Author

المصرفية الإسلامية .. حتى تكتمل الريادة

|
افتتح وزير المالية السعودي في مقر البنك الإسلامي للتنمية في جدة يوم 12 شباط (فبراير) الماضي، المنتدى الإقليمي رفيع المستوى الذي أقيم بهذه المناسبة. وتخللت هذا المنتدى حلقة نقاش حول "تعزيز تنمية القطاع المالي الإسلامي"، عقدت يوم 11من الشهر ذاته. وكان هدفها على وجه التحديد: تقييم تجربة مجموعة البنك في تطوير قطاع التمويل الإسلامي، ووضع رؤية لتطوير هذا القطاع في السنوات العشر المقبلة، وتحديد أفضل الطرق لتعزيز هذا القطاع. وقبل الدخول في صلب الموضوع والتعليق على هاتين النقطتين؛ لابد من ذكر بعض الأرقام حول حجم التمويل الإسلامي، استنادا إلى مصادر البنك الإسلامي للتنمية. بلغت أصول المصارف وشركات التمويل الإسلامية الأخرى في نهاية العام الماضي 2.7 تريليون دولار. ويتوقع البنك نمو هذا الرقم 9 في المائة سنوياً، ليصل إلى 6.5 تريليون دولار في نهاية عام 2020م. (على المتتبع أن يأخذ في الاعتبار تداخل الأرقام التي ليست محصورة في المصارف الإسلامية). وبلغت أصول شركات التكافل في نهاية العام نفسه 17.2 مليار دولار، والصناديق الإسلامية المشتركة 101.2 مليار دولار. أما حجم الصكوك المُصدرة على مستوى العالم الإسلامي؛ فبلغت 229.4 مليار دولار، 4.8 مليار منها أصدرها البنك الإسلامي للتنمية، الذي يمتلك برنامجاً قرره مجلس محافظيه للوصول إلى سقف عشرة مليارات دولار. معلوم أن جميع عمليات وأنشطة البنك الإسلامي للتنمية، يجب أن تتم، حسب اتفاقية إنشائه، وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية، إضافة إلى اضطلاع البنك بالدور الريادي لتطوير التمويل الإسلامي، وتوسيع نطاق الصناعة المالية الإسلامية. سأحصر تعليقي الحالي في القطاع المصرفي الإسلامي، تاركاً القطاع غير المصرفي، الذي يشمل الأوقاف والزكاة وصناديق الحج؛ لمن هم أكفأ مني في هذا المجال. يمكن تقسيم جهود البنك الإسلامي للتنمية من أجل تطوير المصرفية الإسلامية إلى ثلاثة مجالات: أولاً: الترويج لإنشاء والمساهمة في رأسمال ما يزيد على 20 مصرفا إسلاميا ومؤسسة مالية إسلامية، وفتح خطوط ائتمان للتعامل مع هذه المؤسسات. وساهم البنك في إنشاء عدة صناديق استثمارية، مثل محفظة المصارف الإسلامية، وصندوق استثمار أموال الوقف، وصندوقي الهياكل الأساسية الأول والثاني، وصندوق مؤسسة تنمية القطاع الخاص للغذاء وأعمال الزراعة؛ الذي ينتظر إعلان الإقفال الأول للمساهمة فيه قريبا. ثانياً: طَرْح المبادرات، والعمل لتبني إقامة الهياكل الأساسية لصناعة المصرفية الإسلامية، مثل: مجلس الخدمات المالية الإسلامية، هيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية، المجلس العالمي للمصارف الإسلامية، الوكالة الإسلامية للتصنيف، مركز إدارة السيولة. وقام البنك أيضاً بتطوير أدوات ومنتجات المصرفية الإسلامية، وتشجيع التعامل بها، مثل: المرابحة، الاستصناع، المساهمة في رأس المال والإجارة، الصكوك. وساهم عبر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في إجراء البحوث النظرية والتطبيقية حول المصرفية الإسلامية، وتدريب بعض كوادر المصارف الإسلامية. ثالثاً: إصدار الصكوك لتمويل عملياته، ولمساعدة المصارف والمؤسسات الاستثمارية الإسلامية والمستثمرين الأفراد؛ على إيجاد أدوات استثمارية إسلامية بديلة من الأدوات التقليدية. ويشجع البنك المؤسسات المالية الإسلامية الأخرى على إصدار أدوات الدَّين الإسلامية الخاصة بها، مثل الصكوك، عبر قيامه بشرائها، والاحتفاظ بها ضمن محفظته الاستثمارية. ولكي تتعزز وتكتمل ريادة مجموعة البنك الإسلامي للتنمية لهذا القطاع؛ أرى أن يأخذ البنك في الاعتبار النقاط التالية: النقطة الأولى: يُلاحظ أن بعض المصارف الـ 20، التي ساهم البنك في إنشائها، لا تزال مصارف صغيرة، وربحيتها متدنية، وإداراتها ضعيفة، وتحتاج إلى مزيد من الاحترافية والثقافة المصرفية؛ خاصة تلك التي أنشئت في القارة الإفريقية. ومن الأفضل التركيز على إنشاء مصرف كبير، مقتدر مالياً، ومدار بطريقة أكثر احترافية، ويكون له فروع في أكثر من دولة؛ عوضاً عن الاستمرار في إنشاء مصارف صغيرة، لا تخدم الاقتصاد المحلي بالشكل المطلوب، وتشكل عبئاً إدارياً ومالياً على البنك الإسلامي للتنمية. ويُفضّل دعوة أكبر عدد ممكن من القطاع الخاص المحلي والإقليمي؛ للمساهمة في هذه المصارف، وزيادة الموارد للتنمية، والنظر في تسليم الإدارة ولو مؤقتا لمصارف دولية أو إقليمية ذات سمعة جيدة. النقطة الثانية: هناك إشكالات تُثار باستمرار عند مناقشة أوضاع المصارف الإسلامية: الأول: الشكوك في مدى كفاءة الحوكمة والشفافية، وهذه لا تدخل ضمن المسؤوليات المباشرة للبنك الإسلامي للتنمية؛ إلا أنه ساهم - مشكوراً- في إنشاء الهياكل التي تساعد على الوصول إلى وضع أفضل، مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وهيئة المحاسبة والمراجعة الإسلامية، والوكالة الإسلامية للتصنيف. ويمكن للبنك، بما له من سلطة معنوية، واحترام من الجميع، وتعامل مباشر مع عدة مصارف إسلامية؛ أن يشجع هذه المصارف على تبني القواعد العالمية المعروفة في هذا المجال. الثاني: موضوع اللجان الشرعية، فكل مصرف إسلامي لديه لجنة شرعية قد تختلف اجتهاداتها مع لجنة شرعية في مصرف آخر. ولتقليل التكاليف على المصارف الإسلامية، وتوحيد معايير المنتجات، ومزيدا من تعميم استخدامها؛ يُقترح أن يسعى البنك إلى إنشاء لجنة شرعية، تكون مرجعاً لجميع المصارف الإسلامية في العالم، وتصدر نشرة دورية حول مستجدات المنتجات، وتقدم استشاراتها المباشرة للمصارف الإسلامية التي تطلبها. ويمكن تمويل هذه اللجنة عبر رسم مُحدَّد، تدفعه المصارف الإسلامية التي تريد الاستفادة من خدماتها. الثالث: موضوع المنافسة مع المصارف التقليدية. إن أهم عنصر ملموس في هذا المجال هو السعر، ويُثار - عادة - أن المصارف الإسلامية تتقاضى سعراً ثابتاً، على أساس كامل مبلغ الدَّين لكامل المدة. وفي الوقت الذي قد لا تسمح القواعد الإسلامية بالتجزئة، يُمكن أن يُحدَّد السعر منذ البداية، مع الأخذ في الاعتبار ظروف السوق. ومع ملاحظة أن هذه لا تقع ضمن مسؤوليات البنك الإسلامي للتنمية، إلا أنه بإمكان معهد البحوث والتدريب التابع للبنك، مساعدة المصارف الإسلامية على إيجاد مُعدَّلات سعرية، تمكنها من منافسة المصارف التقليدية. النقطة الثالثة: إن نسبة كبيرة من الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، التي يبلغ عددها 56 دولة، تعتبر من الدول الأقل نموا. وقد أخذ البنك هذا الموضوع في الاعتبار، فتبنّى برامج محدودة وتخصيصات مالية ضمن برامجه التنموية لهذه الدول، وفتح خطوط ائتمان لبعض مؤسساتها المتخصصة، من أجل تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وقرر مؤتمر القمة الإسلامي - بناءً على مبادرة من البنك - إنشاء صندوق التضامن الإسلامي، الذي خُصِّص له مبلغ عشرة مليارات دولار، جُمِع منها حتى الآن أكثر من ملياري دولار، معظمها من السعودية. وهناك شبه إجماع من خبراء التنمية، على أن التنمية الاقتصادية الحقيقية تبدأ بمحاربة الفقر، وتشجيع المشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وهناك خبرات دولية غنية في هذا المجال. وطالما أن البنك لم يضع حتى الآن برامج واضحة ومُحدّدة، لاستغلال ريع صندوق التضامن الإسلامي، المُشار إليه أعلاه؛ فيمكن أن تبدأ أولى برامجه بابتداع هيكل تمويلي، أو بنك لتمويل المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر في الدول الإسلامية الأقل نموا؛ أسوة بالبرنامج الناجح الذي سبق أن أنشأه البنك لتمويل التجارة بين الدول الإسلامية، الذي تطوّر فيما بعد ليصبح المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة. النقطة الرابعة: يلعب قطاع التأمين - كما هو معروف - دوراً مهماً في تجميع المدّخرات من الأفراد والمؤسسات، وتوفير التمويل اللازم للمشاريع في القطاعات المختلفة، وقد جرّب البنك الإسلامي للتنمية الدخول في هذا المجال عبر التمويل التكافلي. إلا أن نمو هذا القطاع لم يصل حتى الآن إلى ما وصلت إليه المصارف الإسلامية، ولعل البنك يضع تطوير هذا القطاع ضمن أولوياته المقبلة.
إنشرها