الذرة المعدلة وراثيا تثير مخاوف تجار الحبوب

الذرة المعدلة وراثيا تثير مخاوف تجار الحبوب

في إعلان لشركة سينجنتا عن البذور المعدلة وراثياً، انتقلت عدسة الكاميرا عبر صف من سيقان الذرة غير الناضجة، ثم سلطت الأضواء على العشرات من الديدان الشاحبة وهي تلتهم الجذر.
وقال الإعلان محذراً الزرّاع: "هناك قنبلة موقوتة في الحقول. قنبلة يمكنها أن تدمر أرباحك وتغرق أعمالك بأكملها".
الرسالة ليست جديدة؛ لأن مكافحة دودة جذور الذرة هي مسألة دائمة في الزراعة. لكن أحدث محاولة لشركة سينجنتا لحماية المحاصيل من الآفات عن طريق إضافة "سمة" معدلة وراثياً، أثارت معركة جديدة – تشارك فيها شركات التكنولوجيا الأحيائية وصناعة تجارة الحبوب وحكومة الصين.
ولأن الولايات في الغرب الأوسط الأمريكي، التي يزرع فيها الذرة، تستعد لموسم الزراعة الشهر المقبل، تمت الموافقة على استخدام بذور "أجريشور ديوراكيد" Duracade Agrisure من إنتاج سينجنتا، داخل الولايات المتحدة - لكن لم يتم اعتمادها بعد في الصين. وموقف هذه القوة الناشئة ذات الوزن الثقيل، المستوردة للذرة، لديه القدرة على إحداث تحول في الأسواق الزراعية.
يقول خبراء الصناعة إن قرار الصين في أواخر العام الماضي رفض واردات تحتوي على سمة أخرى للذرة غير المعتمدة لديها تسبب في خسائر تقدر بمئات الملايين من الدولارات لشركات تداول السلع، بما في ذلك آرتشر دانييلز ميدلاند، ولويس دريفوس للسلع.
والتجار الآن قلقون من أن بذور "أجريشور ديوراكيد" ستتسرب إلى صادراتها، ما يجعلها غير قابلة للبيع في الصين.
ويبرز هذا التهديد المخاطر التي يتعرض لها المتداولون في السلع الزراعية في الوقت الذي يصطدم فيه اعتماد العالم المتزايد على الواردات الزراعية مع السياسات الوطنية. والجدول الزمني للصين للموافقة على التكنولوجيا الأحيائية لواردات الحبوب لا يزال متخلفاً عما حققته الولايات المتحدة بشهور، أو سنوات.
ويقول إريك تراتشتنبيرج، مدير الأغذية والزراعة في ماكلارتي أسوشيتس، وهي مجموعة استشارية في واشنطن: "لقد كان هناك اختلال في التجارة؛ لأن المنتج موجود في السوق الأمريكية، لكن لم تتم الموافقة عليه في الصين".
ويقول تجار إن "أجريشور ديوراكيد" تعد البذور المعدلة وراثيا الأكثر إثارة للجدل وزعزعة لصادرات الحبوب الأمريكية منذ ذرة "ستارلينك"، التي لم تتم الموافقة عليها للاستهلاك البشري، لكن ظهرت في المنتجات الغذائية منذ أكثر من عقد من الزمن.
وتقول شركة آرتشر دانييلز ميدلاند، المدرجة في بورصة نيويورك، إنها سترفض ذرة أجريشور ديوراكيد، في حين لن تعتمدها شركة كارجيل في عقود التصدير، مع الاحتفاظ لنفسها بالحق في فحص طلبيات التسليم. لكن متداولا بارزا يدّعي أنه حتى الفحوص الصارمة لن تقضي على خطر وصول بعض الذرة من هذا النوع إلى الموانئ الصينية. ويقول: "يمكننا أن نفحص حمولة كل شاحنة"، لكن "إذا عثرت السلطات الصينية على حبتين من الذرة المعدلة وراثياً ضمن شحنة حبوب حمولة مليوني كيس" فمن الممكن أن تُرفض الشحنة بأكملها.
وبلغت صادرات الولايات المتحدة من الذرة إلى الصين 1.2 مليار دولار العام الماضي.
وادّعى كل من جمعيات مصدري الحبوب الأمريكية ومشغلي صوامع الحبوب أن سينجنتا أوقفت المبيعات التجارية لبذور أجريشور ديوراكيد و"فيبترا" Viptera – وهي نوع الذرة التي رفضتها الصين – إلى أن يتم الحصول على الموافقة من بكين وبعض الأسواق الأخرى. ويحذر بيان مشترك من "الضرر الاقتصادي الخطير على المصدرين ومتداولي الحبوب، وفي نهاية المطاف، على المنتجين الزراعيين".
شركة سينجنتا ـ مقرها سويسرا ـ التي تعتبر أكبر شركة للكيماويات الزراعية من حيث المبيعات، لا تريد التراجع. وقد حددت منطقة انطلاق عملية زرع الربيع بحيث تمتد من كولورادو في الغرب إلى نيويورك في الشرق – وقد تعاونت مع "جافيلون" Gavilon، وهي شركة تابعة لمجموعة ماروبيني اليابانية، التي تعد بشراء أي ذرة تحمل سمة أجريشور ديوراكيد يحصدها الزرّاع.
ويقدر تشاك لي، الذي يقود أعمال الذرة التابعة لسينجنتا في أمريكا الشمالية، أن نحو 3500 زارع أمريكي سيزرعون بذورأجريشور ديوراكيد هذا الربيع. وتتوقع الشركة أن يتم زرع ذلك على مساحة إجمالية تبلغ ربع مليون فدان – تعتبر مساحة صغيرة من أصل 92 مليون فدان تتم زراعتها.
ويجب على الزرّاع التوقيع على "اتفاقيات تفويض" - للاعتراف بأن الذرة ليست للتصدير - واتباع بروتوكولات لمنع خلطها مع أنواع أخرى، مثل الزرع على شكل صفوف على حدودها وتنظيف المعدات الزراعية.
ويضيف تشاك لي أن الاتفاق مع "جافيلون" يضمن خيار التسويق للمزارعين. ويقول: "أنت تميل إلى رؤية السلوك السيئ عند الأشخاص عندما لا يكون لديهم خيارات".
تم زرع الذرة سمة فيبترا لأول مرة في الولايات المتحدة عام 2011. وحتى الوقت الذي رفضت فيه الصين لأول مرة شحنات الحبوب في الخريف الماضي، كانت أكثر الذرة التي تستوردها من الولايات المتحدة على الأرجح تحتوي على فيبترا في داخلها، كما يشير تشاك لي. ويقول: "من الواضح أنهم كانوا على دراية أننا كنا نبيع فيبترا وكانوا يعرفون أنه كان يجري غرسها في الولايات المتحدة".
ولاحظ بعض المحللين الغربيين أن السلطات الصينية بدأت رفض واردات الولايات المتحدة بسبب انخفاض أسعار الذرة المحلية، ويتساءلون عما إذا كانت بكين قد اتخذت تلك الإجراءات بهدف حماية الزرّاع المحليين.
وقال سكون سينديلار، وهو مسؤول زراعي أمريكي يعمل في بكين، في مؤتمر في واشنطن في الشهر الماضي: "يفتقر النظام الصيني إلى الشفافية. بإمكانك أن تشكك بصورة معقولة في التزام الصين بالقواعد القائمة على العلم، أو تتساءل إن لم تكن إجراءات الصين مجرد استخدام متطلبات السلامة في المواد الغذائية ذريعة لإدارة التجارة".
وفي مقابلة مع "رويترز" الأسبوع الماضي، قال نيو دين، نائب وزير الزراعة الصيني، إن العملية الخاصة بالموافقة على ذرة فيبترا قيد الدرس بعد أن قدمت سنجنتا معلومات إضافية.
ويأمل جوزيف جلاوبر، كبير الاقتصاديين في وزارة الزراعة الأمريكية، أن يكون من الممكن التوصل إلى حل بسرعة. ويقول: "تحتاج الصين إلى السعرات الحرارية. وهذه تحتاج إلى الذرة". ويضيف: "نأمل أن يكون الوضع الحالي ظاهرة مؤقتة".

الأكثر قراءة