مشروع خادم الحرمين الشريفين .. للثقافة الوطنية
الأستاذ سلطان البازعي رئيس مجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون بَشّر الوسط الثقافي في إثنينية عبد المقصود خوجة في الأيام القليلة الماضية بأن الأمير مشعل بن عبد الله أمير منطقة مكة المكرمة أمر بتخصيص أرض لجمعية الفنون في جدة.
ويأتي أمر الأمير بعد أن طلب رئيس "النادي الأدبي" في جدة من جمعية الفنون مبارحة مقر "النادي الأدبي" والبحث عن مكان آخر لممارسة نشاطهم الفني.
هذه القصة المؤسفة والمؤلمة تؤكد أن الثقافة في المملكة ما زالت تواجه المزيد من الظلم والعنت، فبينما دول العالم تحتفي بالثقافة وتعتبرها قوة ناعمة تستحق التقدير والاحترام، فإننا في المملكة نتربص بالثقافة ونتعقب أنشطتها ونتفنن في وصفها بأنها خارجة عن سواء السبيل.
نعم، كثيرون يُحَرِّمُون المسرح، ويُجَرِّمُون السينما، ويحظرون بناء المتاحف ودور المسرح ودور السينما وأكاديميات الفن والثقافة.
ولَكُمْ أن تتصوروا أن السعودية بحجمها الكبير في المجتمع الدولي لا توجد بها منشآت ثقافية، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية -بحمد الله- كل أرجاء مملكتنا الفتية.
إن ما يمثل المؤسسات الثقافية في بلادنا الآن هي الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت ومنابر ومتاحف ومؤسسات تعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي وحتى السينما والمسرح وبناء المتاحف الوطنية الكبرى، وتجليل الآثار لا استنكارها أو "استهبالها"، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار.
إذا كنا نسلّم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.
والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعتبرها مساهمة في التنمية.
ونؤكد أن موقفنا المناهض للثقافة والتراث أحدث فراغاً في عقول الشباب وجعلهم يستقبلون ويمارسون ثقافة الكراهية والعنصرية والإرهاب.
في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلاّ في الثقافة، ليس لدينا ولا منشأة واحدة، ليس لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية، ليس لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية رغم أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وبه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا -مع الأسف الشديد-الكثير منها.
حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل شعار مشروع خادم الحرمين الشريفين للثقافة الوطنية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها، أمّا أن نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والاستخفاف، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، فهذا ما يجب أن نعيد النظر فيه.
إذن لا تثريب على وزارة الثقافة والإعلام أن تباشر من الآن بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت اليونسكو بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، وفي الأحساء وفي خيبر وفي العلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت الكثير من الحضارات القديمة الغابرة.
إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلا بد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة، أمّا أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافياً، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلاّ إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.
وإذا كنا نَصُفُّ المملكة جنباً إلى جنب مع الدول العظمى، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيداً أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، لها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد، وهنا أتساءل إلى متى نبقى بدون منارات ثقافية، وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية، وإلى متى نقبل أن نظل أسيري الأفكار المحنطة التي ترمي الثقافة بمخالفتها للتقاليد والشرائع؟
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى سيغير من قناعات من كان يستنكر الكثير من أنشطة الثقافة، ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار لكثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.
إننا نحتاج إلى تعريف الناس بأهمية الثقافة ودورها في بناء الأمة وتنوير الشباب "ولا ننسى أننا في عصر الشباب"، حتى يقتنع من يستنكر الثقافة بأهمية الثقافة ودورها في التوعية والتنوير وبناء الوطن.
وفي الختام ليعذرني الزميل الأستاذ سلطان البازعي إذا قلت إنني كنت أتمنى أن تُرجئ الإثنينية حفل تكريمه إلى حين أن يكون في جعبته خبر يُعلن فيه أن الأوامر صدرت ببناء ثلاثة متاحف كبرى في ثلاث مدن سعودية، وثلاث دور للعرض المسرحي، وثلاث دور للعرض السينمائي، وثلاث أكاديميات لتخريج كوادر الفنانين المؤهلين، أما خبر قطعة أرض لجمعية الفنون في مدينة جدة، فهذا الخبر لا يغني ولا يسمن من جوع، ويوم يكون في يد الزميل العزيز هذه البشرى سنحضر حفل تكريمه حتى ولو لم نُدع إلى حضور الحفل.