتباهى مقرها الرئيس في كانتون، ماساتشوستس، بحجرته الخاصة للتدريب، وتقريباً نصف الموظفين هناك هم من الأعضاء الفاعلين.
مع ذلك، التعاون مع كروس ـ فيت لا يخلو من مآزق محتملة. إذ يمكن للتمارين العنيفة أن تسبب إصابات، ومدى هذا الخطر محور نقاش ساخن.
يقول فرويو: إن الأذى الجسدي عموماً مسألة تدريب سيئ ونفاد صبر من جانب المشاركين "هذا هو المكان الذي نرى فيه معظم الإصابات. أنا لا أعتقد أن كروس ـ فيت تُشكّل أي خطر أكثر من أي نشاط آخر في الخارج، إذا تم التدريب بشكل صحيح".
والعلامة التجارية أيضاً عليها التأكد من أنها لا تفسد الهالة الخفيّة لكروس ـ فيت. لقد رفض جريج جلاسمان، وهو متحرر ذو شعر مبعثر قام بتطوير مفهوم اللياقة البدنية في عام 1995 في كاليفورنيا، اقتراحات من شركة أسهم خاصة للاستيلاء على الرياضة.
ويدافع جلاسمان عن اسم كروس ـ فيت بشراسة، لكنه يبدو قانعاً بالحصول على جزء صغير من أعمال سريعة النمو. وهذا يترك مجالاً لأصحاب المشاريع مثل السيدة أندروز وشريكها فيليب إمبوش لبناء عمل تجاري - ولريبوك بأن تعثر على مكان في نظام بيئة كروس ـ فيت.
وإذا استبعدنا تقلبات العملة، نجد أن مبيعات ريبوك ارتفعت في الربع الأخير من عام 2013 بنسبة 9 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وذلك بمساعدة كروس ـ فيت والارتباط مع منتجات اثنين من أنظمة اللياقة البدنية الأخرى. ويقول بيتر شتاينر، وهو محلل في ميتزيلر للأسهم، إن شراكة كروس ـ فيت كانت خطوة ذكية: "هناك بعض الدلالات الإيجابية كما أن المنتجات الجديدة جيدة".
وفي غضون ذلك، زخم الهوس لا يُظهر أي بوادر على التوقف. ويقول إمبوش: إن الكلام الذي يتناقله العملاء الراضون عنا هو الأساس: "الأشخاص الذين يذهبون إلى المدارس أو المكاتب ويقولون: يا صديقي، لقد كنت في كروس ـ فيت يوم أمس، كل شيء يؤلم، لكنها كانت تجربة رائعة".