«ليس هناك من مهرب من تجمد أعماقنا»
"حان الوقت لرؤية ما أستطيع فعله، واختبار وتجاوز التحديات. ليس هناك ما هو صواب أو خاطئ، ليس هناك أي قوانين، فأنا حرّة". كلمات مقتبسة من أغنية Let it Go، التي حظيت برواج عالمي صاخب. الأغنية جزء من موسيقى فيلم ديزني الكرتوني الأخير "ملكة الثلج" أوFrozen، الذي شكل امتداداً لرؤية الفيلم. حيث لم تعد المرأة تنتظر بطلاً ينقذها، ويخرجها من أزمة هي غير قادرة على تجاوزها، بنعومة جسدها، وخوفها من مواجهة الواقع.
العصر الحديث جعل دور الرجل الشهم المتفاني ينقرض، وتجد انعكاس ذلك من خلال وسائل الترفيه كأفلام ديزني الكرتونية الجديدة، التي تستقطب مراحل عمرية متعددة، وتحاول تجسيد الرؤية الحالية للواقع. فيلم فروزن الذي أخرجه كل من كريس بك وجنيفر لي، فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم كرتون لعام 2014، حمل طيفاً من الرومانسية الحالمة، ما بين الأختين، إلسا، ذات الشخصية الهادئة الخجولة، التي تحاول إقصاء نفسها عن العالم، وتخفي لعنة تجعل كل ما تلمسه يتحول إلى جليد. وتقنع نفسها بسعادتها المتجلية من انطوائها: "أنا أنتمي إلى هذا المكان، وحدي، حيث يتعذر علي أن أجرح أي أحد".
#2#
وآنا، ذات الشخصية المنطلقة التي تبحث عن الحب واستكشاف العوالم الأخرى، والتي تقرر حين تحس بوجود خطر يتربص بإلسا، أن تمتطي الجواد، وتطلب من الأمير أن ينتظرها في مملكتها. مشاهد متعددة تشي بميل لترجيح الأدوار الأنثوية وسيادتها، في زمن يبحث عن معالم المساواة، وإنقاذ المرء لنفسه، دون الاستعانة بالغير.
تهمس إلسا: "ليس هناك من مهرب من تجمد أعماقنا". وهو ما يجسّد فكرة أن العدو الذي يحاربه المرء هو ذاته، والغضب الذي بداخله، يجعله يستحيل شخصاً آخر، يحقد ويثور، ليستحيل كل ما يلمسه إلى جليد. ذلك الإحساس الدفين يدفعها لأن تعصف بالثلج وتنتج كارثة عاصفية في مدينتها بسببها. ويتفاقم ذلك لتنشئ في عنفوان غضبها وفي محاولة دفاعية رجل ثلج متوحش، يبطش بكل ما حوله، هو نتيجة لخروج ما يعتلج بداخلها. لا تشعر بسلام إلا بالوحدة والبعد.
ذلك الجانب الحالم من "ملكة الثلج" يدفعك بشعور من النوستالجيا لأفلام ديزني في التسعينيات، أو تلك الفترة التي أطلقوا عليها "نهضة ديزني" ما بين 1989 إلى 1999، والتي ظهرت فيها أفضل أفلام ديزني الكرتونية، وأكثرها مشاهدة، حيث تواجدت شخصيات بطولية أسطورية كعلاء الدين، والجميلة والوحش، والأسد الملك. ليس فقط بفكرته الكلاسيكية التي يظفر فيها البطل بنهاية سعيدة، وإنما بانحناءات رسوماته الأكثر واقعية ودقّة، "وإن كانت بالتقنية ثلاثية الأبعاد"، التي استقطبت اهتمام البالغين، وليس فقط مرحلة عمرية صغيرة.
رشحت أفلاماً كرتونية أخرى لجائزة الأوسكار، كانت تحمل أبعاداً أعمق، إلا أنها لم تحو ذاك الجانب الذي يستهدف استمالة القلوب ببساطة مشاهده، وقربها من واقعهم، كتأثير الأسلوب الأمريكي المباشر في فيلم "فروزن"، الأقل تعقيداً والأمتع للمشاهدة. ترشح فيلم الكرتون الياباني "الريح تعلو" أو The Wind Rises، لمخرجه الياباني الشهير هياو ميازاكي، الذي قدّم أعمالاً شهيرة لاقت رواجاً عالمياً كفيلمه Spirited Away، الذي يتحدث عن قصة فتاة ضائعة تغرق في عالم الأرواح. يبحث دائماً عن طرق لإظهار الجانب الإيجابي للعالم، وضد فكرة التقسيم بين الشر والخير المتباينين، واهتمامه بإظهار مرحلة انتقالية في الطفولة، ومحاولة تغييب الأشرار أو الجانب السوداوي في أعماله. إضافة إلى هوسه بالطيران الذي يتجلى في فيلمه الأخير "الريح تعلو"، الذي يحكي قصة مهندس طيران يحلم بالتحليق جواً والطيران، بجمالية تمازج بين الخيال والواقعية. وإن لم يكن يستقطب فئات عمرية مختلفة، إذ كانت هناك مواضيع غير مناسبة للأطفال كحالات يأس وموت وندم. بل ومشاهد لإحدى الشخصيات التي تدخن. فيلم كرتوني جدير بالالتفات له، وإن لم يظفر بجائزة الأوسكار التي رجحت المفهوم الأمريكي الكلاسيكي. على أية حال، فإن "ملكة الثلج" يشي بشيء من العمق النفسي، ومواجهة المخاوف الداخلية، ومقاومة الثورة والغضب، وانتصار الشخصيات القوية. لا تملك إلا أن تأسرك كلمات أغنية Let it Go المرتبطة بتلك المعاني: "من الغريب كيف يدفعك الابتعاد لتلك المسافة، لأن ترى كل شيء صغيراً أمامك. وتلك المخاوف التي كانت تسيطر عليك، لن تتمكن من فعل ذلك أبداً".